عقوبة "القراءة"
يمينة حمدي

المشهد الذي أصبح سائدا داخل معظم الأسر اليوم، هو منح الطفل هاتفا محمولا أو كمبيوتر ليلهو به، بدلا من كتاب ليتصفحه أو يلون الرسومات الموجودة فيه، وبالرغم من أن جل الآباء يستمتعون بلحظات الهدوء التي يعيشونها عندما يعطون أطفالهم جهازا لينشغل به، فإن الكثير من الأبحاث قد لاحظت في السنوات الأخيرة تأثيرا واضحا للهواتف الذكية على تطور القدرات العقلية للأطفال.

يقول جيم تايلور، مؤلف كتاب "تنشئة جيل التكنولوجيا”، إن هناك "كما متناميا من الأدلة الواضحة -حتى وإن لم تتثبت تماما واختلفت حولها الآراء- على أن التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي والوصول الفوري للإنترنت والهواتف الذكية تضر بقدرة الأطفال على التركيز. إننا نحدث تغييرا جذريا على الطريقة التي يفكر بها الأطفال وطريقة نمو مخهم”.

الآباء قد تغريهم نباهة أطفالهم وقدرتهم على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية، من دون أن ينتبهوا لما قد تحدثه من أثر على صحتهم وتفاعلهم، كما لا يحاولون كسر ذلك النسق بوضع بعض الكتب في غرف صغارهم، وقراءتها معهم أو لهم، ليلة بعد ليلة، وهم يقلبون ويستوعبون ويثنون صفحاتها، ويبدأون في استكشافها كأشياء، وككلمات تعيش في العالم.

الأطفال يتعلمون كيفية التعامل مع الأشياء من خلال آبائهم، لذا فإن الرغبة في القراءة، تعد من المهارات التي يمكن للآباء تحفيزها في أبنائهم منذ مراحل العمر الأولى، وكل كتاب يمنحونه لطفلهم قد يمثل فرصة للنمو والتطور.

هناك حكمة قديمة تقول "التدريب يبلغك الكمال”، والتدريب المبكر للطفل على التعامل مع الكتب لا يعلمه الحروف والكلمات فحسب، بل يدربه على قراءة ما بين السطور، فقد يطرح الطفل الكثير من الأسئلة أثناء عملية القراءة له أو مشاركته في ذلك، وعلى الرغم من أن صبر العديد من الآباء قد ينفد قبل الإجابة على جميع أسئلته، إلا أن ذلك الأمر مهم للغاية في تطور شخصيته وتعلمه لغة الاقتناع والمجادلة والرفض، وكلما زاد عدد الأسئلة التي يطرحها الطفل، كلما كان أداؤه أفضل في المدرسة.

ولعلاقة الطفل بالكتاب تأثير كبير على مسار مستقبله المهني، فلطالما غرست القراءة أفكارا نيرة في عقول الكثيرين وتطورت تلك الأفكار إلى اختراعات استفاد منها الجميع.

لا تتوقف أهمية القراءة عند هذا الحد، إذ أثبت بحث أجراه ديفيد كيد، عالم النفس الاجتماعي، أن المداومة على القراءة تحسن القدرة على تفهم أفكار ورغبات الآخرين.

وقسم كيد مع زملائه من معهد نيوسكول للأبحاث الاجتماعية بنيويورك، الطلاب إلى مجموعتين، طلبوا من إحداها قراءة مقتطفات من روايات أدبية كلاسيكية حصدت جوائز عديدة وقصص أخرى شعبية، وطلبوا من المجموعة الأخرى قراءة كتب ثقافية.

وكانت النتائج مدهشة، إذ أحرز قراء روائع الأدب الكلاسيكي أعلى النقاط في جميع الاختبارات.
ويقول كيد إن قراءة أي نوع من القصص تسهم دون شك في تنمية المشاركة الوجدانية، ويضيف "عندما يتفهم الناس مشاعر الآخرين، سيحرصون على مساعدة الغير ويفيدون المجتمع”.

شدني نوع من العقاب نفذته مدعية عامة أميركية بحق خمسة مراهقين قاموا برسم جداريات (غرافيتي) مسيئة وتشويه مبنى تاريخي لمدرسة "أشبورن كولورد”، كان يستخدم لتعليم الأطفال أصحاب البشرة السمراء خلال فترة التمييز العنصري في نورثرن بفرجينيا.

بدلا من السجن حكمت المدعية العامة على المراهقين بعقوبة غير عادية وهي "القراءة”، وهنا اضطر المراهقون إلى قراءة العديد من الكتب من أجل أداء 12 تكليفا وكتابة مقال من 3500 كلمة عن الكراهية على أساس العرق، وبعد عامين ونصف العام من الواقعة تمكن الجناة من التعلم من خطئهم فندموا على فعلتهم.
ربما لا يولي الكثير من الآباء أهمية لمثل هذه القصص، لكن يجب عليهم أن يدركوا أن قراءة الكتب تعد شكلا من أشكال تدريب المدارك العقلية بما يحفز الذهن على تصور استراتيجيات لمواجهة مواقف الحياة المختلفة.

 وكالة أخبار المرأة 

AM:01:42:23/05/2019