تعليمات إلى الصحف المصريّة بعدم نشر أخبار تخصّ صفقة القرن... وتهديدات بالحجب والإغلاق





القاهرة: كشف مصدر حكوميّ مطّلع أنّ السلطات المصريّة حظّرت نشر أيّ معلومات غير رسميّة في خصوص ما يعرف بـ"صفقة القرن"، خصوصاً خلال مؤتمر البحرين الذي دعت إليه المنامة وواشنطن في 25 و26 حزيران/يونيو 2019، والذي عرف باسم "ورشة عمل السلام من أجل الازدهار".

وعقد المؤتمر رغم مقاطعة كافة الأطراف السياسية الفلسطينية وشاركت فيه بلدان عربيّة عدّة على رأسها مصر والأردن والمغرب، والسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة وقطر إلى جانب الولايات المتّحدة الأميركيّة، ممثّلون عن الاتّحاد الأوروبّيّ وصندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ، وبعض رجال الأعمال الكبار في المنطقة.

وفصّلت وكالة رويتر أهم الحقائق المتعلقة بالخطة الاقتصادية لصفقة القرن التي تم عرضها في مؤتمر المنامة بعد مقابلة أجرتها مع جاريد كوشنر، الذي يقود خطّة السلام فى الشرق الأوسط، وقالت: "تسهم الدول المانحة والمستثمرون بنحو 50 مليار من بينها 28 مليار تذهب للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة و7.5 مليار للأردن وتسعة مليارات لمصر وستة مليارات للبنان."

وقال أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة صائب عريقات في 18 حزيران/يونيو، إنّ ورشة البحرين الاقتصاديّة هي محاولة "لاستبدال مبدأ الأرض مقابل السلام، بمبدأ المال مقابل السلام". وأكّد عريقات أنّ "فلسطين لم تفوّض أحداً للحديث باسمها".

بدوره، قال وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري في 24 حزيران/يونيو، إنّ مصر ستشارك في مؤتمر البحرين المقرّر، من أجل تقييم خطّة المؤتمر المقترحة البالغ حجمها 50 مليار دولار، وليس من أجل إقرارها. وأكّد شكري خلال مقابلة تلفزيونيّة مع قناة روسيا اليوم: "من الأهمّيّة أن تشارك مصر لتستمع إلى هذا الطرح لتقييمه... ولكن ليس من أجل الإقرار به"، مضيفاً: "لنا الحقّ في تقييمه والاطّلاع عليه وبلورة رؤية إزاءه، لكنّ القرار النهائيّ حوله يرجع إلى صاحب الشأن والمصلحة، وهو السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة باعتبارها الممثّل الشرعيّ للشعب الفلسطينيّ".

وأضاف: "ليس هناك تنازل عن ذرّة رمل من أراضي سيناء التي استشهد من أجلها العديد من المواطنين المصريّين الشرفاء، دفاعاً عنها وسعياً إلى استرجاعها، فليس هناك أيّ شيء يستطيع أن ينتقص من السيادة المصريّة على أرض سيناء". 

فيما قال مسؤولون فلسطينيّون اطّلعوا على خطّة كوشنر لـ"رويترز"، إنّ الشقّ السياسيّ يتضمّن توسيع قطاع غزّة ليمتدّ إلى منطقة شمال سيناء المصريّة، لكنّ مبعوث الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات نفى حديث المسؤولين عن إعادة ترسيم الحدود.

وأشار المصدر الحكوميّ الذي تحفّظ على نشر اسمه، في حديث هاتفيّ إلى "المونيتور"، إلى أنّ السلطات المصريّة أتاحت للصحف والقنوات المصريّة نشر بيانات وزارة الخارجيّة فقط، ولقاء وزير الخارجيّة شكري مع فضائيّة روسيا اليوم، كما أصدرت تعليمات بعدم نشر أيّ معلومات أخرى نقلاً عن وكالات أجنبيّة أو صحف غربيّة، خصوصاً التي تتداول تصريحات عن تنازل مصر عن جزء من أرض سيناء للفلسطينيّين ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن".

الحديث عن تقسيم سيناء وتوطين الفلسطينيّين على أرضها، هو أكثر ما يزعج السلطات المصريّة التي أصدرت تعليماتها المشدّدة إلى كلّ الصحف والقنوات الفضائيّة بعدم الحديث حول هذه الأنباء أو تداولها، بحسب مصدر قياديّ مطّلع داخل إدارة تحرير جريدة المصري اليوم المستقلّة. 

وقال المصدر الذي رفض نشر اسمه، خشية الإضرار به، لـ"المونيتور" إنّه تمّ التواصل مع رئيس تحرير الجريدة عبد اللطيف المناوي والتنبيه عليه بعدم نشر أيّ أخبار غير رسميّة عن مشاركة مصر في المؤتمر، فضلاً عن ضرورة نشر البيانات التي تصدرها وزارة الخارجيّة فقط أو رئاسة الجمهوريّة والجهات الرسميّة في الدولة في هذا الشأن. وأشار المصدر إلى أنّه تمّ التنبيه على كلّ رؤساء تحرير الصحف المصريّة بإمكان حجب الموقع الإلكترونيّ أو إغلاق الجريدة في حال مخالفة هذه التعليمات. وأضاف: "تم إرسال التعليمات إلى مجموعة مغلقة من رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإخبارية عبر تطبيق الهاتف المحمول الواتس آب".

وأكّد المصدر أنّ الأجهزة الأمنيّة أصدرت تعليمات مشدّدة إلى الصحف المصريّة بعدم نشر أيّ تقارير أو تداول أيّ أخبار تتضمّن وجهة نظر مخالفة للرؤية المصريّة تجاه ملفّي المصالحة بين فتح وحماس وصفقة القرن، وهما الملفّان اللذان تعتبرهما الأجهزة الأمنيّة من الملفّات الخاصّة بالأمن القوميّ المصريّ. وأضاف المصدر أنّ التعليمات شدّدت على التعامل فقط مع بيانات وزارة الخارجيّة والبيانات الصادرة عن وكالة أنباء الشرق الأوسط المصريّة، باعتبارها الوكالة الرسميّة التي تبرز وجهة النظر المصريّة تجاه ملفّ صفقة القرن والمشاركة في مؤتمر البحرين.

بدوره، استنكرالخبير الإعلاميّ ياسر الزيّات، حظر السلطات نشر أيّ أخبار أو تقارير تتعارض مع البيانات الرسميّة، مؤكّداً أنّ مثل هذه الإجراءات تعود بنا إلى عهود تأميم الصحافة والصوت الإعلاميّ الواحد، وهو مناخ غير صحّيّ لتطوّر الإعلام والصحافة في البلاد.

وأضاف الزيّات في حديث إلى "المونيتور" أنّ محاولات التدخّل لفرض وجهات نظر معيّنة وتعميمها على كلّ الصحف، وحظر نشر أخبار محدّدة ما هي إلّا مجرّد محاولات يائسة من النظام الحاليّ لإبقاء سياسة إخفاء فشله في إدارة ما يعرف بـ"صفقة القرن"، خصوصاً أنّ المشاركة المصريّة تعني الاعتراف بخطط أميركا وإسرائيل في تقسيم فلسطين وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وهو الشقّ السياسيّ الذي يجب أنّ يحسم أوّلاً قبل الحديث عن أيّ مصالح اقتصاديّة متبادلة.

وأشار إلى أنّه لم تعد هناك قوى قادرة على التعبير عن تيّارات سياسيّة أخرى في المجتمع سوى الصحافة والمواقع الإلكترونيّة، في ظلّ غياب الأحزاب السياسيّة وتدجينها، وتصفية كلّ جهود المجتمع المدنيّ ونشاطاته، بالتالي لم يتبقّ سوى الصحافة للتعبير عن الرأي العامّ الرافض لتمرير صفقة القرن وتهميش دور الشعب الفلسطينيّ في تحديد مصيره.


al-monitor



AM:10:09:31/07/2019




24 عدد قراءة