لن تُبعد السجون التركية هذه الصحافية الكردية عن فنها



في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، غالباً ما يُشكل التعبير الفني سبيلاً للتعبير عن المعارضة [السياسية]. وهذا ما حذى بزهرة دوغان، وهي فنانة وصحفية كردية شابة، للسير في هذا المسار. فتوجّهت إلى مسند الرسم الخاص بها لتُفجر عليه مشاعرها وعواطفها بعد تدمير قوات الأمن التركية عام 2015 لمدينة نصيبين وهي مدينة كردية تقع على الحدود المقابلة لمنطقة القامشلي السورية.

يتصدّر واحدة من أشهر لوحاتها عربة مدرعة على شكل مخلوق مُرعب يُشبه العقرب يلتهم الأشخاص المستسلمين بين أنيابه الفاغرة. كما وتظهر الأعلام التركية معلقة على أنقاض المباني المُهدّمة التي تعلوها سحابة ضخمة من الدخان في مشهد يشوبه البؤس.

ونتيجة هذه اللوحة ومنشورات زهرة الإعلامية لوكالة الأنباء "جينها" — التي تم إغلاقها — بشأن أعمال العنف بين قوات الأمن التركية والشباب الأكراد المسلحين المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني المحظور، وجدت هذه الشابة البالغة من العمر 28 سنة نفسها خلف قضبان السجن في تموز / يوليو عام 2016.

وعلى غرار المدن الاخرى فى الجنوب الشرقى حيث جرّ حزب العمال الكردستانى بشكل متهور الجيش [إلى اشتباكات]، كانت مدينة نصيبين تخضع لحظر التجول على مدار الساعة، مما أدى الى احتجاز مئات الأسر المروّعة فى منازلهم من دون النفاذ إلى الغذاء أو المياه أو المساعدة الطبية. وتقول جماعات حقوق الانسان أن قوات الأمن قتلت مدنيين. وقد تُركت جثث المسلحين الشباب في الشوارع لأيام. أثار هذا الوضع حالة من الغضب العام ليس فقط تجاه الدولة ولكن أيضًا تجاه حزب العمال الكردستاني. وركّزت زهرة على محنة الأطفال المحليين، وعبّرت عن مخاوفهم وآلامهم.

ووجّهت إليها تهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية والترويج لها. تم إسقاط التهمة الأولى وأُفرج عنها بعد أربعة أشهر. ولكن بعد أن أيّد المدعون العامون تهمة الترويج للإرهاب أُعيد اعتقال زهرة وحكم عليها بالسجن لمدة عامين وتسعة أشهر و 22 يومًا في ديار بكر، أكبر مدينة في المنطقة الجنوبية للشرقية ذات الأكثرية الكردية.

وأفادت المحكمة في منطوق حكمها أن "المدعى عليها قامت بتصوير مشهد في مدينة نصيبين ورسمت الأعلام التركية على المباني المدمرة. ومن الواضح أن هذه اللوحة مناهضة للعمليات التي جرت نتيجة للعنف الذي تمارسه المنظمة الإرهابية حزب العمال الكردستاني".

وقالت زهرة في تغريدة — تم حذفها — على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "تم سجني لقيامي برسم لوحة جسّدت الحملة التركية على مدينتي، لم أرسم سوى ما ما قام به الجنود فعلاً."

في مقابلة هاتفية مع "المونيتور" قال كاموران تانهان، أحد محامي الدفاع عن زهرة دوغان، "أنزلوا بها أقسى العقوبات التي يمكن إصدارها".

وتختلف أرقام الصحفيين في السجون التركية، إذ أنه مقابل كل صحفي يُطلق سراحه يتم أسر صحفي آخر بعد فترة وجيزة. ويقبع ما لا يقل عن 100 إعلامي في السجون لتحتفظ تركيا بلقب الدولة صاحبة أكبر عدد للصحفيين المسجونين في العالم. اليوم، على سبيل المثال، تم الإفراج عن مراسلين من صحيفة أوزغور غوندم الموالية للأكراد والتي تم حظرها. ولكن وفقًا لمجموعات الرصد، تم اعتقال 12 صحفيًا، وإدانة 11 شخصًا والقبض على أربعة صحفيين في شهر تشرين الأول/أكتوبر فقط.

وتحظى قضايا بعض الصحفيين المسجونين باهتمام عالمي، مثل قضية أحمد شيك، المراسل الإستقصائي الجريء في صحيفة جمهورييت المعارضة والذي استؤنفت محاكمته اليوم، وقضية دينيز يوجيل، وهو صحفي تركي ألماني موضوع قيد الحبس الاحتياطي منذ شباط / فبراير 2017 ومتّهم بأنه جاسوس ألماني ويدعم حزب العمال الكردستاني.

وقد أثارت محنة زهرة مواقف إحتجاجية مرنة إلى حد ما في الصحافة الإنجليزية. أما في فرنسا، فتكتسب الفنانة الشابة شهرة بفضل معرض متجول لرسوماتها وكتاب مُخصص لها بعنوان "بعيون مفتوحة: مذكّرات الإدانة ووقائع معرض".

يُسلط هذا الكتاب، الذي يحتوي على مقتطفات من مذكّرات ورسائل كتبتها زهرة دوغان في السجن، الضوء على عبقريتها الفنية وشجاعتها المهنية. وتروّج مجلة غير ربحية على شبكة الإنترنت تدعى "كيدستان" هذه الحملة لدعم زهرة دوغان.

وفي رسائلها تصف زهرة، التي فازت بجائزة متين غوكتيبي المرموقة في تركيا عن رواياتها المروّعة لعذابات النساء اليزيديات في سجون منظمة الدولة الإسلامية (داعش)، حياتها خلف القضبان وتصميمها العنيد على الاستمرار في الرسم. ورفض المحامي كاموران تانهان الكشف عن كيفية تسريب هذه الرسائل من السجن في ظل الحراسة المشددة.

في إحدى رسائلها تقول زهرة: "حتى النوافذ ذات القضبان مغطاة بأسلاك شائكة. كل مساء، تلمع نجمتان في السماء. لرؤيتهما، أتسلق نحو النافذة. ولكن هذه المرة، منعتني الأسلاك الشائكة من رؤيتهما. وتضيف: "أرسم باستمرار في رأسي. أُحول الأشكال، وأرسم على الصحف، وأكتب القصص".

ترفض سلطات السجون إعطاء زهرة عدّة الرسم، ولكن الحرمان أحدث في نفس هذه السجينة موجة جديدة من الإبداع. وتشير هذه الاخيرة إلى أنها تستخدم أصابعها كأدوات رسم وتسحق أوراق البقدونس للحصول على اللون الأخضر والزيتون للون الأسود والكركم للأصفر. عندما رأت زهرة ريش حمام [في الغرفة] يتطاير عبر منفذ التهوئة بدأت بتجميعه لتحصل على كمية كافية لصنع فرشاة للرسم. كما وأضافت أنها إستخدمت أقلام الحبر والعسل لإنتاج ثماني ملصقات تصويرية جديدة استوحتها من تجربتها في السجن وتم نشرها على الانترنت.

عملت سيرين كارليداج مع زهرة دوغان في وكالة "جينها" قبل إغلاقها من قبل الحكومة التركية بموجب مرسوم من سلسلة مراسيم تم إصدارها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة فى العام الماضى. وتقول لـ "المونيتور": "لا يقل شغف زهرة للعمل الصحفي وكشف الحقائق عن شغفها لفنها. إنها شخصية فريدة من كافة النواحي."

ويصف تانهان كيف قامت دوغان بالرسم على ظهر زميلاتها السجينات اللواتي أطلق سراحهن مؤخرًا. وأكدت "أن رغبتها فى الرسم غير عادية".

وفي هذا السياق تقول الإعلامية المستقلة في ديار بكر، إفريم كيبينك لـ"المونيتور": "يُساء فهم زهرة في هذه المنطقة من العالم ولكن عندما سيعود السلام، ستُعرض لوحاتها في متاحف توثّق الخطايا المرتكبة هنا". وتضيف إفريم التي تشارك مع مجموعة من الصحفيات في حملة ضغط للإفراج عن دوغان: "تؤول كافة العائدات من مبيعات أعمال زهرة دوغان إلى الأسر المتضررة من الحرب في نصيبين. لا تقبل دوغان تقاضي أي فلس مقابل أعمالها".


Al-Monitor



PM:02:37:05/11/2017




416 عدد قراءة