إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة الى مجلس الأمن الأربعاء 26 آب 2020




سيدي الرئيس،

السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،

لم يسلم أي بلد أو مجتمع من الأثر المدمر لفيروس كورونا (COVID-19)، والعراق ليس استثناءً من ذلك، بل على العكس، فقد فاقمت الجائحة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة والموجودة أصلاً.

سأورد بعض الأرقام البارزة لبيان المخاوف المتعلقة بالجانب الإنساني:

• ارتفعت نسبة الفقر بما يزيد على عشرة بالمئة خلال الأشهر الأخيرة. ويعيش ثلث عدد سكان العراق الآن تحت خط الفقر، ويعاني اثنان من كل خمسة عراقيين من حرمان متعدد الأوجه في الحصول على الخدمات والحقوق الاجتماعية الأساسية.

• يعد الاستهلاك الغذائي لما يزيد على ثلاثة ملايين عراقي الآن غير كافٍ بسبب انخفاض القوة الشرائية وليس لندرة المواد الغذائية.
• وفيما يخص القطاع التعليمي، عانى ما يزيد على أحد عشر مليون من تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات في انحاء العراق من تعطيل دراستهم.
• لقد تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي على نحو مقلق، فيما تتضاءل الخيارات في طلب المساعدة أو الحصول على مأوى أمام الضحايا.

فيما يخص تعاملنا مع هذه التحديات، أود أن أكرر رسالتي السابقة بشأن إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية على الأرض: نحتاج إلى نظام مبسط يتيح للجهات المنخرطة في العمل الإنساني وللإمدادات الإنسانية، اللتين تعانيان الشلل حالياً، الوصول سريعاً إلى الأشخاص المحتاجين. وتجري حالياً مباحثات إيجابية بهذا الشأن مع الحكومة، ونأمل أن نتسلم قراراً خلال أيام.

وفيما يخص الامن، تعد ظروف الجهات العاملة في المجال الإنساني محفوفة بالمخاطر في مناطق معينة، وكما تبين ذلك على نحو جلي اليوم بانفجار العبوة الناسفة التي اصابت قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في نينوى.

سيدي الرئيس،

إن المشكلة الاقتصادية ليست ببعيدة أبداً عن المخاوف المتعلقة بالجانب الإنساني:
• من المتوقع أن يشهد العراق انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.7%، فقد انخفضت إيرادات النفط، والتي تأثرت بشدة بالانهيار الحاد في أسعار النفط، إلى النصف تقريباً.

• تأثر القطاع الخاص على نحو خاص بفقدان فرص العمل وانخفاض المداخيل، كما لا يزال هذا القطاع يعاني معوقات نتيجة غياب الإصلاحات. ويعاني النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من التباطؤ في بلد هو في أمس الحاجة إلى التنوع الاقتصادي.

• ولا ينبغي أن ننسى أن الفساد ما زال مستشرياً وأن تكلفته الاقتصادية لا توصف، فيما يستمر بسرقة الموارد التي تمس الحاجة إليها من المواطن العراقي العادي، مما يزعزع الثقة لدى المستثمرين. كما تحرك آفة الفساد تلك بشكل خطير العديد من القضايا الأمنية في العراق.

والآن تدرك الحكومة العراقية هذه التحديات وقد جعلت الإصلاح الاقتصادي والمالي أولوية لها.

ومن المتوقع أن يقدم وزير المالية إلى البرلمان قريباً خطة مفصلة للإصلاح الاقتصادي.

إلا أنه ومن أجل أن تتجذر هذه الاصلاحات الهامة والمؤلمة في السياق التاريخي للحقوق والاستحقاقات المتوقعة، ينبغي أن تتحد الطبقة السياسية معا مع منح الأولوية لمصلحة البلاد وحماية الضعفاء. ومع ذلك، لم نشهد إلا القليل من هذه الروح حتى الآن.

ولكن اسمحوا لي أن أؤكد: هذه الإصلاحات في غاية الأهمية لفتح مستقبل مشرق لجميع العراقيين، مستقبل يمكن من خلاله أن تنتقل البلاد من اخماد النيران إلى بناء حلول مستدامة وقدرة محلية على مواجهة الازمات.

وكما قلت من قبل، عدة مرات، تظل البيئة التي تعزز النمو الشامل وفرص العمل أفضل علاج ضد الاضطرابات والصراع والتدخل الخارجي.

سيدي الرئيس،

تعمل الحكومة العراقية بلا شك الآن في خضم عدد من العواصف في وقت واحد.

فالمظالم التي لم تحل منذ أمد بعيد لم تختف، ويريد العراقيون اسماع صوتهم. ففي الأشهر الأخيرة، استمرت الاضطرابات الاجتماعية في أنحاء العراق وإن انخفضت إلى حد ما بسبب استمرار الجائحة.

ومن دواعي القلق الشديد ارتفاع وتيرة قتل واستهداف الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان. إن اسكات الأصوات المسالمة- بالضغط على الناشطين ووسائل الإعلام، بإرباك المشهد أو حتى بأسوأ من ذلك بإراقة الدماء- هذا الاسكات المتعمد للأصوات المسالمة- يشكل إهانة للحقوق الأساسية والكرامة.

ودعونا أيضا أن نتذكر الذين ما زالوا في عداد المفقودين، ومن بحاجة إلى الرعاية الطبية وأولئك الذين اضطروا إلى الهرب من البلاد ويعيشون في غالب الأحيان في ظروف صعبة وغير قادرين على العودة بسبب التهديدات الخطيرة والتخويف.

ومع ذلك، سيدي الرئيس، ما زلنا نجد سببا للتشجيع الحذر من التصريحات وبعض الاجراءات المبكرة للحكومة الحالية. في الواقع، نشهد تحركا نحو مزيد من المساءلة ودعم أقوى لحرية التعبير والتجمع وأيضا التزاما ملموسا بالعدالة.

وهذه بالتأكيد مؤشرات تبعث على الأمل، إلا أن هناك حاجة ماسة لمزيد من الاجراءات لتحقيق العدالة الحقيقية والمساءلة. إن إدانة العنف والإعلان عن التحقيقات ليست سوى خطوة أولى.

ويدرك أولئك الذين يعرفون العراق (ويحبونه) مدى الإرباك الذي يكتنف المشهد العراقي، إذ تسعى العديد من الأطراف إلى تحقيق مصالحها الضيقة مما يؤدي إلى إضعاف الدولة من الداخل. فلا تزال الاحزاب الغافلة والسياسات القصيرة النظر وسياسات المحصلة الصفرية تشكل عقبات رئيسة أمام التقدم. ولكن لكي نكون واضحين: ينبغي عدم السماح لأي حزب أو شخص أو كيان باختطاف المطالب المشروعة للشعب العراقي.

سيدي الرئيس،

يؤسفني كثيراً ان تواصل الجماعات المسلحة استعراض عضلاتها بشكل متهور وتسعى بشكل عام إلى خلق بيئة من الترهيب الصريح.

هذا يعني، أنه في الوقت الذي يكون فيه المواطنين العراقيين في أمس الحاجة الى بيئة مستقرة تتوفر فيها شروط السلامة والأمن، فأن قعقعة السلاح لا تتوقف.

ومن المؤكد بأننا نجمع على أن العراقيين بالكاد يمكنهم تحمل دورة أخرى من العنف المتصاعد، فلقد حان الوقت لهذه الأطراف المسلحة ان تمعن النظر طويلاً في المرآة.

ويواصل تنظيم داعش حصد الأرواح مستغلاً وجود الانقسامات الداخلية والثغرات الأمنية.

سيدي الرئيس،

تعمل الحكومة العراقية أيضاُ في بيئة جيوسياسية تحفّ بها تحديات فريدة. وأود أن أحيي وأشجع الجهود العراقية المبذولة للتأكيد على الاستقلال والسيادة الوطنيين.

فالحكومة العراقية عازمة على الإبقاء على القنوات المتعددة للتواصل والتبادل مفتوحةً واختيار الحوار فيما بين الدول وبناء العلاقات أولاً وقبل كل شيء.

آمل وبصدق أن تتاح للعراق فرصة أكبر للتركيز على قدراته المحلية لمواجهة التحديات بدلاً من ان يستغل كساحة تتصارع عليها مختلف القوى المتنافسة.

ان التصعيد الأخير في مناطق الحدودية العراقية-التركية يعد مسألة تثير قلقلا بالغاً. ونحن نواصل حث البلدين على حل خلافاتهما عبر الحوار والتعاون مع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية.

سيدي الرئيس،

يتمثل المطلب الشعبي الأساسي دائماً بإجراء انتخابات مبكرة وتم الإعلان عن تاريخ 6 حزيران 2021 موعداً لإجراء الانتخابات.

ومع ذلك، لم يحسم البرلمان بعد المسائل الأساسية المتعلقة بتوزيع المقاعد وتحديد الدوائر الانتخابية. وينبغي أن تحكم الاعتبارات الفنية وليس الحزبية عملية وضع الصيغة النهائية لتلك المسائل الاساسية.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، ينبغي تعضيد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتحريرها من الضغوط السياسية المستمرة وبالأخص فيما يتعلق باختيار الموظفين وكذلك صياغة الإجراءات الانتخابية وتنفيذها.

ومن أجل التصدي للتحديات الانتخابية وبناء ثقة الجمهور بحياديتها وقدراتها الفنية، ينبغي على المفوضية ان تتخذ إجراءات عملية على النحو الوارد في أدناه:
• إعداد سجل ناخبين شامل ويضم الجميع.
• منظومة لإدارة نتائج الانتخابات تمتاز بكونها شفافة وموثوقة وتخضع للتجربة.
• إطار قضائي لمعالجة الشكاوى والطعون والانتخابية.

وكذلك وبطبيعة الحال، تقف بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة.

ان استعادة ثقة الجمهور أمر صعب. وفي ذلك السياق، سيثبت أن الانتخابات الحرة والنزيهة لها أهمية حاسمة. ويمكن أن تفتح عملية "إعادة ضبط" الانتخابات صفحةً جديدةً ومهمةً للعراق. ولكن لكي يتحقق هذا الهدف، يجب أن تكون الانتخابات ذات مصداقية. ولا تقتصر هذه المسؤولية على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والحكومة فحسب، بل انها مسؤولية جميع الأطراف السياسية العراقية الفاعلة والجهات المعنية بالانتخابات.

وأود ان انتقل هنا إلى العلاقات بين بغداد وأربيل: إن المفاوضات البناءة هي السبيل الوحيد القابل للتطبيق، كما قلت مرات عديدة.

الآن، لقد تمت صياغة الدستور العراقي تحت ضغط كبير من الوقت في عام 2005، وكُرّسَت المبادئ العامة في النص مع ترك تنفيذها ليتم تحديده من خلال التشريعات الداعمة اللاحقة.

ولكن بعد خمسة عشر عامًا، لا يزال هذا النقص في التحديد يُشّكّل الجدال بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. خمسة عشر عاماً دون اتفاق على التعزيز التدريجي للنظام الاتحادي؛ خمسة عشر عاماً من دون اتفاق بشأن توزيع الموارد الطبيعية أو حول المناطق المتنازع عليها؛ وخمسة عشر عاماً لم تُسَن القوانين التي تحدد بوضوح حقوق والتزامات كل من بغداد وأربيل.

وبدلاً من ذلك، نشهد حالة أخرى من إدارة مخصصة لمعالجة الازمات، وإنني على يقين من أننا نتفق جميعًا على أن الوقت قد حان لأن يُصبِح العراق سيفوق مجرد كونه مجموعة من المكونات.

نعم بالطبع، نحن نحيي بحذر الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين بغداد وأربيل، وإن كان هشّاً، بشأن قضايا من بينها دفع رواتب الموظفين في إقليم كردستان.

سيدي الرئيس،
في وقت سابق من هذا الشهر، احيينا الذكرى السنوية السادسة لمجزرة سنجار المُرَوّعَة. ويؤسفني أن أبلغكم - مرة أخرى - أن اتفاقا أولياً على إدارةٍ موحدة وتشكيلات أمنية مستقرة لم يتحقق. ويمكن (ويجب) الآن التوصل إلى اتفاق نهائي دون تأخير. أي شيء آخر يُعَد تقصير لا يطاق.

وثمة شيء آخر، سيدي الرئيس: في أحدث إحاطة لي في شهر أيار، أكدت بأن الشفافية ومحاربة الفساد وحرية التعبير والإصلاحات الأساسية في إقليم كردستان، كما في أي مكان آخر في العراق ذات أهمية قصوى. ويجب أن أكرر تلك الرسالة اليوم. من المؤكد أن الردود القوية على النقد العام أو الاحتجاجات أو المضايقات أو اغلاق وسائل الإعلام لا تمثل السبيل إلى الأمام. ففي مواجهة التحديات المعقدة، يتوجّب على الحكومات أيضًا (ودائمًا) الاستمرار في الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية.

إذا سمحتم لي، سيدي الرئيس، ببعض الكلمات حول معدل عودة النازحين العراقيين المتبقين البالغ عددهم 1.4 مليون، والذي وصل الآن إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات.

من المفهوم أن يرغب كل عراقي في العيش في بلد بلا مخيمات نزوح ولكن هذه المخيمات لن تختفي حتى يتم إيجاد حلول دائمة.

لقد بدأنا مناقشات إيجابية مع الحكومة لكني أود أن أعيد التأكيد على أنه يجب إعطاء الأولوية لرغبات النازحين في العودة أو الاندماج في المجتمع. وهذا بدوره يتطلب تعاون المجتمعات المضيفة و/ أو المستقبلة.

سيدي الرئيس،

أود أن أنتقل الآن إلى قضية المفقودين الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والممتلكات الكويتية المفقودة، بما في ذلك الأرشيف الوطني.

تعمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والسلطات العراقية والكويتية لإعادة الرفات الكويتية التي استخرجت من مقبرة جماعية في جنوب العراق في شهر كانون الثاني الماضي.

وعلى الرغم من قيود السفر الشديدة التي فرضتها الجائحة، فإنني متفائلة بأن نقل الرفات سيحدث في المستقبل القريب. في غضون ذلك، تواصل مختبرات الطب العدلي الكويتية تحليلها المعقد للحمض النووي لتحديد رفات الكويتيين الذين أعيدوا بالفعل في العام الماضي. ونتطلع إلى إعلان نتائجها في الوقت المناسب.

سيدي الرئيس،

في الختام، أود أن أشيد بشجاعة وانضباط وتضحيات العراقيين والعراقيات في مواجهة المصاعب المشتركة.

ومن الضروري أن نستمر في دعمنا للعراقيين الشجعان الذين لا يستسلمون والذين يواصلون الضغط من أجل التغيير.

سأختم بالتأكيد على أن الوقت عامل حاسم. لذا، نعم، لقد حان الوقت لتحقيق نتائج ملموسة.

شكرا لكم.


-uniraq


AM:10:43:27/08/2020




276 عدد قراءة