في مزاد المتابعين
سناء العاجي.


قل لي كم عدد متابعيك أقول لك هل أنت مؤثر أو غير مؤثر! هذه صارت، على ما يبدو، القاعدة التي نبني عليها اليوم تقييمنا للآخرين. 

وإلا، فما معنى أن نضع صورة لحساب أنستغرام الخاص بممثل أمريكي معروف، وصورة أخرى لحساب شخصية من أولئك الذين أصبحوا اليوم يعرفون بـ"المؤثرين" على مواقع التواصل، لنقارن بين عدد متابعيها الذي يتجاوز الملايين، وعدد متابعي النجم الأميركي الذي يبدو فقيرا مقارنة مع حساب هذه "المؤثرة"؟

هل نقارن القيمة الفنية لممثل عالمي راكم اسمه وشهرته على مدى سنوات من العمل والاجتهاد والمثابرة والأخطاء ربما، أو كاتب أو صحفي نشر مقالات وكتبا على مدى سنوات، أو مقدم برامج يبذل مجهودا لتطوير زوايا الطرح والإعداد والتقديم، أو مطرب يجدد في ألحانه واختياراته ويشتغل ويتدرب ويحيي السهرات.. وبين أشخاص أصبح عنوان إنتاجهم هو الحضور الدائم على مواقع التواصل، لا أكثر؟

نستثني طبعا من هذه الخانة منتجي المحتوى على مواقع التواصل من مبسطي العلوم ومقدمي الكتب وأصحاب قنوات المحتوى على اليوتوب وغيرهم، لأن هؤلاء أيضا يبنون نجاحهم وشهرتهم من خلال مجهود فعلي واجتهاد وبحث حقيقيين ومن خلال إنتاج قيمة مضافة أكيدة. 

اليوم، عدد المتابعين أصبح يحدد قيمة الشخص لدى الكثيرين. وهذا في حد ذاته يطرح إشكالا حقيقيا علينا مساءلته. هل قيمة الفاعل بقيمة إنجازاته في ميدانه (الفن، الثقافة، السياسة، الحقوق..) وبقيمة الأفكار التي يطرحها أو الإنتاجات التي يقدمها، أو فقط بعدد متابعيه؟ 

نجمة الماكياج أو الموضة من حقها أن تكون مشهورة في ميدان تخصصها. أن تقدم أفكارا جديدة في الماكياج أو الموضة وأن تكون مؤثرة في هذا الميدان، الذي هو ميدان تخصصها والذي تقدم فيه ربما قيمة مضافة.

لكن، أن يكون كل رصيدك بضعة آلاف أو حتى ملايين من المتابعين، وأن تعتبر نفسك أو يعتبرك الآخرون "مؤثرا" هو أمر يفترض أن يجعلنا نسائل علاقتنا بالتأثير والتفاعل. أن نعتبر كل صاحب أو صاحبة حساب يراكمان آلاف أو ملايين المتابعين باعتبارهم "مؤثرين" في المجتمع، ونطلب رأيهم في قضايا سياسية واجتماعية، لمجرد أن متابعيهم بالملايين، فهنا ربما نحتاج لوقفة سريعة مع النفس لنسائل ذواتنا: ما التأثير؟ ما إنتاج القيمة؟ ما التفاعل الإيجابي في إنتاج الأفكار ومقارعتها؟  

أي نعم، اليوم، أصبحت مواقع التواصل جزءً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية. لكن في نفس الوقت، علينا أن ننتبه لهذا الهوس باللايكات، الذي بات يربط قيمة الأشخاص بعدد متابعيهم على مواقع التواصل. مشروعيتك كمطرب أو كاتب أو صحافي أو سياسي أو مقدم محتوى، لا يمكن أن تقتصر أو أن تكون رهينة بعدد متابعيك على مواقع التواصل، بل بقيمة ما تقدمه. 

حتى لقب "المؤثرين" يفترض أن يدعونا للتساؤل بشكل جدي. أن تكون مؤثرا معناه أن تكون قادرا على الإبداع في ميدان معين وعلى إنتاج فكرة تدافع عنها كحقوقي، كفنان، كروائي، كباحث، إلخ. 

من المؤسف أن حتى بعض الفاعلين الجادين في ميادين السياسة والفكر والثقافة والإعلام والفن، انخرطوا في هوس أعداد المتابعين وأصبح كل شيء مباحا عندهم لرفع أعداد اللايكات والمنخرطين على حساباتهم بشكل يجعلهم أحيانا يسقطون في الابتذال... لمجرد رفع عدد المتابعين والمتفاعلين على حساباتهم وصفحاتهم.

لنتذكر: القيمة الحقيقة هي ما ننتجه فعلا وما نقدمه من إسهام في بناء التراكم المعرفي \ الفني \ الحقوقي!

-alhurra
AM:02:50:23/11/2020