حضرة المحترم .. الخيار المستقيم أم خيار الاستقامة
ستران عبدالله

ما يجرى من تكالب على المناصب الحزبية والحكومية في كردستان ونحن على أعتاب الحكومة الاقليمية الجديدة وعلى أعتاب ما يقال عن إمكانية عقد مؤتمر جديد للاتحاد الوطني الكردستاني يذكرني برواية (حضرة المحترم) النوبلي العظيم نجيب محفوظ.

يقضي بطل الرواية حياة مستقيمة بمعنى التكلس والجهود وليس بمعنى الاستقامة والشرف، حياة يركز فيها الموظف البيرقراطي والمسلكي على هدف واحد هو الحصول على كرسى (المدير العام) من اليوم الذي يدخل فيه السلم الوظيفي الطويل، يقضي حضرة المحترم (القادم) الذي لم يصبح محترماً بعد لأنه لم يرتقِ السلم النهائي للمدير العام، جل حياته الوظيفية الادارية ووظيفته الفيزيكية كأنسان في هذا المجتمع وكأنه الة بيرقراطية وكتلة صماء جامدة لا تؤثر فيه عاتيات الاعاصير وعاديات الزمن، مجرد من المشاعر والانتماءات متجنباً تقلبات الحياة ودروسه الجميلة التي تقوي شوكة الانسان وتنمي عضلات الصبر والتريث لديه وفيه، حضرة المحترم في رواية محفوظ ينال في النهاية مراده الوظيفي ويجلس على كرسيه الوثير ولكن بعد فوات الاوان حيث لا صحة وعافية سليمة تعين على الاستمتاع بالمنصب ولا ذرية صالحة تواصل مسيرته من بعده، ولا هدف نبيل يقضي من أجل تحقيقه ماتبقى له من عمر.

إن حضرة المحترم وهو يفني زهرة العمر في سبيل الحصول على منصب المدير العام يتناسى أو يتجاهل الواقع، والحقيقة أن ما هو عصي على أبناء الفقراء في بر مصر وصعيدها يحصل عليه أبناء الذوات وخلان الملك وأحباب البلاط برمشة عين.

منهم يتنقلون بين المناصب الرفيعة في مناصب الوزارة فيما لا يحصل الموظف الكحيان إلا على فتات اللموائد وأقصى ما يمكن أن يحلم به هو رئيس الملاحظين بعد قضاء العمر الطويل ولكن غير المثمر بين الاضابير وأقسام الارشيف مستنشقاً رائحة الاوراق النتنة وما تحمله من علاوات و ترفيع بطيء جداً وترقيع سريع لاخطاء الكبار.

ونجيب محفوظ أنطلق في روايته من تجربة موظف في جهاز الدولة الفرعونية من العهد الملكي البائد الى العهد الثوري الجاحد. لذا فهو مطلع على خريطة البيرقراطية المصرية المطبقة على أنفاس الفقراء والمتساهلة جداً مع الطفرات السريعة لمن يعرفون من اين يؤكل الكتف. وكانت الوظيفة بالنسبة للموظف والروائي محفوظ الظل الذي أحتمى فيه من قوة تقلبات الحياة لكي يتفرغ لعالم الرواية التي قادته أخيراً لنوبل الاداب ولم يشتبك في صراعات الكبار و لم تكن له طموحات الصغار في منصب حضرة المحترم.

لذا بقي المحترم الاخير في الحياة حيث عالم الرواية الرحب التي ستتيح له التقاط الشخوص وملامح الحياة المصرية الثرية.

كونوا روائيين وشهوداً على العصر وليس ماكنة صدئة في الة الطموح الوظيفي المدمر، فهي نتنة وأن بدت رائحتها كرائحة المسك.

ناس

AM:05:53:17/06/2019