نحنُ والآخر
د. أزهار صبيح
ضمن نطاق الأمم التي تعيّ شروط تحضرها بمعانيه ودلالاته الإنسانية، تلك التي تنشط فيها قوى الوعي، وتتضاءل وتنحسر مراكز الجهل والتردي، يشغل الإنسان موقعاً مستقلاً، ومعتبراً، ومصاناً في الآن معاً، وذلك بعد أن تم الاعتراف به بوصفه كائناً فردياً أولاً، ثم اجتماعياً ثانياً. وبهذا فإن التعاطي معه ـ مؤسساتياً ومجتمعياً ـ عادة ما يأتي على وفق مبدأ أنه شخص (حرٌ) و (مسؤولٌ) بالدرجة نفسها. كما أنه وضمن ذلك الفضاء، لا ينتظر منه أن يحقق انسجاماً أو تطابقاً جمعياً عاماً. فضلاً عن أنه ليس مضطراً ـ في الأصل ـ إلى تملق المزاج العام، أو حتى مطالب بمداهنته وإرضائه. لذا، والحال هذه، لا يُشكل الفرد فيها ـ سواء على مستوى الفكر، أو ضمن حيّز السلوك ـ موضع رصد، أو محور تعقّب من الآخرين. القضايا والمشكلات والظواهر هناك، هي ما تستلزم الرصد والتحديد، وتحظى بالتشخيص والإحاطة. تحليلها هو المطلوب، وتدارسها وعلاجها هما المبتغى. 

على النقيض من ذلك، لا تنظر أُمة العرب إلى الإنسان إلا بصفته: إما آخر مماثلاً، إذن فهو محقٌّ وصائبٌ وسويٌّ وعلى صراط مستقيم، أو آخر مختلفاً، وعليه، فهو خارجٌ عن العُرف والنسق والملّة، وخاطئٌ وضالٌّ بالنتيجة والضرورة. انها أُمة لا تعنيها القضايا والمعضلات، بقدر انشغالها المحموم بالخصومات والاتهامات.. أُمة تعاني أُميّة الفهم، عاجزة عن أن تفكر فيما هو أعمق ممّا يظهر على السطح، وأبعد ممّا يبدو للعيان. كيف لك أن تتفاءل وتأمل منها أو فيها مَلَكَات التفسير والتحليل، ناهيك عن قدرات الاستنتاج والتدبير! .. أُمة تحترف الشخصنة والتقزيّم، وتمارس التسفيه عن سابق رغبة وتصميم... أُمة لا تسأل عن جوهر ما تكتب، بل جُلّ ما يهمها (مَنْ) الذي تقصد؟! .. أبناء أُمة «اقْرَأْ» لا يتقبلون فكرة أنك من الممكن أن تكتب من دون أن تقصد أحداً محدّداً، أو حتى من دون أن يُخطّئ أحداً تعرفه، أو يعرفونه.. أُمة تبرعُ في ابتكار سيناريوهات الخديعة. 

قطعاً وحتماً هي أُمة (جبّارة) بالمعنى المُفزع للكلمة، ذلك أنها تملك من الحواس ما لا يُضاهى لانتهاز كل الفرص؛ بغية السقوط سريعاً في المهازل، والسعي حثيثاً باتجاه الهاوية، حيث ينتحر العقل وتُغتال الحقيقة.

المدى



AM:01:39:10/02/2018