مصير أطفال المقاتلين الأجانب في العراق... الضمّ أم التسفير؟




انهزم تنظيم "داعش" في العراق بسقوط آ خر معاقله في الموصل بـ11 تمّوز/يوليو من عام 2017، لكنّ الآثار الاجتماعيّة والنفسيّة التي خلّفها لا تزال تتجسّد في الكثير من المخلّفات الفكريّة والماديّة، أبرزها: الأطفال المجهولو النسب الذين لا يمتلكون أوراقاً رسميّة تثبت أصولهم العائليّة، وتجعل السلطات قادرة على منحهم الجنسيّة العراقيّة، لأنّ القوانين تشترط عقد الزواج الرسميّ لرجل وامرأة حتّى يتمّ تسجيل المولود الناجم عن ذلك الزواج، أو عبر قرارات خاصّة يصدرها وزير الداخليّة. وعلى طريق حلّ هذه المعضلة، دعت وزارة الخارجيّة العراقيّة في 3 تمّوز/يوليو من عام 2018 دول العالم إلى تسلّم أطفال هم نتاج زيجات لأجانب متشدّدين.

ويشمل هذا الحلّ الأطفال الذين تثبت عائدة جنسيّتهم إلى دولة معيّنة، ولكن ماذا عن أولئك الذين لا تعرف حتّى أصول أمّهاتهم وآبائهم، والذين هم إمّا في عداد القتلى بالمعارك، وإمّا فرّوا بجلدهم إلى أماكن مجهولة.

وفي هذا السياق، أشار الباحث السياسيّ والاجتماعيّ في "شبكة الهدف للتحليل السياسيّ والإعلاميّكاظم الحجّاج في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "معالجة أوضاع مجهولي النسب مهمّة جدّاً لتجنّب البلاد المشاكل الاجتماعيّة، التي يتسبّب بها جيل ينشأ بطريقة غير سويّة"، وقال: "إنّ كريمي النسب موجودون بنسب كبيرة في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، وهؤلاء يقسّمون إلى 3 أقسام: العراقيّون، أحد الأبوين عراقيّ، الأبوان غير عراقيّين".

ولفت إلى أنّ "الدستور العراقيّ في المادّة 18 أوّلاً وثانياً بيّن أساس المواطنة ومن هو العراقيّ، وإنّ هناك 3 أحكام تنطبق على كريمي النسب، وهي: الشرعيّة والقانونيّة والاجتماعيّة، والشرعيّة منها تنصب في حرمة إهانة كريم النسب وإيذائه، وجواز تبنّيه وتزويجه، وكذلك يمكن أن يرث بالوصيّة. أمّا المعالجات القانونيّة فكثيرة، أوّلها وأهمّها إصدار الكتب والمستمسكات الرسميّة التي ستكون المدخل الرئيسيّ لاندماجهم بالمجتمع وفق المادّتين 15 و18 من الدستور، والاحتضان بالطرق القانونيّة، وإشعار كريم النسب بأنّه مواطن. ومن المعالجات القانونيّة أيضاً تطبيق إلغاء قانون الأحوال المدنيّة رقم 65 لسنة 1972 المعدّل بموجب المادّة 45/أوّلاً/أ من قانون البطاقة الموحّدة رقم 3 لسنة 2016، لأنّه يصبّ في معالجة الكثير من المشاكل التي يتعرّض لها كريمو النسب".

من جهته، قال القاضي العراقيّ المتقاعد طارق حرب لـ"المونيتور": "إنّ أطفال المقاتلين الأجانب هم نتاج زيجات بموجب إجراءات وضعها تنظيم داعش في المناطق التي احتلّها، ولا بدّ من ترتيب قانونيّ لأوضاعهم".

 أمّا رئيس الإدعاء العام في نينوى القاضي نعمان ثابت حسن فقال في اتصال مع "المونيتور": "إنّ سلطات الادعاء العام، منذ تحرير نينوى من داعش، جعلت من دور الرعاية مراكز إيواء لمجهولي النسب، إذ تضمّ الدور 70 طفلاً".

بدوره، أشار المتحدّث باسم العمليّات المشتركة العميد يحيى رسول في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "التنظيمات الإرهابيّة خلّفت 830 طفلاً وحدثاً ينتمون إلى جنسيّات مختلفة".

وكان تنظيم "داعش" قد شجّع على زواج أفراده من الرجال والنساء من بعضهم لتوفير جيل جديد يؤمن بعقيدته وقادر على القتال إلى جانبه، ونظّم بالفعل حفلات زواج لأفراده اكتسبت شرعيّتها من محاكم يشرف عليها رجال دين تابعون للتنظيم. كما روّج التنظيم إعلاميّاً للزواج والإنجاب، ويبدو أنّه كان هو نفسه يعاني من مشكلة الأبناء المجهولي النسب أو الذين فقدوا أبناءهم في الحروب، إذ أشار مصدر أمنيّ في سوريا في 4 آب/أغسطس من عام 2016، إلى أنّ تنظيم "داعش" أنشأ "دور أبناء الخلافة" لاستضافة أبناء المقاتلين القتلى وتبنّيهم تحت مسمّى "ابن الخلافة".

وإنّ أحد الإجراءات لإنهاء مشكلة مجهولي النسب، هو في إعادتهم إلى أوطانهم بعد التأكّد من جنسيّة آبائهم، إذ قال الناطق باسم وزارة الخارجيّة أحمد محجوب لـ"المونيتور": "إنّ الخارجيّة بعد تأكّدها من هويّة الأطفال وعائديّتهم بموجب وثائق وكتب رسميّة وقرارات قضائيّة، تعمل على إرجاعهم إلى أوطانهم، بعد مفاتحة سفارات بلادهم في بغداد، شرط أن يكونوا غير متورّطين بجرم أو عمل إرهابيّ، وأتمّوا فترة محكوميّتهم".

أمّا الإجراء الآخر فأشار إليه الخبير القانونيّ والقاضي السابق علي التميمي، إذ قال لـ"المونيتور": "يمكن تشجيع العوائل العراقيّة على (ضمّ) الأطفال المجهولي النسب، حيث يسمح القانون العراقيّ بذلك".

ولفت إلى أنّ "هؤلاء يخضعون بالضرورة إلى قوانين رعاية الأحداث والأحوال المدنيّة وأصول المحاكمات والعقوبات. وفي حال رفضت دولهم تسلّمهم، يتمّ إيداعهم دور الدولة، بعد أن يحاكموا في العراق وفق الاختصاص المكانيّ إذا كانوا متّهمين، مع التأكيد أنّ القانون العراقيّ لا يتيح معاقبة الصغار على جرائم الوالدين".

مقترح "الضمّ" يجب أن ترافقه مراقبة وتفعيل لدور الباحث الاجتماعيّ، لأنّ الثقافة الاجتماعيّة العراقيّة لا تتقبّل بسهولة الأطفال المجهولي النسب.

وفي هذا الصدد، قالت الناشطة في حقوق الإنسان والتكافل الاجتماعيّ والعضو المؤسّس لمؤسّسة "التكافل الاجتماعيّ في الفرات الأوسط" منى الشمري: "إنّ أطفال داعش والمقاتلين الأجانب يتواجدون في دور الأيتام والحضانات في العراق، ويلقون عناية جيّدة. وإنّ الأحداث منهم في مراكز احتجاز بوزارة العدل، بالتنسيق مع وزارة الداخليّة، تتوافر فيها كلّ الخدمات. كما أنّ أعداداً منهم تمّ تبنّيها (الضمّ) من أسر عراقيّة، من دون إخبارها بأنّها من مخلّفات داعش، تجنّباً للرفض المجتمعيّ لها".

وكشفت عن "إرسال 3 أطفال، الشهر الماضي، للعيش بشكل موقّت مع أسرة في فرنسا".

وأخيراً، إنّ أبناء "داعش" مفقودو الأصول، وتتعدّى قضيّتهم مشكلة الأطفال المجهولي النسب، إذ أنّهم ولدوا وتربوا في بيئة متطرّفة. كما أنّ الكثير منهم تلقّى دروساً في أفكار التنظيمات الإرهابيّة ومبادئها، وتدرّب على السلاح، الأمر الذي يجعل من حسم ملفّاته ضرورة، من خلال سرعة إعادته إلى بلدان أسره الأصليّة أو إعادة تأهيله في البلاد، ليعتاد على الحياة الطبيعيّة. 


.al-monitor



PM:02:34:18/07/2018




476 عدد قراءة