معرض بغداد للكتاب وعلاء مشذوب
حسام السراي
سنوات طوال، ونحن نتشوّق إلى فعاليّة كبرى يجري تنظيمها بإطار أنيق ومدروس، ويتمّ التعريف والترويج لها بنحو محسوب، في كلّ من مواقع التواصل والصحف والشوارع والتقاطعات العامّة.

ويبدو أنّ معرض بغداد الدولي للكتاب، الذي انطلقت دورته الجديدة يوم الخميس (7 شباط 2019) وشعاره "كتاب واحد أكثر من حياة”، تتوافر فيه هذه الصفات، أي بوادر التحضير والتنظيم الذي يبشر بنجاح المناسبة الثقافيّة، انطلاقاً من معاينة الإطلالة الأولى للمعرض، إذ ربّما لأوّل مرّة نشاهد في بغداد إعلانات ضوئيّة كبرى عن مناسبة ثقافيّة، وتنشغل صفحات التواصل الاجتماعي في "فيسبوك” و”تويتر” و”أنستغرام” بتقديم ملصقات تعريفيّة عن الضيوف من العراقيّين المغتربين والعرب والأجانب.

الحقّ يقال، إنّ اتّحاد الناشرين العراقيّين وراء كلّ هذا التنظيم والشغل الناجح الذي تنطبق عليه مواصفات الإدارة الثقافيّة المحترفة، ومؤكّد أنّ لديه – أي الاتّحاد – مقاربته الخاصّة قبالة ما طالعه من معارض وفعاليّات ناجحة في أكثر من عاصمة عربيّة، وهو الآن يقدّم نسخة عراقيّة من المعرض تنافس دورات أخرى من معارض الكتاب في القاهرة وبيروت والجزائر والكويت وغيرها.

ينعقد معرض بغداد في جوّ وفصل مناسب للحركة والتجوال وزيارة أجنحته من قبل العائلات البغداديّة ومن سكان المحافظات العراقيّة من الشمال إلى الجنوب. مهمّ جدّاً أن تبدو مناسباتنا أنيقة ومنظّمة، بعد سنوات من الرثاثة والفشل التنظيمي على مستويات مختلفة، ليكون الكتاب عنواناً جماليّاً نواجه فيه كلّ هذه الفوضى في المجال العام.

والأهمّ أن يكون العرب من الكتّاب والصحافيّين والفاعلين الثقافيّين في قلب بغداد، ليجدّدوا التواصل مع زملائهم العراقيّين، ويتحوّل ذلك إلى فعل ثقافي لاحق. الغصّة التي صدمتنا جميعاً ونحن نستقبل المعرض، والتي لا يكفيها الاستنكار، إزاء سهولة القتل في العراق، ويُسر هرب الجاني من دون عقاب.

كيف يُقتل كاتب معروف مثل علاء مشذوب وسط مدينته كربلاء وفي طريقه إلى بيته، وبـ 13 رصاصة اخترقت جسده، ومن ثمّ يمضي القاتل وتتعدّد التأويلات للجناية وتكثر الاتّهامات لهذه الجهة أو تلك.

يقول المفكّر هادي العلوي في مقدمة كتابه "الاغتيال السّياسي في الإسلام”: "ميّز اللغويون الاغتيال عن الفتك؛ فالاغتيال إذا قتله من حيث لا يعلم، والفتك إذا قتله من حيث يراه وهو غافل غير مستعد.

وتدخل الحالتان في مفهوم الغدر..”. وفي بلدنا جرّب القتلة كلّ الأنواع، من اغتيال وفتك وقتل بإطلاق، وآخر المغدورين لم يهنأ بتوقيع روايته الجديدة "شارع أسود”، وحسناً فعلت دار سطور التي نشرت هذا العمل الأدبي، بالدعوة إلى تحويل حفل التوقيع المقام يوم غد الجمعة إلى مناسبة للاحتجاج ومطالبة الحكومة والجهات الأمنيّة بالكشف عمّن وراء هذه الجريمة.

خسرنا روح وأنفاس هذا الروائي والناشط، إلا أنّه سيتخلّد في تاريخ هذا البلد المُحتشد بالدماء والشهداء المغدورين. وتبقى الدعوة لشراء كتبه بادرة نبيلة، غير أنّ الأنبل والأهمّ منها هو ردّ الفعل السريع من داخل العراق وخارجه الرافض لكمّ الأفواه والمُطالب بكشف خيوط ما حصل، وهو تضامن مدني سيكون السبب الأرأس في تعديل مسار الأوضاع وإنْ بعد حين


NAS

AM:03:30:10/02/2019