أخبار السوشيال الكاذبة... وباء معلوماتي ينافس "كورونا"



موظف واحد فقط حصيلة المصابين بالفيروس حتى اللحظة بين موظفي "فيسبوك". لكن عالم فيسبوك عليه ملايين الإصابات والاشتباهات والعدادات والأخبار الحقيقية والمفبركة، ناهيك عن بركان متجدد من نظريات المؤامرة المدعومة بالفيديوهات المفبركة حيناً والمسجلة قبل عقود حيناً والمسخرة لإثبات صحة النظرية دائماً.

منصات التواصل والتشبيك

دائماً ومنذ ظهورها على الساحة ومواقع التواصل الاجتماعي تجمع المستخدمين وتشبكههم ببعضهم البعض. هكذا فعلت المنصة الأولى "سيكس دغريز" في عام 1997، وهكذا سارت المدونات "البلوغز" في ركاب التواصل والتشبيك منذ عام 1999، وعلى الدرب ذاته سارت "ماي سبيس" و"لينكد إن" في أوائل الألفينيات، وفي السياق نفسه مع كثير من التجويد والإبداع تحولت  "فيسبوك" و"تويتر" و"واتسآب" و"إنستغرام" و"يو تيوب" إلى ساحات اجتماعية افتراضية تنافس قرينتها على أرض الواقع، وربما تتفوق عليها.

وكما أنها ساحات كُتِبت في محاسنها الكتب والمقالات، وأسهب في سرد محاسنها آلاف الكتاب والعلماء، فإنها أيضاً في أوقات الكوارث والأزمات بدأت تطل على سكان المعمورة بوجوه وقوالب ومحتوى ينافس الكارثة في سطوتها والأزمة في وطأتها.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، وتحديداً منذ بدء ظهور الشكل الجديد من فيروس "كورونا" أو "كوفيد –19"، تحولت منصات التواصل الاجتماعي في جانب كبير منها إلى صداع مزدوج في رؤوس الحكومات، وتحدٍ مستمر لجهود التوعية والمواجهة، ومسمار إضافي في نعش الاستخدام الرشيد لها. صارت جوانب من محتوى هذه المنصات ناقلة للعدوى وحاملة للفيروسات وأرضاً خصبة لنظريات المؤامرات والتناحرات الاقتصادية  والمكايدات السياسية.

 

 

اختيارات "كورونا" السياسية

سياسياً، لا تألو أقسام "السوشيال ميديا" في مختلف المؤسسات والوزارات الحكومية في عشرات الدول حول العالم تدون وتغرد وتشارك ما لديها – أو بالأحرى ما تريد أن يعرفه العالم - عن موقفها من "كورونا" وموقف الأخيرة منها. أغلب هذه المهام تتلخص في كتابة ومشاركة معلومات صحية عن سبل انتقال الفيروس كخدمة توعوية ومعلوماتية للمواطنين، بالإضافة إلى متابعات لما يجري في مؤسساتها الصحية من استعدادات وإجراءات ومتابعات من الجهات الصحية الأممية.

سياسياً أيضاً، يتداول شعب المنصات العنكبوتية بمختلف فئاته وانتماءاته ما يتم التفوه به أو التغريد والتدوين من قبل الساسة حول الفيروس الذي حير العالم. العالم العنكبوتي لا يفوت فرصة ظهور الرئيس الأميركي دونالد ترمب مغرداً أو متحدثاً عن "كورونا". فما إن أقر ترمب ميزانية عاجلة قيمتها 8.3 بليون دولار أميركي لمكافحة "كورونا" حتى انطلق الجميع بين مهلل للخطوة باعتبارها خطوة عظيمة في طريق الوصول إلى لقاح أو علاج أو كليهما، ومندد ساخر لأن ترمب كان قد تحدث مفاخراً في نهاية فبراير (شباط) الماضي عن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها أميركا لمنع وصول الفيروس إليها وأبرزها منع دخول الصينيين، وهو القرار الذي أثار الكثير من الجدل والمعارضة على أثير العنكبوت. وجاء في تغريدة ترمب أن "فيروسا بدأ بالصين، وينتشر في مختلف البلدان بالعالم، لا ينتشر على نطاق واسع في الولايات المتحدة بسبب الإجراءات المبكرة التي اتخذتها أنا وإدارتي، ضد رغبة الكثيرين، ونقطة حديث الديمقراطيين الوحيدة، وأنتم ترون ذلك، هي أنه خطأ دونالد ترمب". وما هي إلا دقائق، حتى تواترت أنباء عن ظهور إصابات. ووصل الأمر إلى درجة إعلان الطوارئ في كاليفورنيا. وبينما يتوالى ظهور حالات بعدد من الولايات، يضرب المدونون والمغردون بعنف على أثير العنكبوت.

 

 

طرفا النقيض في أميركا

أثير العنكبوت يعكس طرفي نقيض في الولايات المتحدة الأميركية. خوف وقلق طبيعيان ومتوقعان يصلان أحياناً إلى درجة الهلع والمبالغة. ومكايدات سياسية ضد ترمب تفتئت على زيادة الإصابات وتنتعش مع كل إعلان عن حالات جديدة ووفيات حديثة.

نسب ترمب فضل "عدم وصول كورونا" إلى الولايات المتحدة الأميركية، ثم وصولها بعدها بساعات، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي وأبقى عليها مشتعلة، فيوم الأربعاء الماضي أعلن على الهواء مباشرة عبر مكالمة هاتفية مع قناته التلفزيونية المفضلة "فوكس نيوز" أنه لا يصدق نسبة الوفيات المعلنة من قبل منظمة الصحة العالمية، وهي 3.4 في المئة، واصفاً إياه بالرقم الـ"كاذب"، ومرجحاً ألا تزيد النسبة على واحد في المئة. 

وعلى الرغم من أن ترمب انتقد غير مرة مروجي "الأخبار الكاذبة" و"غير الدقيقة"، فإنه عاد وقال في اللقاء نفسه أن ما يقوله هو "حدس، يرتكز على محادثات كثيرة مع ناس كثيرة حيث إن أناساً كثيرة تصاب بهذا (الفيروس)، وهو فيروس ضعيف للغاية، وهم (من يصابون به) يتحسنون، حتى إنهم لا يذهبون إلى الطبيب".

غليان "تويتر"

"تويتر" المنقلب رأساً على عقب سخريةً وهبداً سياسياً لا يزال يغلي. والغليان ليس على المستوى الوطني فقط، لكنه بالطبع ممتد للغليان العابر للقارات. وحيث إن ظهور الفيروسات وانتشار الأوبئة، شأنه شأن اندلاع القلاقل والثورات والتظاهرات، دائماً ينشط ويغذي نظريات المؤامرة، فإن البعض من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أشاروا إلى أن روسيا تروج على الأثير العنكبوتي بأن أميركا هي من نشرت الفيروس لتحقيق غايات سياسية واقتصادية تصب في صالحها. وكان القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا فيليب ريكر قد قال قبل أيام إن "الجهات الفاعلة الروسية الخبيثة كانت تحاول زرع معلومات مضللة عن أصل الفيروس". كما تضمنت التدوينات والتغريدات المنتشرة بالملايين وبلغات عدة على شبكة الإنترنت تنويهات بأن بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت، ضالع في نشر الوباء. أميركا تقول إن هذه التغريدات والتدوينات لـ"كتائب إلكترونية" وليست أشخاصاً من مستخدمي الشبكة. وروسيا تنفي بشدة هذه الاتهامات.

المؤامرات الطبيعية

نظريات المؤامرة "الطبيعية" تتحول إلى طوفان حين يتعلق الأمر بصحة سكان الكوكب في زمن التواصل الاجتماعي المتاح للبلايين. فمن الصين، موطن إطلاق الفيروس، لمجلس إدارة العالم اُتخذ قرار تقليل عدد سكان الأرض لإنقاذ البيئة وتوازنها، إلى اتهامات متواترة من أغلب شعوب الأرض لحكوماتها بأنها تخفي حقيقة الإصابات، تدور دوائر كورونا على أثير العنكبوت.

لكن فيروس كورونا على الأثير ينافس نفسه في الحجر والدول والواقع منافسة شرسة. وصل الأمر لدرجة وصف ما يجري من هبد ورزع لا يتوقفان على مدار ساعات اليوم الـ24، لا سيما أن ساعات الهبد في نصف الكرة الشرقي يختلف عنها في نصف الكرة الغربي، بأنه "إنفوديميك" أو "اجتياح معلوماتي". ويبدو أن طريقة الإعلان الأول عن الفيروس في الصين أسهمت إلى حد ما في تحويل المحتوى المعلوماتي حول "كورونا" على الشبكة العنكبوتية إلى جائحة معلوماتية منها ما هو معلومات، ومنها ما هو أكاذيب وأخبار مفبركة.

 

 

سارس وكورونا

الإعلان الصيني الأول دار في إطار فيروس، حدوده سوق مأكولات بعينها، وسببه التعامل مع حيوانات متوحشة. لكن  باليوم التالي، ظهر الطبيب زونغ نانشان، وهو نفسه الذي أعلن عن انتشار "سارس" في عام 2003، على التلفزيون الصيني الوطني ليعلن أن الفيروس ينتقل من إنسان إلى آخر. هنا انتشر الهلع بدقة زر. وكانت النتيجة أن تطبيقات التبضع عبر الشبكة العنكبونية أعلنت عن فراغ أرفف السوبر ماركت تماماً.

وتحولت المعلومات والمفبركات حول كورونا إلى ما يشبه كرة الثلج. كلما تم الإعلان عن زيادة إصابات وحدوث وفيات، انخرط الملايين في التدوين والتغريد وعلى "يوتيوب" و"إنستغرام" وغيرها لتداول وابتداع وتشارك واجتزاء وقص ولصق ومزج العلم بالروحانيات، والمعلومات بالسياسة، والحقائق بالآراء، ووصفات الأكل بوصفات الوقاية، وإعلانات بيع الأقنعة بالتأكيد على أن القناع لا يفيد إلا في حالات بعينها حتى تحول أثير العنكبوت إلى حلبة زاعقة صاخبة تعيد تدوير الهلع، وتضمن إبقاء المعلومات والمعلومات المغلوطة متشابكة منصهرة في أثير واحد.

الأثير الأممي

الأثير الأممي ينضح بكمٍّ غير مسبوق من تبادل التجارب وتشارك الفيديوهات وتصاهر التدوينات. أم مصرية على "فيسبوك" كتبت في ساعات الفجر الأولى بعد ساعات من مشاهدة فيديوهات وقص النص الفارسي والإنجليزي ولصقه على "غوغل ترانزليت" وترجمته للعربية، قرارها السيادي الذي وصفته بألا رجعة فيه، وقررت بناء على الفيديو الذي شاهدته لأطفال في إيران أن تتوقف عن إرسال أطفالها للمدرسة إلى أن يتضح ما سيسفر عنه "كورونا". لم تكتف الأم بقرارها الشخصي، بل كتبت موجهة كلامها إلى جموع الأمهات (الماميز) على صفحتها أن أطفالها أعز ما لديها، وأنها لن تضحي بهم. وكل ما يقال عن أن الأطفال أقل المتضررين من الفيروس، وأنه حتى في حالة الإصابة فإن معدلات الشفاء بينهم الأعلى لا يعني لها إلا أن تتوقف عن إرسال الصغار للمدرسة.

وبالطبع وكما هو متوقع، فإن مئات الـ"ماميز" على صفحتها هرعن إلى البحث عن الفيديو المشار إليه، ثم شاركنه وقام بدوره العنبكوتي، حيث تحذير وتنبيه بأن مشهد الأطفال في الفيديو وهم يتنفسون بصعوبة مرشحٌ للتكرار في حال استمر الصغار في التوجه إلى المدرسة. وكما جرى العرف العنكبوتي أيضاً، فقد تبرع البعض بإضفاء لمساته التجويدية، ووصل الفيديو إلى إحدى الأمهات المصريات المقيمات بالإمارات باعتباره فيديو لأطفال مصريين، فبدأت تشاركه على هذا الأساس، وهلم جرا.

مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، قال في مؤتمر الأمن في ميونيخ في منتصف فبراير (شباط) الماضي، "نحن لا نحارب وباءً صحياً فقط، نحن في حرب مع وباء معلوماتي كذلك". كان غيبربيسوس يتحدث عن الوباء العالمي من المعلومات الخاطئة الآخذ في الانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي ممثلاً خطراً إضافياً لما يواجهه العالم من وباء "كورونا".

 

 

طوفان معلوماتي

ما ذكره مدير عام منظمة الصحة العالمية، وما يواجهه سكان المعمورة من طوفان معلوماتي يحتمل الصواب والخطأ، والعلم والتضليل، والمساعدة والتآمر، يسلط الضوء بشكل غير مسبوق على القوة الكامنة وغير مكتشفة الأبعاد لما تحمله الشبكة العنكبوتية من قدرات وإمكانات وأخطار وتهديدات.

 رئيسة قسم الاستعداد العالمي للأخطار المعدية في منظمة الصحة العالمية سيلفي براياند تقول، إن مع كل تفشٍ لوباء تتفشى معه المعلومات. وبين هذه المعلومات ما هو حقيقي وما هو كاذب ومضلل وإشاعات، مطلقة عليه مسمى "وباء المعلومات".

وأضافت براياند أن "وباء المعلومات" الذي يشهده العالم حالياً في ظل كورونا ليس الأول من نوعه، فحتى في العصور الوسطى تفشى وباء المعلومات مع تفشي الأوبئة. لكن في العصور الوسطى، لم تكن هناك منصات تواصل اجتماعي وشبكة إنترنت.

وباء معلوماتي

وحذرت براياند من أن هذا الوباء المعلوماتي يمكن أن يعرقل اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الوباء الصحي. واستشهدت براياند بـ"الحمى الصفراء" التي ضربت أنغولا قبل سنوات، وأحدث تفشياً لفيروس الإيبولا في الكونغو الديموقراطية، مشيرة إلى أنه خلال تفشي الحمى الصفراء في أنغولا، خرجت إشاعات تفيد بأن الأشخاص الذين يتم تطعيمهم لا يمكنهم شرب البيرة لمدة أسبوع، ما أدى مباشرة إلى انخفاض معدل التطعيم. وفي حالة تفشي فيروس إيبولا بالكونغو، انطلقت إشاعة مفادها أن مرض الإيبولا غير موجود، وهو ما حرّم العديد من المرضى من فرصة العلاج. وكررت براياند غير مرة ضرورة مواجهة المعلومات الخاطئة منذ بداية تفشي أي مرض، لا سيما حين تسارع وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات بأنواعها.

أنواع الفيروسات المعلوماتية يصعب احتواؤها. فمن مكالمة هاتفية يجريها أحدهم في وسيلة نقل عام عن "أعداد المصابين المهولة التي تخفيها الحكومة، وإجراءات دفن المرضى المتوقع موتهم متأثرين بالفيروس ومنها إلى آذان عشرات الركاب حوله، ومن الآذان إلى التكتكات على الهواتف المحمولة لنقل المعلومات التي سمعوها لتوهم من الراكب الزميل إلى قوائم معارفهم وأصدقائهم، باعتبارهم ناقلين "معلومات" عن مصادر موثوق فيها.

معاناة المصادر

المصادر الموثوق فيها فيما يختص بـ"كورونا" تعاني الأمرين. والمعاناة الأكثر مرارة تكمن في محاربة طواحين الهواء المعلوماتية التي تتكاثر مع رذاذ كل دقة على لوحة المفاتيح. أما مواجهة الفيروس نفسه، وتكثيف الجهود من أجل مزيد من الفهم ومن ثم الوصول إلى علاجات ولقاحات، فهذه أهون المر.

أرشيف الأوبئة المعلوماتية المتصلة بالأوبئة الصحية حافل بنماذج سابقة في عصر تقنية المعلومات وتطاير رذاذ الأخبار. فخلال العقود الثلاثة الماضية، استقبل العالم وباء إنفلونزا الخنازير ومعه "فوبيا الخنازير" ورهاب العطس وفوبيا حك الأنف. كما تعامل العالم مع وباء "إيبولا" بجزع من أي صداع وهلع من جراء أي ارتفاع في درجة حرارة الجسم. والسيناريو نفسه تكرر مع "زيكا" واعتبار أي ألم في المفاصل هو زيكا القاتل.

ظلال وارفة وعقيمة

كل ما سبق وغيره من أوبئة وأمراض شغلت العالم في عصر تقنية المعلومات وإتاحة الإنترنت لبلايين البشر ألقت بظلال، بعضها وارف والبعض الآخر وخيم على منصات التواصل الاجتماعي. فبينما دقت الملايين أزرار أجهزتها بحثاً عن معلومات حول الأعراض، وسبل الوقاية، وأبرز عوامل الإصابة، وطرق العلاج، ونسب الوفيات، دقت ملايين أخرى أجهزتها نشراً وإعادة نشر وكذباً وبهتاناً ونشراً للإشاعات ومشاركة لأخبار غير مدققة أو موثقة سواء بسذاجة نية أو سوئها.

دروس الأوبئة المعلوماتية

تواتر الأوبئة في عصر تقنية المعلومات يلقن الجميع دروساً. يلقن الحكومات، والقائمين على أمر الأنظمة الصحية دروساً في أهمية الشفافية وضرورة المصارحة والمواكبة أولاً بأول، لا سيما أن عصر الإنترنت يسطر نهايات التمويه والحجب والمنع والمداراة. كما يلقن "الأشرار" ومحترفي الرقص على القبور وإشاعة الفتن ونشر البلبلة والمكايدات السياسية والانتقامات الاقتصادية (سواء على مستويات الدول أو الأفراد) دروساً أيضاً. والبقاء للأكثر قدرة على تطوير أدواته المعلوماتية ومواكبة التغيرات العالمية ومخاطبة الشعوب ورفع وعيها في أوقات الصحة والرفاه والاستقرار وليس بعد وصول الوباء والهلع والبلبلة.

اليوم ومع وباء "كورونا" وبالنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن القول إن الحكومات والمؤسسات والمنظمات الصحية أصبحت أكثر وجوداً وأعلى مواكبة وأسرع استجابة على غالبية هذه المنصات. صحيح أن هناك فروقاً بين دولة وأخرى، ودرجات مقاومة مختلفة بحسب طبيعة الأنظمة السياسية والاستعدادات الأمنية للمصارحة والشفافية، إلا أن طبيعة الشبكة جعلت من شفافية الدولة (أ) بالضرورة عابرة للحدود ومؤثرة على شفافية ومعلوماتية دولة (ب).

رصد وتوثيق

هذه الطبيعة التي يعرفها جيداً القائمون على أمر الشركات المالكة لهذه المنصات تضع القائمين عليها في خانة المسؤولية والمساءلة. تطوير أنظمة رصد وتطويق الأخبار الكاذبة والميليشيات الإلكترونية والحسابات المزيفة ومن ثم منعها لم يعد يتصل بنتيجة انتخابات رئاسية في دولة ما، أو خروج دولة من اتحاد قاري، أو إسقاط دولة لصالح جماعة دينية. لقد أصبح الأمر يتعلق بمصائر ملايين البشر.

ملايين البشر حول العالم لم ولن يفكروا في التأكد من مصداقية خبر هنا، أو حقيقة فيديو هناك. لكن عمالقة التكنولوجيا، سواء أصحاب منصات التواصل الاجتماعي أو متخصصي التدقيق عليهم القيام بذلك، إن لم يكن لمنع تداول الأخبار والفيديوهات الكاذبة أو المفبركة، فعلى الأقل لتقليص انتشارها وضررها.

وييدو أن القبضة الحديدية في الصين على مصادر المعلومات ومنصاتها العنكبوتية لها آثار جانبية إيجابية، فهناك من يعكف على منع انتشار الأخبار الكاذبة على منصة "وي تشات" وهي منصة التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً في الصين.

تفنيد وردود

وتبذل الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي الشائعة خارج الصين جهوداً لتطويق الأخبار الكاذبة، لكنها تظل جهوداً في بحر الأكاذيب المتجدد على مدار الساعة. "تويتر" يسبح في ملايين التغريدات منها الكاذب، ومنها المضلل، ومنها الصحيح. وقد رصد "تويتر" تغريدة مفادها أن منظفات الأيدي المضادة للبكتيريا غير مجدية في الوقاية من فيروس "كورونا"، وهي المعلومة الخاطئة التي حازت ربع مليون إعجاب (لايك) ومئة ألف إعادة تغريد قبل أن يتم حذفها.

مئات الفيديوهات التي يجرى تداولها من أطفال مرضى وسلطات تتعامل بعنف شديد مع أشخاص يسعلون في الشارع أو تخلص من جثامين يتم تداولها باعتبارها لقطات مصورة من مناطق في الصين وإيران، لكنها في حقيقة الأمر بعد إخضاعها لتقنيات التيقن يتضح أنها لقطات قديمة صورت أو تمثيلية أو حقيقية، لكنها صورت قبل سنوات مضت، ويتم تداولها بشروح وتعليقات لا علاقة لها بـ"كورونا".

فيسبوك يواجه

فيسبوك منع الإعلانات التي تدعي تقديم علاجات للفيروس أو منتجات كفيلة بالوقاية وحدها. لكن سبل التأكد من مصداقية إعلان أو حقيقة ما يتم الإعلان عنه أمر بالغ الكلفة ويستغرق الوقت. ثوان معدودة كفيلة بتمرير مئات الإعلانات ومشاركتها قبل منعها من قبل إدارة فيسبوك في حال تم اكتشاف عدم مصداقيتها. كما أن أصحاب المنتجات طوروا بدورهم محتوى الإعلان بحيث لا تستخدم كلمات مثل "فيروس" و"كورونا" بالضرورة، لكنه يوحي بذلك. كما فتح "فيسبوك" الباب أمام الإعلانات التوعوية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

من جهة أخرى، فإن منظمة الصحة العالمية تبذل جهوداً كبرى في مجال منصات التواصل الاجتماعي. وبحسب دورية "لانسيت" الطبية الشهيرة، فإن قطاع الإعلام والاتصال في منظمة الصحة العالمية يخصص قسماً خاصاً للتواصل الاجتماعي، ويكثف جهوده في التعامل مع منصاته من أجل مواجهة الوباء المعلوماتي، لا سيما هذه الآونة. ويعمل هذا القسم بالتعاون شركات مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"بينترست" و"تيك توك" و"تن سنت" وغيرها للتعامل مع الأسئلة التي ترد عليها أو الإشاعات أو الأكاذيب التي يتم ترويجها. كما ينشط هذا القسم حالياً في العمل من أجل إتاحة نافذة معلوماتية تقود المتصل بـ"غوغل" أو أي من منصات التواصل الاجتماعي إلى مواقع مثل منظمة الصحة العالمية أو وزارات الصحة في بلدانهم أو مراكز الصحة العامة أو مكافحة الأوبئة ليكون لديهم مصدر متاح للمعلومات دون أن يتكبدوا عناء البحث، وهو ما قد يقلل من فرص انتشار الإشاعات والأكاذيب وأنصاف الحقائق.

إثراء المحتوى للجميع

الحقائق التي تعاني في بحر الأخبار الكاذبة والإشاعات والمعلومات المغلوطة في خضم أزمة "كورونا" العنيفة التي تعصف بالعالم هذه الأيام تسلط الضوء على عصر تقنية المعلومات وأدواته من شبكة الإنترنت لمنصات التواصل الاجتماعي لإتاحة صناعة المحتوى لكل من هو متصل بالشبكة كما لم يحدث من قبل. تشككات عدة بدأت تتصاعد حول الآثار الجانبية لدمقرطة المعلومات، ومدى معقولية إعطاء أداة تعبير و"إثراء" محتوى للجميع بغض النظر عن كيفية الاستخدام ومدى الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين بنشر محتوى عارٍ من الصحة، أو مجتزء للحقيقة، أو غير موثوق في صحته، حتى وإن كان ذلك بغرض الدعابة.

قبل أيام، تواترت مقاطع على "تيك توك" لمراهقين ومراهقات يدعون أنهم أصيبوا بـ"كورونا"، وهو ما أثار الذعر بين أغلب من شاهد هذه المقاطع. لكن في المقابل، انتشر مقطع آخر من فيتنام على "تيك توك" قدمه راقص فيتنامي وصديق له بالتعاون مع المعهد الوطني للسلامة المهنية والصحة الفيتنامي، وبات يعرف برقصة غسل الأيدي. وقد انتشر الفيديو انتشاراً "فيروسياً" ولكن بالمعنى الإيجابي للفيروس.




PM:01:50:06/04/2020




268 عدد قراءة