الرقابة على الانترنت سيف ذو حدّين بالنّسبة إلى طهران



قال للمونيتور علي رضا، الطالب الجامعي من طهران البالغ من العمر 24 عامًا، إنّ "كلّ شيء توقّف فجأة. بتنا حرفيًا عاطلين عن العمل الآن". ورضا واحد من بين كثيرين من رواد الأعمال العاملين عبر الانترنت الذين عانوا خسائر ماليّة كبيرة في الأيّام الأخيرة بسبب فلترة السلطات المكثّفة للانترنت بما في ذلك الحظر المفروض على منصّات وسائل التّوصل الاجتماعي الشعبيّة كتلغرام وانستغرام.

فُرِض الحظر في 31 كانون الأوّل/ديسمبر، بعد ثلاثة أيّام على اندلاع الاحتجاجات في كافة أنحاء البلاد، وقال وزير الدّاخليّة عبد الرضا رحماني فضلي إنّ بعض الأشخاص أساؤوا استعمال شبكات التواصل الاجتماعي "لخلق العنف والخوف".

عادت الحكومة ورفعت الحظر المفروض على انستغرام، لكن بقي تلغرام محجوبًا، ما أجبر الكثير من الإيرانيّين على اللّجوء إلى تطبيقات أخرى لتجاوز الحظر عبر التحايل. وقالت الحكومة إنّ الخطوات التي قامت بها تهدف إلى حماية المجتمع. وفي تصريح للإعلام المحلّي يوم 3 كانون الثاني/يناير، قال محمد جواد آذري جهرومي، وزير الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات، إنّ "الأمن الاجتماعي كان ليتأثّر لو لم تجر فلترة الانترنت".

رفع الحظر في السّابق عن كلّ من تلغرام وانستغرام في إيران ليصبحا أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي شعبيّة في البلاد، فنجد 40 مليون مستخدم على تلغرام، و35 مليون مستخدم على انستغرام في إيران. وعلى ضوء ذلك، نمت الأعمال التّجارية الناشطة عبر الانترنت سريعًا في السنوات القليلة الماضية؛ ومع وجود أكثر من 46 مليون مستخدم للانترنت خبير في مجال التكنولوجيا في إيران، علمًا أنّ معظمهم هم دون الخامسة والثلاثين، برزت البلاد كحاضن بارز للأعمال الناشئة في المنطقة، وتعتبر الحكومة أنّ تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات خيار جيّد لتحقيق أهدافها المتمثّلة بخلق فرص العمل.

لكن في ظلّ القيود الحاليّة، بات عدد كبير من الأعمال التّجارية الناشطة عبر الانترنت مهدّدًا وبدأ الكثير من الناشطين في مجال التجارة الالكترونيّة بالمعاناة بالفعل.

قال علي رضا، "كنّا من بين أوّل الأشخاص الذين أطلقوا عملهم عبر تلغرام. أنفقنا مبالغ طائلة واستثمرنا وقتًا كبيرًا في السّنوات الثلاث الماضية لجذب مجموع يصل إلى 350,000 عضو إلى قنواتنا المختلفة. الإعلانات هي مصدر دخلنا، ومع الحظر المفروض حاليًا، ما عدنا نملك أيّ مصدر للدّخل".

بحسب بعض الأرقام المتداولة، توجد 600,000 قناة إيرانيّة على تلغرام، ويقال إنّ أكثر من 40% منها تابعة للأعمال التّجارية الناشطة عبر الانترنت. إلا أنّ افشين كلاهي، نائب الرّئيس الأوّل لهيئة الأعمال الجديدة وتكنولوجيا المعرفة في إيران، قال إنّ 10,000 إلى 15,000 من بينها قائمة بنسبة 100% على الانترنت في حين تستعمل أخرى الانترنت للتسويق أو كأسلوب بديل لبيع منتجاتها أو خدماتها.

وقال علي رضا، "انخفض دخلنا من حوالي 95% إلى الصفر تقريبًا. لقد انهار عملنا تمامًا". والجدير بالذّكر أنّه ليس وحده، فكثيرون غيره تأذّوا على حدّ سواء. يصنع داوود بيرفارشي وزملاؤه 40 صنفًا من المنتجات الجلديّة اليدويّة الصّنع، ويباع جزء منها يوميًا عبر تلغرام. وأضاف علي رضا بقوله إنّه بعد فرض القيود الأخيرة، "لم نتلقّ أيّ طلبيّات ولم نبع شيئًا، لأنّ الوصول إلى الانترنت شديد الصّعوبة".

من الصّعب جدًا إحصاء الخسائر الفعليّة لآلاف الأعمال التّجاريّة القائمة على تلغرام، علمًا أنّ الكثير من بينها غير مسجّل لدى السّلطات من أجل التهرّب من دفع الضّرائب. لكن بحسب أحد التقديرات الذي نشرته صحيفة "دنيا اقتصاد" الاقتصاديّة الرائدة، يقدّر أن تبلغ العائدات الشّهريّة لهذه القنوات حوالي 1.8 مليون دولار. وتقول تقديرات أخرى إنّ الشركات الكبرى على الانترنت، بما فيها مزوّدي خدمة الانترنت، والمتاجر على الانترنت وتطبيقات خدمات نقل الركاب وغيرها، تكبّدت خسائر تفوق قيمتها 120 مليون دولار.

غرّد وزير الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات على تويتر يوم 2 كانون الثاني/يناير معتذرًا لـ"مئات الآلاف من مواطني بلاده" الناشطين في مجال التّجارة الالكترونيّة عن الخسائر التي تكبّدوها، لكن لا يبدو أنّ الاعتذار ساعد على تهدئة روّاد الأعمال عبر الانترنت. وقد أنشئ حساب على تويتر تحت اسم 'روّاد الأعمال الإيرانيّون على تلغرام' (Iranian Telegrampreneurs) وسط الحظر المتواصل، وهو يقوم بشكل أساسي بإعادة تغريد تعليقات المستخدمين التي تنتقد التأثير السلبي للقيود على حياة الناس، بمن فيهم النساء المسؤولات عن شؤون أسرهنّ. وفي تغريدة مثبتة، يجري الحديث عن وجود مليون وظيفة في خطر بسبب القيود الجديدة.

إلى جانب الأثر القصير الأمد المترتّب على الفلترة، حذّر الخبراء من عواقب خطيرة في حال أعيد فرض القيود في المستقبل، أو في حال جرى حظر شبكات التّواصل الاجتماعي كتلغرام بشكل نهائي. وقال المحلّل الخبير بشؤون مواقع التّواصل الاجتماعي بوريا أستيراكي للمونيتور إنّ "مثل هذه السّياسة ستعرّض للخطر أنشطة خلق الوظائف. وهي ستترك عملاء الخدمات عبر الانترنت غير راضين، وعدم الرضا هذا قد يشكّل خطرًا أكبر من الاحتجاجات [الرّاهنة]".

يعتقد ميلاد مونشيبور، الشّريك في تأسيس منصّة "تاب30" لخدمة سيارات الأجرة والرّئيس التّنفيذي لها، أنّ الأثر على العائدات ليس أهمّ آثار القيود المفروضة على الانترنت، "فالأثر الأهمّ هو الذي تتركه على سلوك النّاس".

وأوضح أنّ الإيرانيّين يستعملون الانترنت بشكل متزايد لغايات مختلفة، كالحصول على الخدمات، على مرّ السّنوات القليلة الماضية، الأمر الذي جعل الانترنت جزءًا أساسيًا من حياتهم. "إذا استمرّ انقطاع الانترنت لفترات طويلة ومتكرّرة، سيبدأ الناس بالاعتقاد أنّهم لا يستطيعون الاعتماد عليه للحصول على الخدمات، وهذا مضرّ بالأعمال التّجاريّة القائمة على الانترنت".

وفي حين أضاف مونشيبور أنّ هذه التّأثيرات الهامّة تجبر صنّاع القرارات على أن يفكّروا مرّتين قبل حظر مواقع الانترنت، أكّد خبراء على غرار أستيراكي أنّ الأعمال التّجاريّة والناس المتضرّرين عليهم أن يطالبوا السّلطات بتعويضات. ويعتقد أنّ المطالبة بتعويضات، ولو لم تجر الاستجابة لها، ستؤدّي على الأقلّ إلى إعادة النّظر قبل اتّخاذ هكذا تدابير في المستقبل.

مع أنّ القيود المفروضة على الانترنت انخفضت حدّتها مقارنة بالأسبوع الماضي، لم يتّضح بعد ما إذا كان الحظر الذي فرضته الحكومة على تلغرام موقّتًا أم سيصبح دائمًا كما طالب عدد كبير من الهيئات المحافظة داخل البلاد.

اقترح البعض أن تنتقل الأعمال التّجاريّة النّاشطة عبر الانترنت إلى وسائل بديلة للتواصل الاجتماعي، لكن نشطاء الانترنت يقولون إنّ نقل الأعمال التّجاريّة القائمة بالفعل إلى منصّات أخرى سيؤدّي إلى خسائر كبيرة. وقال أيضًا رضا الفت نسب، أمين اتّحاد أعمال الشركات على الانترنت، إنّ أكثر من 100,000 بائع مرخّص عبر الانترنت سيخسرون وظائفهم في كافة أنحاء البلاد إذا بقي تلغرام محظورًا.

إنّ قرار الحكومة بضبط الانترنت كطريقة للسّيطرة على الاحتجاجات أدّى إلى التّشكيك بخطّة الرّئيس حسن روحاني المتمثّلة بخلق حوالي 120,000 وظيفة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات في السّنة التقويميّة الإيرانيّة الحاليّة، التي تنتهي في 20 آذار/مارس. وقبل أسبوع على الاحتجاجات الأخيرة، كرّر روحاني وعده بحريّة الوصول إلى شبكات التّواصل الاجتماعي.

ومع تزايد الشّكوك بشأن الحالات التي قد تختار في ظلّها فجأة الحكومة أن تقيّد أو حتّى تغلق الانترنت في المستقبل، يعتقد عدد كبير من الخبراء أنّ هذه الخطوة ستدفع بالمستثمرين (محليّين وأجانب) من دون شكّ إلى التّفكير مرّتين قبل القيام بأيّ استثمارات في مجال التّجارة الالكترونيّة بالبلاد.

وقال علي رضا، "أطلقنا عملنا على الانترنت بناء على وعود روحاني. نحن مجموعة من خمسة شباب نعمل سويًا؛ ويعمل معنا أيضًا ثلاثة إلى أربعة أشخاص آخرين بشكل غير مباشر. ولقد خلقنا فرص عمل لأنفسنا ولغيرنا من دون أيّ دعم من الحكومة. لم نطلب أيّ مساعدة منهم، لكنّنا نتوقّع منهم الآن على الأقلّ ألا يدمّروا أعمالنا بهذه القرارات".



al-monitor


PM:12:39:18/01/2018




172 عدد قراءة