الجزيرة تستفيد من محاولات إسرائيل إغلاق القناة



على الرّغم من تصريحات إسرائيل العامّة بشأن إغلاق مكاتب الجزيرة في القدس، يبدو أنّ تنفيذ هذا القرار سيتطلّب قدرًا هائلاً من العمل القانوني من جانب الحكومة الإسرائيليّة. وإذا جرى تنفيذ القرار، لن يكون له تأثير كبير لجهة الحدّ من تغطية المحطّة التّلفزيونيّة الفضائيّة العربيّة الأكثر مشاهدة.


تبدو الخطوة غريبة بشكل خاصّ لأنّها لن تكون مؤاتية للمسؤولين الإسرائيليّين الذين اعتادوا تقديم نوع من التوازن لقصص الجزيرة التي كانت تسمح لهم بالتّحدّث بدون رقابة في تقاريرها.

ونشير إلى أنّه بالإضافة إلى مكتب الجزيرة في القدس، يوجد مكتب كبير في رام الله ومكتب رئيسي في قطاع غزة. ولن يتأثّر أيّ من هذين المكتبين الموجودين في فلسطين بشكل مباشر بالقرار الإسرائيلي في حال جرى اعتماده.

في حين يتلقّى معظم الإسرائيليّين قناة الجزيرة كجزء من قنوات التلفزيون الكبلي، يختلف الوضع بالنّسبة إلى الفلسطينيّين، فهم يشاهدون الجزيرة من خلال أطباق الأقمار الصّناعيّة غير المنظّمة أو المقيّدة نهائيًا.

ومن الواضح أنّ القرار الإسرائيلي بشأن قناة الجزيرة كان قرارًا سياسيًا لا علاقة له بما يسمّى بالتّحريض.

نجد قناة الجزيرة في إسرائيل منذ إطلاقها في العام 1996، ولقد استفادت إسرائيل من وجود القناة فهي زوّدت الملايين من مشاهديها بفرصة مشاهدة متحدّثين إسرائيليّين مختلفين وكذلك سياسيّين بارزين. وإنّ حظر هذه الشّبكة الإعلاميّة وإلغاء اعتماد صحفيّيها سيؤذي إسرائيل أكثر ممّا سيؤذي العملاق الإعلامي المتمركز في قطر.

وفي وقت أغلِقت فيه سفارتا إسرائيل في العالم العربي، في القاهرة وعمان، يبدو أنّ قرار قيادتها السّياسيّة "معاقبة" الجزيرة، والظّهور بمظهر المؤيّد للمملكة العربية السّعودية، والإمارات العربيّة المتّحدة، والبحرين ومصر، يعود بوضوح بنتائج عكسيّة.

كتب وليد العمري، مدير مكتب الجزيرة بالقدس، مقالاً للرّأي في صحيفة هآرتس الإسرائيليّة يوم 1 آب/أغسطس، واصفًا الخطوة الإسرائيليّة بمحاولة "لقتل الرّسول"، واتّهم إسرائيل بـ"التّواطؤ" مع الدّيكتاتوريّين العرب. وكتب أنّ "تواطؤ [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو] مع جيرانه العرب المستبدّين لا يترك مجالاً كبيرًا للشّكّ بأنّ هناك استعدادًا للتّضحية بالإعلام الحرّ المستقلّ والحقيقة كأضرار جانبيّة في سياسات القوّة في المنطقة".

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّاً من السّعوديّة والأردن أغلقتا مكاتب الجزيرة في البلدين عندما اندلعت أزمة الخليج.

وقد جعل خصوم قطر – أي السّعودية، والإمارات العربيّة المتّحدة، والبحرين ومصر – من إقفال الجزيرة أحد شروطهم الثّلاثة عشر الصّادرة في 23 حزيران/يونيو لحلّ النزاع مع قطر وإنهاء حصارهم على الدّولة الخليجيّة الصّغيرة.

قالت للمونيتور باربرا تريونفي، المديرة التّنفيذيّة للمعهد الدّولي للصّحافة في فيينا، إنّ جهود إسرائيل الهادفة إلى منع الشّبكة من البثّ سيؤثّر على حقّ النّاس بالوصول إلى ما أصبح مصدر أخبار ومعلومات مهمًّا ومحترمًا للغاية.

وقالت تريونفي، "إذا كان يعتقد ممثّلو إسرائيل – كما أفاد البعض – أنّ الآراء التي تنشرها قناة الجزيرة تشكّل تحريضًا، وتنتهك بالتّالي القانون الإسرائيلي والمعايير الدّوليّة في هذا المجال، عليهم تقديم شكاواهم أمام محكمة مستقلّة والسّماح لنظام العدالة في البلاد بالتّعامل مع المحتوى المزعوم أنّه مثير للجدل، بما يتماشى مع معايير إسرائيل القانونيّة".

وفي بيان صادر عن قناة الجزيرة، جرى مباشرة دحض الاتّهامات الإسرائيليّة بالتّحريض. وورد في البيان الصّادر يوم 7 آب/أغسطس في الدوحة أنّه "في خلال المؤتمر الصّحفي، لم يستطع وزير [الاتّصالات الإسرائيلي] أن يبرهن كلامه، وعجز عن الإشارة إلى نشرة إخباريّة أو حالة واحدة تبيّن أنّ الجزيرة لم تتمتّع بالمهنيّة أو الموضوعيّة في تغطيتها في القدس".

لكن على الرّغم من إداناتها العلنيّة، لا يبدو أنّ الجزيرة والمدافعين عنها أقلقهم القرار الإسرائيلي. طوال سنوات، انتقد معارضو الجزيرة الشّبكة الإعلاميّة القائمة في الخليج لامتلاكها مكتبًا في إسرائيل بشكل خاصّ.

وتأتي محاولة إسرائيل إغلاق ذلك المكتب كوضع مربح للجانبين. يمكن أن تشكو الجزيرة من أنّها تُمنع من القيام بعملها المهني من خلال عجزها عن تغطية وجهة النّظر الإسرائيليّة، لكنّها ستكون في الوقت عينه أقلّ عرضة للهجمات والاتّهامات بأنّها تحاول استرضاء إسرائيل والتّطبيع معها.

تطرّق العمري، وهو أقدم مدراء مكاتب الشبكة، إلى هذه المسألة في مقال الرّأي الذي كتبه في هآرتس حيث قال إنّ "العرب انتقدوا الجزيرة لاعتبارها مؤيّدة لإسرائيل، وانتقدنا الإسرائيليّون لاعتبارنا مؤيّدين للعرب. اتُّهِمنا بأنّنا إسلاميّون في الغرب وبأنّنا مؤيّدون للغرب بين الإسلاميّين. قالت الحكومات إنّنا ندعم الثوار وقال الثوار إنّنا ندعم الحكومة. في الواقع، كلّ ما قمنا به هو المهمّة الصّحفيّة الصّحيحة، وهي طرح جميع وجهات النّظر أمامنا وترك المجال أمام جمهورنا ليقرّر لنفسه".

والواقع أنّه مع تكنولوجيّات القرن الحادي والعشرين، بإمكان أيّ شبكة إعلاميّة مواصلة العمل بدون مكتب أو اعتماد لموظّفيها. ويستطيع أيّ مراسل يملك هاتفًا ذكيًا أو حاسوبًا محمولاً أن ينجز تقريبًا التّقارير التلفزيونيّة عينها بهدف إبقاء المشاهدين على علم بما يجري حول العالم.

من غير المرجّح أن تؤثّر محاولة إسرائيل إسكات قناة الجزيرة المتمركزة في قطر على عمل القناة أو تغطيتها للوضع الفلسطيني الإسرائيلي.

وعلى غرار القرارات السّابقة المشابهة، يبدو أنّ التحرّك ضدّ الجزيرة يعكس المزيد من القضايا الإسرائيليّة الدّاخليّة. وهذا ناهيك عن سلوك نتنياهو الغريب بسبب متاعبه مع الشّرطة. يبدو أنّ قرار إقفال الجزيرة هو محاولة لإصلاح الضّرر اللّاحق بصورته بسبب أزمة الأقصى.

أمّا بالنّسبة إلى تغطية الجزيرة للنّزاع الفلسطيني، فمن غير المرجّح أن تحدث الخطوة الإسرائيليّة أيّ فارق في هذا الصّدد.

al-monitor



PM:01:18:17/08/2017




52 عدد قراءة