هل تتمكّن الحكومة العراقيّة من منع سبّ رموز السنّة؟






تسعى الحكومة العراقيّة برئاسة حيدر العبادي إلى تجريم خطابات الكراهية المنتشرة في المجتمع العراقيّ، من خلال اعتقال مرتكبي تلك الأفعال، والمروّجين للشعارات التي تسيء إلى رموز دينيّة أو اجتماعيّة حاليّة أو سابقة.

وأعلن وزير الداخليّة العراقيّة قاسم الأعرجي في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الحاليّ عن اعتقال 22 شخصاً كانوا يروّجون للفتنة الطائفيّة في محافظة كربلاء التي شهدت تلك الأيّام توافد الملايين من المسلمين الشيعة لزيارة مرقد الإمام الحسين.

وجاء تحرّك وزارة الداخليّة العراقيّة بعد انتشار مقطع فيديو في موكب في محافظة كربلاء تابع إلى مرجعية الشيرازي المعروفة بترويجها سبّ الصحابة. كان الموكب الذي يقدّم الخدمات للزائرين يقوده شابّ يحمل مكبّر صوت ويطلق شعارات تلعن الصحابي عمر بن الخطّاب، والذي يعدّ شخصيّة مقدّسة لدى أهل السنّة.

وعادة ما تشهد هذه المناسبة (زيارة أربعين الإمام الحسين) رفع لافتات وإطلاق شعارات من قبل بعض الأشخاص تتضمّن الإساءة إلى رموز دين سنّة، ولم تقابل تلك التصرّفات بإجراءات قانونيّة، وإنّما اقتصرت على الرفض الشعبيّ من قبل العراقيّين.

وفي هذا السياق، قال المستشار الإعلاميّ لوزير الداخليّة العراقيّ وهاب الطائي خلال مقابلة مع "المونيتور" إنّ "وزارة الداخليّة تمكّنت لغاية 8 تشرين الثاني/نوفمبر الحاليّ من إلقاء القبض على 76 شخصاً كانوا يروّجون للطائفيّة".

وأضاف الطائي أنّ "من بين الـ76 شخصاً الذي قبض عليهم، 25 في محافظة كربلاء و51 في محافظة بابل، وأغلبهم من العراقيّين وهناك أيضاً من جنسيّات أخرى".

وعلى الرغم من اعتقال 51 متّهماً بالترويج للطائفيّة، إلّا أنّ الشخص الأبرز والذي انتشر تسجيل فيديو له يسيء فيه إلى رموز أهل السنّة ومقدّساتهم ما زال ملاحقاً من قبل السلطات الأمنيّة في محافظة كربلاء، ولم يتمّ القبض عليه حتّى الآن، وظهر في مقطع فيديو ثانٍ بعد يومين من ظهوره في مقطع سبّ الصحابة، قال فيه إنّه "عبّر عن رأيه".

ويفرض قانون العقوبات العراقيّ رقم 111 لسنة 1969 أحكاماً صارمة ضدّ من يسيء إلى الآخر تتراح بين الغرامة الماليّة والحبس بحسب حجم المخالفة.

وحصلت إجراءات وزارة الداخليّة التي أسهمت في اعتقال عدد من مروّجي الفتنة الطائفيّة، على دعمين سياسيّ وشعبيّ. وأشاد ممثّل المرجع الدينيّ الأعلى في النجف علي السيستاني، أحمد الصافي في خطبة الجمعة في مدينة كربلاء في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الحاليّ، بمحاولات مكافحة ترويج الفتنة الطائفيّة أثناء الزيارة الأربعينيّة في العراق.

ولكنّ عبد الحكيم السعدي، وهو أحد علماء الدين السنّة، يشكّك بجدّيّة الإجراءات التي اتّخذتها وزارة الداخليّة العراقيّة في حقّ الذي شتموا الصحابة، وقال لـ"المونيتور": "هذه مغالطة لذرّ الرماد في العين، لأنّ العمليّة السياسيّة العراقيّة قائمة على الطائفيّة والمحاصصة".

ولم تكن الشعارات التي رفعت في كربلاء دينيّة فقط، بل استغلّت الزيارة لكتابة شعارات سياسيّة باللغة الفارسيّة على شوارع المحافظة، هاجمت المملكة العربيّة السعوديّة والولايات المتّحدة الأميركيّة.

وحاول بعض من الزوّار الإيرانيّين من خلال الشعارات التي خطّوها على الشوارع، كسب ودّ أعداد من العراقيّين لمشاركتهم غضبهم تجاه السعوديّة التي تمثّل المحور السنّيّ العربيّ في المنطقة، لكنّ هذه الخطوة واجهت أيضاً رفضاً شعبيّاً عراقيّاً.

قال ابراهيم الفراتي وهو ناشط مدنيّ لـ"المونيتور" إنّ "الشعارات التي رفعت ضدّ الصحابة أو ضدّ أميركا والسعوديّة، هدفها واحد، وهو زجّ العراق في مشاكل تزيد أزماته وتحقّق مراد دول أخرى".

ويبدو أنّ وزارة الداخليّة العراقيّة تحاول الآن التعامل بجدّيّة مع من تعتبرهم مروّجي الفتنة والطائفيّة، بحسب المتحدّث باسم الوزارة العميد سعد معن الذي قال لـ"المونيتور" إنّ "خطاب الكراهية والتطرّف هو بداية لعدم الاستقرار والحروب، لذا لن تقف الوزارة مكتوفة الأيدي بعد الآن ضدّ كلّ من يثير الفتن".

توجّه وزارة الداخليّة الجديد قد يضعها في مواجهة مع بعض رجال الدين الشيعة المتطرّفين الذين يبيحون سبّ رموز أهل السنّة وشتمهم، وهذا ما سيخلق فريقين من رجال الدين المؤيّدين للدولة والرافضين لها في نهجها الساعي إلى منع أيّ إساءات أو خطابات كراهية.

أشار رجل الدين الشيعيّ طه البطاط إلى عدم وجود رؤية ممنهجة لدى الشيعة لشتم الصحاب ورموز السنّة، وأشاد خلال حديثه إلى "المونيتور" بإجراءات وزارة الداخليّة التي "تحدّ" بحسب قوله من مروّجي الفتنة الطائفيّة.

وبما أنّ عدم وجود تشريعات عراقيّة تجرّم مثيري الفتن وخطاب الكراهية، وتحدّد ما هي المصطلحات التي تثير الخلافات المجتمعيّة ووضع معايير خاصّة بها، فإنّ التعامل مع هكذا القضايا سيكون انتقائيّاً ومطّاطيّاً.

ويحثّ عضو مجلس النوّاب العراقيّ علي البديري على ضرورة تشريع قانون يجرّم كلّ ما يمكنه أن يفكّك المجتمع العراقيّ، ويثير النعرات الطائفيّة فيه عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعيّ أو في أيّ منصّة أخرى.

وقال البديري لـ"المونيتور": "عدم وجود قانون يجرّم هكذا أفعال وتصرّفات سيمنع محاسبة مثيري الفتن وملاحقتهم".

إنّ قانون العقوبات العراقيّ لسنة 1969 لم ينصّ بالمصطلح الصريح على مثيري خطاب الكراهية، بل تحدّث عن التشهير والإساءة في شكل عامّ، لذا تبقى الحاجة إلى وجود قانون يشرّع وفق الآليّات الوطنيّة والدوليّة الخاصّة بحقوق الإنسان، ويحدّد معايير خطاب الكراهية، ولا يقترب من تقييد حرّيّة الرأي والتعبير عنه.

وعلى الرغم من عمل عدد من منظّمات المجتمع المدنيّ طيلة السنوات الماضية على وضع تشريع يجرّم خطاب الكراهية بالتعاون مع مجلس النوّاب العراقيّ، إلّا أنّها لم تنجح في ظلّ عدم وجود رغبة حقيقيّة من قبل المشرّع العراقيّ في وجود هكذا قانون.

الحال أنّ الكتل السياسيّة التي يتشكّل منها مجلس النوّاب العراقيّ تمتلك عشرات المؤسّسات الإعلاميّة التي تثير خطاب الكراهية وتروّج للطائفيّة، وهذا ما يمنعها من تشريع قانون سيشمل خطاب وسائل الإعلام التي تموّلها وتدار من قبل شخصيّات تعمل في أحزابها.

AL. monitor





PM:12:09:21/11/2017




224 عدد قراءة