العراق: في اليوم العالمي للصحة النفسية، لا تزال الاحتياجات كبيرة





يعاني وسام، البالغ من العمر 24 عامًا، من اكتئابٍ حاد، حيث شهد أعمال عنفٍ في السنوات الماضية في قضاء سنجار، المنطقة التي يعيش فيها، حتّى أنه كاد أن يُقدِمَ على الانتحار مراتٍ عديدة. 


كانت تراوده أفكارٌ عن قتل نفسه، وأحياناً عن قتل غيره أيضاً. عادةً ما تتلاشى هذه الأفكار سريعاً ولكنها أصبحت تخطر له بشكلٍ أكثر تكراراً وأصبحت مقترنةً بنوبات غضب.


كثرٌ غيره. فوسام ليس الوحيد، وسنجار ليست المنطقة الوحيدة التي تشهد فرق منظمة أطباء بلا حدود فيها قصصًا مماثلة. مهما تعددت الأسباب، تبقى النتيجة واحدة: عدد كبيرٌ من العراقيين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية، والاحتياجات النفسية في العراق جسيمة. 


شهد العراق سنواتٍ من النزاع المسلح وعدم الاستقرار تركت الكثير من العراقيين في أُسرٍ مشتتة في المخيمات أو وسط ركام مدنهم وبلداتهم. ربما تكون الحرب قد انتهت في العراق، لكن لا تزال هناك احتياجات ضخمة في جميع أنحاء البلاد، حيث لا يزال يعتمد حوالي 7 ملايين شخص على المساعدات الإنسانية ولا يزال 1.8 مليون منهم نازحين في المخيمات وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.


يقول رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في العراق د. مارك فورجي، أن "الاحتياجات لا تزال كبيرة جدًا، وهذا ما نشهده في مشاريعنا في مناطق عملنا في العراق. هناك أعدادٌ كبيرة من المرضى غير قادرين على التأقلم مع واقعهم اليومي، أو ما زالوا يعانون من اضطراباتٍ نفسية تُركت من دون علاج لوقتٍ طويل، وهذا ما يصعب علاجه الآن".


تعمل منظمة أطباء بلا حدود على تقديم خدمات الصحة النفسية كجزء من باقة الخدمات الطبية التي تقدمها في مشاريعها في محافظات بغداد وكركوك وديالى وأربيل ونينوى، وتتكوّن فرق المنظمة من ومعالجين ومرشدين نفسيين يساعدون المرضى على التأقلم بالإضافة إلى أطباء نفسيين يصفون الأدوية النفسية عند الحاجة. منذ بداية العام 2019 وحتّى شهر أيلول/سبتمبر، قدّمت منظمة أطباء بلا حدود حوالي 18,500 استشارة فردية مجانية للصحة نفسية في مشاريعها في العراق.


تختلف الحالات التي يعاينها فريق الصحة النفسية بحسب المنطقة والظروف المعيشية للمرضى. فمنهم من يسكن في مناطق ريفية ويصعب عليهم الحصول على الخدمات الصحية، ومنهم من اضطر إلى الفرار من منازلهم والتجأوا في مخيمات تفتقر إلى المعايير الصحية، ومنهم من عاد إلى مناطقهم المدمرّة، وجميعهم يحاولون جاهدين لإعادة حياتهم إلى مجراها، وهم معرّضون لمشاكل الصحة النفسية إثر الظروف الصعبة التي مرّوا بها. تعتبر الحالات النفسية الأكثر شيوعًا هي الاكتئاب والقلق الشديد واضطراب ما بعد الصدمة والفصام. 


وبعد توقف قطاع الصحة في بعض المناطق العراقية عن العمل بشكلٍ شبه كلي جرّاء الحرب والأحداث الأمنية مؤخرًا، لا يزال النظام الصحي يشهد بطئًا في التعافي. وتكمن أحد التحديات البارزة في مجال الخدمات النفسية هو قلة عدد الأطباء النفسيين أو الأخصائيين النفسيين العراقيين في بعض المناطق البعيدة عن المدن الكبيرة مثل سنجار والقيارة والحويجة أو في المناطق التي لا تزال تتعافى من آثار النزاع كما هو الحال بالنسبة الموصل.


يقول الدكتور مارك فورجي: "نضطر أحيانًا في المنظمة إلى إحضار متخصصين في الصحة النفسية لتوفير الدعم، لكنّه ليس الوضع الأمثل ولا يمكننا الاستمرار به على المدى الطويل. فنظام الرعاية الصحية النفسية في العراق يحتاج حتماً إلى مزيد من التمويل والأدوية، لكن الحاجة الأكبر تتمثل في تأمين مزيد من الطواقم المؤهلة التي ينبغي تعيينها في المناطق التي تعاني من نقص حاد وخاصةً في المناطق البعيدة عن المدن الكبيرة والمناطق المتضررة بالنزاع".


يعاني العراق من نقصٍ في الأخصائيين النفسيين والأطباء النفسيين، ولكن مع وجود أجيالٍ تعيد بناء حياتها بعد سنوات من الحرب وصدمات الخسائر التي لا يمكن تصورها، وصلت الاحتياجات غير الملباة إلى مستوى لا يمكن تجاهله، فالعمل نحو المزيد من الاستثمار في التعليم والاستثمار المادي والبشري في مجال الصحة النفسية بات أمرًا مهمًا.


تعمل منظمة أطباء بلا حدود عن كثب مع وزارة الصحة العراقية لتقديم خدمات الاستشارة النفسية وتطوير نموذج استشاري يُمكن المنظمة من أن تزيد بشكل كبير من إمكانية وصول المريض إلى الخدمات المطلوبة. في غضون ذلك، وإلى أن يتم تأمين المهنيين الوطنيين المتمرسين في مجال الصحة النفسية، ستكون هناك حاجة إلى خبرة دولية لسد الفجوة في البلاد. 


+++++++ 
تعمل منظمة أطباء بلا حدود في العراق منذ عام 1991، وتقدم طواقم المنظمة التي يزيد عددها عن 1,500 شخص الرعاية الصحية عالية الجودة والمجانية لجميع الناس بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو انتمائهم السياسي. وتوفر طواقم المنظمة العاملة في العراق الرعاية الصحية الأساسية والمتخصصة، ورعاية الحوامل والأمهات الجدد، وعلاج الأمراض المزمنة، والجراحة وإعادة التأهيل لجرحى الحرب، ودعم الصحة النفسية، وأنشطة التوعية الصحية. تعمل المنظمة حالياً في محافظات بغداد وديالى وأربيل ونينوى وكركوك.


AM:11:20:10/10/2019




4 عدد قراءة