يعتقد كثير من العراقيين ان بلدهم بحاجة لمعجزة سماوية. فالدوامة التي دخلوا فيها منذ عام الفين وثلاثة تتعمق على الدوام وتتولد منها وفيها ازمات جديدة. لكن حتى اولئك العراقيين المؤمنين بالمعجزات لم يكونوا معولين على الانتخابات البرلمانية القادمة ولا ينتظرون منها معجزة. فاذا برجل من الناصرية من جنوب العراق يتقدم بكل ثقة ووسط دهشة الجميع ليعلن انه نبي يوحى اليه. اسمه ياسر ناصر حسين بحسب ما ورد في مصادر اعلام محلية وهو يتحدر من قضاء الغراف شمالي محافظة ذي قار. لم يتقدم لادعاء النبوة فحسب بل وضعها في اطار الترشح للانتخابات, فما هي قصة هذا المرشح المدعي للنبوة؟ وهل لها من دلالات ؟
عندما يتطلع المرء للصفات والادعاءات والشعارات التي قدم بها ياسر نفسه يكون رد فعله الاول بان الرجل يعاني من مشكلة في عقله. فهو يقدم نفسه كاية الله و أمين لحزب الله ومؤسس وقائد ونصير لحزب الله نور السموات والارض تلك كلها طبعا كلماته. ولكن ربما علينا ان نتمهل, فما الذي يقوله المرشحون الاخرون؟ وما الذي ادعاه السياسيون الاخرون طوال السنوات الماضية؟ وهل كان كل ذلك عاقلا ومنطقيا؟
لم يدع احد من السياسيين العراقيين النبوة حتى الان لكن من المفيد ان نشير هنا الى ان احد المرشحين مؤخرا لم يتردد في الادعاء بان الناس بدأت بعبادته بسبب سيرته المحمودة بينهم حينما كان محافظا لاحدى المحافظات. لكن تلك العبادة لم توقف عملية اعتقال هذا المرشح وسجنه ثم خروجه وتبرئته في قضية لم تتعرض للشرح بطريقة واضحة للجمهور ليستفيد منها ومن عبرها فيما اذا كانت عملية مكافحة للفساد وتم اجهاضها ام مجرد تنافس سياسي بين السيد المحافظ وخصومه الذين كادوا له.
الظاهرة الاعمق على اية حال هي الوصاية التي تمارسها الاحزاب الطائفية العراقية التي تدعي الاسلامية في طريقة احتكارها للحقيقة المطلقة الدينية وطرق ممارستها وقوانين شريعتها وتهديدها لمن يختلف معها بعذاب كبير في الحياة الاخرة. هذا طبعا اذا لم يكن ذنب ذلك الخصم يكفي من وجهة نظر تلك الاحزاب واجنحتها المسلحة لان يتعرض للعذاب او ربما القتل في عالمنا هذا. مدعي النبوة ياسر لم يفعل ذلك حتى الان. ما قام كان ادعاءه بانه تعرض للاعدام مرتين في زمن النظام السابق ولا يقدم شرحا حول تفسير بقاءه في عالمنا رغم موته المزعوم مرتين سابقا. لكن من الواضح ان ياسر يعرف جيدا ان الطريق الي الامتيازات يأتي من ادعاء الاضطهاد في ذلك الزمن, لم يفعل سوى ان زاد على ذلك ادعاءه للموت. صحيح ان هذا ليس منطقيا ولا معقولا ولكن كم هي معقولة ومنطقية الامتيازات التي تمتع ويتمتع بها من ادعوا التعرض للظلم والاضطهاد سابقا وخصوصا اولئك الذي قدم لانفسهم مكافأت الخدمة الجهادية في قوانين شهيرة شرعها البرلمان العراقي مكرسا امتيازات مادية ومرتبات دائمة. وهنا ايضا تم استخدام المصطلح الاسلامي الجهاد من اجل اسباغ القدسية على جني المنافع المادية.
ثبات ياسر واصراره على ادعاءاته حينما تم القاء القبض عليه تزيد الحيرة من امره والشك فيه وان كانت لا تحسم ان كان مختلا عقليا ام محتالا اراد ان يمضي الى مدى ابعد مما مضى فيه الاخرون مستغلا موسم الانتخابات وطامعا فيما يأتي من بعدها. لكن رد فعل السلطات المحلية في ذي قار كان مثيرا للاهتمام. فياسر ليس فقط مجرد معتوه من وجهة نظرهم, وليس مجرد محتال رغم ان السلطات تقول انه ليس مرشحا رسميا في الانتخابات وان الموضوع كله قد يكون كذبة او وهما اخترعه ياسر وصدقه. اتهمت السلطات المحلية مدعي النبوة ياسر ناصر حسين بان كل ما يقوم به هدفه التشويش على الرسالة الانتخابية بدوافع خارجية لم يتم الكشف عنها في تلميح واضح لوجود تامر او مؤامرة ضد الرسالة الانتخابية, وهنا ايضا استخدام لمصطلح يبدو مقدسا هو الرسالة وهذا امر غير مثبت. فالانتخابات حق للمواطنين وهناك من يرى المشاركة فيها واجبا لكن ذلك راي لا يحظى باتفاق كبير. فلمن يدعو للمقاطعة على قلتهم وعدم طرحهم للبديل منطق يستندون اليه وشواهد واقعية عن انتخابات عراقية سابقة لم تؤد الى تحسن الاحوال.
ربما تكون قضية مدعي النبوة ياسر قد انتهت باعتقاله. وربما ينتهي المطاف به في مسشفى للامراض العقلية او قد يعود الى حياته محولا ادعاته بعيدا عن السياسية. قال قولته ووضع بصمة متواضعة ولكنها لا تنسى على مشهد انتخابي مزدحم ليذكر بان لاحدود للامعقول ولعدم المنطق. لكن كل تلك القصة ترينا ان هناك كثيرين استنكروا على ياسر ما ادعاه ولكنهم لا يستنكرون تجاوزات اكبر على عقول الناس ومصائرهم يرتكبها من هم اقوى من ياسر بكثير.
الزمان