حرية التعبير ودرس من مصر
جاسم الحلفى
إلتقيت قبل حوالي شهر مع اربعة من قادة الحركة المدنية المصرية، وتحدثوا بألم عن مآل الثورة الشعبية المصرية، فبعد انقاذها من حكم الاخوان المسلمين، خطفها العسكر، متمثلاً بالسيسي، الذي يحكم بطريقة هي ذاتها التي ادار مبارك بها حكم مصر. وبهذا يعاد انتاج الاسباب التي فجرت الثورة، مع ان مفاعيلها، اي الثورة، تراجعت الى حد كبير، بسبب التحدي الأمني، والتحوط من عودة الاخوان الى الحكم. غير ان المأخذ الاهم على حكم السيسي، رغم تأييدهم له وانحيازهم في الانتخابات لصالح ترشيحه، إنه والى جانب الوضع المعيشي المتدهور، قام بمصادرة الحريات عبر قانون شرع مؤخرا قيّد فيه الحق بالتعبير، ووضع حدودا للحصول على المعلومة، وضيّق من الحق بالتظاهر والاحتجاج السلمي. وان لا يتسع المجال لحصر الانتهاكات في مجال حرية التعبير، تكفي الإشارة الى ان عنوان التقرير الذي اصدرته مؤسّسة حرية الفكر والتعبير وهي مؤسسة حقوقية مصرية لعام 2016 هو (أكثر من سلطة للقمع). لم يتبق من الثورة شيء حينما أدار العسكر ظهورهم لشعاراتها في الحرية والكرامة عبر مساومة (الأمن مقابل الحرية!).

لا يمكن ان يستتب الأمن بمفهومه الشامل إلا بنظام يحقق العدالة الاجتماعية ويضمن الحريات ويصون الحقوق ومنها الحق بالتعبير. واذا حاولنا الاتفاق على ان العملية السياسية في العراق، والتي ينبغي ان تكون مرحلة تحوّل ديمقراطي، من حقبة الحكم الدكتاتوري، وتسلط الحزب الواحد والفكر الواحد الى فضاء الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية. فالتحوّل لا يفضي بالضرورة الى بناء الديمقراطية وترسيخها كنظام للدولة العراقية الجديدة، فاحتمال الارتداد الى الاستبداد والتفرد هو احتمال غير مستبعد، والتجربة المصرية كما مر ذكرها خير دليل، كما سبق ان برهن التاريخ السياسي العراقي على ذلك. هذا إذا تم فهم البناء الديمقراطي على انه ليس انتخابات فقط، وإنما هو عملية متواصلة، تتطلب مستلزمات أساسية، لخصها لنا الفكر والممارسة السياسية عبر التاريخ البشري، حيث لا يمكن تصوّر نظام ديمقراطي دون تشريع قوانين ديمقراطية، يهدف جوهرها الى توفير الأمن والاستقرار والخدمات للمواطن، ويوفر له إمكانيات المشاركة السياسية في الشأن العام، كي يتم الاطمئنان على ان عملية التحول الديمقراطي تسير بخطى واثقة نحو الديمقراطية. ان قانونا يؤمن حرية التعبير هو من القوانين الأساسية للتحوّل الديمقراطي. يبدو ان المشرع العراقي قد أخفق امام قانون حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، كذلك مشروع قانون جرائم المعلوماتية فمن شأنه تقييد حرية التعبير، ويشكل خرقا للقانون الدولي.

لقد ساهم النواب الذي وصلوا الى مجلس النواب باسم الديمقراطية والتمدن، الذين اشبعونا خطابات تحذر من عودة الاستبداد والتفرد، ساهم النواب الذين كثيرا ما تبجحوا بالليبرالية وحقوق الإنسان، واحترام الحرية الفردية، وساهم معهم النواب الذين تشدقوا بالتزامهم في أحكام المحكمة الاتحادية، ساهموا جميعهم وبأوامر قادتهم المتنفذين، الساعين على تأبيد وجودهم في الحكم، عبر صناعة الأزمة وتعميقها، ساهموا جميعا في وضع حاجز كبير أمام أهم مستلزمات التحوّل، وهو الحق بالتعبير والتظاهر السلمي والشفافية والمحاسبة والحصول على المعلومة ما يشجيع مشاركة المواطن وتأمين ممارسة دوره من أجل التأثير في الشأن العام.

وعملهم هذا يعد محاولة من المتنفذين للالتفاف على جوهر الديمقراطية، وتشريع قوانين تستهدف تأبيد وجودهم، وبقاء أزمة نظام الحكم المستفحلة، وإعاقة تشريع قوانين ديمقراطية، ورهانهم على تحويل المواطن من مشارك ايجابي في تقرير مصير بلده، الى رقم سلبي في المعادلة، عبر تغييب الوعي، وشل الإرادة الوطنية. قد يربح المتنفذون اليوم مكتسبات ومنافع شخصية، لكنها بالتأكيد ستكون وقتية، أما المواطن، وكما هي تجارب الشعوب، لن يقف متفرجاً سلبيا طوال الوقت، فحين يتم التجاوز على حريته وكرامته ولا يترك له المتنفذون، خيارا ديمقراطيا، يعبر من خلاله عن ذاته، وحينما تغلق أمامه شيئا فشيئا أبواب التعبير السلمية الديمقراطية والتي أمنها له الدستور، فسيقول كلمته بالطريقة التي يختارها واضحة قوية مدوية، كما قالتها الشعوب التي أسدِل عليها الظلام ولفتها خيمة الظلم.


AM:09:50:17/05/2017