السلطات المصريّة تصادر كتاب "هل مصر بلد فقير حقّاً"... وتحبس المؤلّف وصاحب المطبعة






القاهرة — منذ أيّام، وتحديداً في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر، ألقت السلطات المصريّة القبض على الباحث الاقتصاديّ الدكتور عبد الخالق فاروق، بعد تأليفه كتاب "هل مصر بلد فقير حقّاً"، ثمّ طباعته عن طريق دار نشر الاتحاد بمنطقة دار السلام بالقاهرة لصاحبها إبراهيم الخطيب الذي كانت اعتقلته السلطات في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، قبل أن تخلي النيابة سبيلهما في 29 أكتوبر/كانون الأوّل الجاري.

ويأتي ذلك بعد مصادرة الكتاب في 14 أكتوبر/تشرين الأوّل، الذي يعتبر ردّاً على حديث عبد الفتّاح السيسي في مؤتمر الشباب، الذي قال فيه: إنّ مصر "بلد فقير جدّاً" في 28 يناير/كانون الثاني 2017.

تمت مصادرة الكتاب فى المطبعة، قبل أن تباع أى نسخة منه.

وبعدها، أعلن فاروق في عام 2017 أنّه في صدد إعداد كتاب للردّ على "مزاعم السيسي" بفقر مصر، كما أوضحت زوجته نجلاء سلامة، التي قالت أيضاً في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور": إنّ ٣ ضباط ألقوا القبض على زوجها من داخل منزله الأحد في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر، وأبلغوه أنّه مطلوب للتحقيق بسبب كتابه الأخير، ثمّ اقتادوه إلى قسم شرطة الشروق واحتُجز فيه إلى يوم الإثنين في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر قبل بدء جلسة التحقيقات بنيابة جنوب القاهرة في منطقة زينهم.

وأكّدت أنّ التهمة الأوليّة التي وجّهت إلى زوجها، كانت إصدار كتاب من دون ترخيص، إلى أن تواصل معها محامو الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان الذين حضروا معه التحقيقات لترسل لهم التصاريح الرسمية الخاصة بإصدار الكتاب، فأرسلت لهم الأوراق التي تثبت الحصول على ترخيص بصدور الكتاب ورقم الإيداع الرسميّ والترقيم الدوليّ الخاصّ به.

وأشارت إلى أنّ النيابة العامّة ناقشته في مضمون ما جاء في الكتاب، وسألته عن مصادره، فأجاب بأنّها مصادر رسميّة صادرة عن جهات حكوميّة عدّة ولم يأت بها من مخيّلته، فقامت النيابة بتوجيه تهمة نشر أخبار كاذبة وحيازة مطبوعات تحوي أخباراً كاذبة في نهاية التحقيق، الذي استمرّ قرابة 7 ساعات كاملة تخلّلته فترتا راحة، ثمّ أمرت بحبسه 4 أيّام على ذمّة التحقيقات.

وقالت نجلاء سلامة عن الكتاب: إنّه جاء في 27 فصلاً، وهو يأتي كنوع من الردّ على حديث "السيسي" عن فقر مصر، ويتضمّن فصولاً تحوي أجوبة عن الأسئلة المثيرة للجدل حاليّاً مثل: كيف تدار الثروات البتروليّة؟ وكم خسرت مصر من تعاقدات الغاز مع إسرائيل والأردن؟ علما أن مصر باعت الغاز لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية في 2010.

وأشارت إلى أنّ الكتاب يناقش الموارد البشريّة والكثافة السكانيّة في مصر، تمويل العاصمة الإداريّة الجديدة، وكذلك تعليقات وتساؤلات حول أبرز قضايا الفساد وإهدار موارد الدولة، وقالت: "قبل أن تقبض السلطات على فاروق كتب على صفحته الرسميّة، إنّ قوّات الأمن صادرت كتابه، من المطبعة رغم حصوله على تصريح رسميّ من الجهات المختصّة. وأوضح أنّ الكتاب ﻻ يسبّ أحداً، وإنّما يناقش الأزمة الاقتصاديّة بالأرقام والحقائق"، وهو ما اضطّره إلى نشر الكتاب إلكترونيّاً ومطالبة أصدقائه على صفحته الشخصيّة على "فايسبوك" بنشره وقراءته، بعد مصادرته، ثمّ وضع رابط الكتاب لمن يريد تحميله وقراءته فقد أعاد أصدقاؤه نشره إلكترونيا، وهو متاح إلكترونيا فقط الآن بعد مصادرته ورقياً.

وأشار مدير الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان المحامي الحقوقيّ جمال عيد إلى أنّ فريقاً سريا من ضبّاط أمن الدولة اختطف صاحب المطبعة إبراهيم الخطيب في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري.

وأشار إلى أنّ هذه الإجراءات التعسفيّة، التي تتّخذها السلطات الرسميّة لا تنفصل عن سياق عام أوسع من محاربة المجالات الثقافيّة والبحثيّة في مصر، وليس فقط محاربة السياسة، فمنذ 20 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، أغلقت سلطات أمن الدولة سلسلة مكتبات الكرامة التابعة للشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان، والتي كانت تقوم بدور ثقافيّ كبير.

السبب المعلن هو عدم حصول مكتبات الكرامة على تراخيص لمزاولة النشاط، والسبب الحقيقي أن جهاز أمن الدولة يريد التضييق على أعمال الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لأنها تنتقد أداء الدولة.

وأشار جمال عيد إلى أنّ قضيّة حبس فاروق ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، إذ تشهد الساحة الثقافيّة والبحثيّة محاكمات واعتقالات سياسيّة عدّة فى الآونة الأخيرة، على رأسها قضايا تخصّ العديد من الباحثين، منهم: الباحث الاقتصاديّ رائد سلامة، الباحث إسماعيل الإسكندرانيّ، رئيس مجلس أمناء مؤسّسة مدى للتنمية الإعلاميّة الصحافيّ هشام جعفر.

"السلطات قبضت على الصحافيّ هشام جعفر في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، وهو يبقى إلى اليوم رهين الحبس الاحتياطيّ أيّ ما يزيد عن 3 سنوات بالمخالفة للقانون. كما أصدرت محكمة عسكريّة مصريّة حكمها بحبس الباحث المتخصّص في شؤون الجماعات الإسلاميّة إسماعيل الإسكندرانيّ في 23 أيّار/مايو من عام 2018 لمدّة 10 سنوات بسبب كتابته مقالات عن الأوضاع الأمنية في سيناء لم تنل رضى السلطات الحاكمة، كما أشار عيد، الذي قال أيضاً: إنّ مسلسل محاربة الثقافة والفكر مستمرّ، ولديه فصول أخرى عدّة، إذ قبضت السلطات على الباحث الاقتصاديّ رائد سلامة في 23 آب/أغسطس من عام 2018، ووجّهت إليه تهمة إذاعة أخبار كاذبة بالاشتراك مع جماعة تدعو إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون.

القانون المصري يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه فى جريمة بث الأخبار الكاذبة

كما اعتقلت أخيراً في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري مدير التوزيع والدعايا بدار المرايا للإنتاج الثقافي أيمن عبد المعطى.

واستنكر عيد ما وصفه بالحملة الغاشمة ضدّ الباحثين والمفكّرين، مشيراً إلى أنّ فاروق كرّمته الدولة ذاتها مرّات عدّة، منها بمنحه جائزة الدولة التشجيعيّة في العلوم الاقتصاديّة والقانونيّة خلال عام 2003. كما نال جائزة أفضل كتاب في العلوم الاجتماعيّة عن معرض القاهرة للكتاب خلال عام 2015، فضلاً عن عمله مستشاراً لوزير القوى العاملة والهجرة خلال عام 2013.


AM:10:18:08/11/2018




180 عدد قراءة