فيروس اِحتقار المنافس
إياد الصالحي

صدمات وخيبات لم تكن بالحسبان .. عبارات لم يزل الجمهور العربي يردّدها، منكفِئاً في حالتي ذهول واحتقان متلازمة


إثر إنتهاء الجولة الثانية من التصفيات المزدوجة لكأس العالم 2022وكأس آسيا2023 أمس الأول الثلاثاء بعدما آلت النتائج إلى فشل ذريع في الأغلب لمنتخبات عُرف عن جاهزيتها وبذخها أموالاًّ طائلة في حملات التأهل الى المرحلة المصيرية مقارنة بمنافسيها ممن يعدّون نقطة التعادل إنجازاً تاريخياً مدعاة لفخر سرمدي.


قلناُ، وكرّرها غيرنا، إن كأس آسيا في الإمارات دقّت طبول الحرب الخفية لمنتخبات آسيوية لم تعد ترضى السبات وتتلقّى الضربات في هكذا محفل تسعى فيه بقوة لتسجّل ما يمكن أن يعيد اعتبار سنينها الغارقة بذل الهزائم وتحمّل مرائر تحوّلها كالمعابر للفرق الكبيرة، فجاء الوقت لتُحْكِم ببسالة قدرتها على المنافسة بندية عالية وتُصْدِم بأهداف مُبكّرة وتعود الى الديار بفوز أو تعادل مستحقين.


تفحّصوا أشرطة المباريات، وأحصوا النقاط السلبية المؤشرة بمهنية بعيداً عن التحسّسْ والتندّرْ والتشمّتْ، فالأخضر السعودي صاحب أقوى دوري للمحترفين في المنطقة بدا وكأنه آتٍ الى نزهة ترويحية وليس لخوض معترك كروي أمام فرسان اليمن الذين جعلوه في حالة توهان لولا خبرة الدوسري والباهبري هتان، وصحوة التعادل لن تبرّئ لاعبي السعودية من تقاعسهم وعدم احترام تاريخهم الاستثائي بين عرب آسيا بتأهلهم خمس مرات لبطولة المونديال في أعوام 1994و 1998 2002و2006 و2018!


أما قطر التي تترقب تضييف أول مونديال في الشرق الأوسط، وحازت على لقب "سيدة آسيا" للنسخة الإماراتية، ولديها إدارة محترفة تبوّأتْ المركز الأول بجدارة بين الاتحادات في القارة، لا ندري كيف ظلَّ المرمى الهندي عصياً على مهاجمي العنابي ويخرج المدرب سانشيز ليقول صنعنا أكثر من 25 فرصة ولم نفلح بهز الشباك؟ إن فرض السيطرة لا يعني إقراراً بأنك الأفضل، فالعبرة بالنتيجة التي تؤكد اخفاقك وضرورة المراجعة لتفادي عُقم الحلول.


ولن ينسى الإماراتيون حتى موعد إقامة مباراتهم الثانية مع إندونيسيا في العاشر من تشرين الأول المقبل ارتفاع ضغط الدم في عروقهم طوال 90 دقيقة إثر الإنقلاب الماليزي فكراً وتدبيراً في خارطة التنافس الكروي القاري، مقدّماً أوراق أعتماده بملعبه عن جدارة، حابساً أنفاس الابيض، ولم يُطمئِنهم سوى مسك المنقذ "علي مبخوت" قارورة حظ خبرته ليبخّر بها رؤوسهم مرّتين، ولا عزاء لمارفيك، فالتظاهر بالفرح لن يخفي قلقه من صعوبة مشواره الخليجي الجديد، مع أنه حظي بثلاثة معسكرات ووديتين، أما حديثه عن الصبر والحاجة الى التضحيات فهو يعلم أن الإماراتيين لن يتردّدوا بحفظ سمعتهم إذا ما تعثّرت خطاهم ليكون أول ضحية في عِداد تقويمهم الفريق!


إذن ثلاثة فرسان عرب لهم باعهم الطويل حامتْ الشكوك حول مدى أهليتهم لمواصلة الرحلة الى المونديال، لم ينتبهوا الى إصابة لاعبيهم بفيروس خطير ربما سيعاود مجدّداً إذا ما أهملوا علاجه، إنه فيروس "اِحتقار المنافس" فاللاعب مهما امتلك الثقة والجاهزية والدعم يبقى معرّضاً داخل نفسه لهجوم هذا الفيروس بفعل وسوسة الفارق في كل شيء مع اللاعب المنافس، ويرى نفسه الأفضل والأقوى ولا يأبه لمنطق كرة القدم التي يتساوى في مستطيلها الأخضر "الأسود والأبيض" و"الغني والفقير" والفاصل بينهما العطاء والروح والحافز وصوت الوطن المنادي بتحقيق الفوز وإعلاء رايته.


درس للجميع، وفي مقدمتهم أسود الرافدين الذين تمتعوا بفرصة الانتظار، عليهم احترام المنافس مهما كان تاريخه وحجمه وطريقة استعداده لهم، فهونغ كونغ وكمبوديا تم تقييمهما بالاضعف إبان القرعة في ظل وجود إيران والبحرين، أما الآن فالأربعة ظهروا على مسرح الحدث، جميعهم يشكون ضعفاً في مراكز ما وأدوات واسلوب المواجهة، ويمتلكون أيضاً مفاتيح مهمة تقوّي سعيهم لحسم المباريات وفقاً لما خطّطوا وحللوا، ولكن ليس صعباً قهرهم في البصرة أو في ملاعبهم وتصدّر المجموعة الثالثة.


تذكروا أن سلبية الأسود تكمن في استعجال إنهاء الفرص وارتباكهم في التنظيم الدفاعي وحاجتهم لأسلوب هجومي يتعايش مع ذات الأدوات ولا يخضع للتغيير المزاجي في كل مباراة، وتبقى علّتهم الأكبر غياب وعي المدرب وإحساسه بقيمة كل لاعب في مساحة الواجب ومردود العطاء وتوقيت التغيير الحتمي. ولا دواء لمن يعاني "نقص القناعة البشرية"!




المدى 
AM:08:56:14/09/2019