عن مقاضاة 63 موقعا إلكترونياً
معن البياري

نغتبط، نحن جمهرة القراء العرب، بالكتب الوفيرة المنشورة، بصفحاتٍ مصوّرةٍ مرقّمةٍ واضحة، في عدة مواقع إلكترونية. العثور على كثيرٍ مما تريد ميسورٌ جدا، مجّانا. لا تدفع فلسا مقابل أن تجمع في ملفٍّ على جهاز حاسوبك مئاتٍ من الكتب في الفكر والعلم والفنون والرواية والشعر، فتتنقل بينها متصفّحا ومتجولا فيها، وذلك كله بفضل ما ييسّره لك مقرصنون محترفون. لا يأتي إلى بالك أنك تتواطأ مع سارقين، ذلك أمرٌ ليس في حساباتك، فثمّة بضاعةٌ مطروحةٌ قدّامك مجانا، لستَ من اختلسَها، تستفيدُ منها، وتنتفع بما فيها مما ليس في مقدورك أن تشتريه. وثمّة من هذه الكتب ما هو نادرٌ في السوق، طبعاتُه قديمة، هناك من أتاحه لك. صار هذا الأمر دارجا منذ سنوات، منذ نشط "المقرصنون" في رمي كل هذه الكتب، الجديدة جدا أحيانا، على الشبكة العنكبوتية. لينشر الناشرون إذن، وإذا أرادونا أن نقرأ، فها نحن نفعل، أمّا أن نشتري الكتب فأمرٌ آخر، لم يعد ضروريا للقراءة. 


مناسبة الإتيان على هاته المسألة أن السيف بلغ الزّبى عند أصحاب دور النشر العربية. لم يعودوا قادرين على احتمال هذا الحال الذي يدمّر صنعتهم، ويُنقص من مداخيلهم، فقد قرّروا، من خلال اتحاد الناشرين العرب، في اجتماعه قبل أيام في بيروت، عبر لجنة الملكية الفكرية فيه، رفع دعوى ضد 63 موقعا إلكترونيا، تُقرصن الكتب وتنشرها على مواقعها مجّانا. وقال الاتحاد في بيان له "هالنا تقاعس عمالقة الإنترنت، وهم: غوغل، أمازون، يوتيوب، فيسبوك، آبل ومايكروسوفت، عن اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هذه المواقع المجرمة". ويكشف نعت هذه المواقع بأنها "مجرمة" المدى الذي وصل إليه السخط الواسع الذي يستشعره الناشرون العرب من هذه القرصنة النشطة. وقد جاء البيان على ما أحدثتْه هذه المواقع من أثرٍ على صناعة النشر العربية، وما أسهمت به في "تردّي الأوضاع المالية للناشرين العرب، وفي إفشال معظم المعارض التي أقيمت في العامين الأخيرين". وكانت لجنة الملكية الفكرية في الاتحاد قد تلقت مئات الشكاوى من ناشرين عربٍ كثيرين عن "انتهاك مواقع معينة ملايين من منشوراتهم الورقية، وتحميلها، وإتاحتها على شبكات الإنترنت بطريقةٍ علنيةٍ، وبترويجٍ فاضحٍ راح يتزايد يوما بعد يوم". 
نتورّط، إذن، نحن جمهرة القرّاء، سيما الكثيرين منا الذين صاروا يستطيبون "تحميل" كتبٍ يحبّون قراءتها على حواسيبهم وهواتفهم النقالة، في "حيص بيص"، ذلك أن الذين ييسّرون لنا هذه المنفعة (من هم؟) يرتكبون عملا غير أخلاقي، وأن تعاطفا محقّا ينبغي أن نمحضه الناشرين العرب الذين صارت أعمالُ كثيرين منهم مهدّدة، وإنْ في البال أن الأغلبية منهم تتفادى في الأصل أي خسارةٍ مالية، عندما تقبض من المؤلفين أكلاف كتبهم، غير أن القصة كلها صارت مقلقة، وهذا اتحاد الناشرين العرب يُخبرنا بيان اجتماع مجلس إدارته في بيروت، الشهر الماضي، في النقطة السابعة من نقاطه الثلاث عشرة، إنه تناول "إقامة دعوى قضائية على "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعي بخصوص تزوير وقرصنة الكتب". 

هل سينجح الاتحاد في دعواه التي أفيد بأنه رفعها على 63 موقعا إلكترونيا؟ في وسع الخبراء العارفين بهذا الملف الإجابة. وفي البال أن لجنة الملكية الفكرية في الاتحاد قرّرت (بالإجماع) الحكم بغرامةٍ ماليةٍ قدرها مليون دولار على كل واحدٍ من هذه المواقع، واعتبار الشركات الكبرى للإنترنت (غوغل وغيرها)، وما يتبعها من منتجات المضمون، وكل الشركات الأخرى التي تتيح المضمون، وتسمح بوجود مثل هذه المواقع، أو متضامنة معها، إن لم تُشطب هذه المواقع، وتُلغ بسرعة، وإلا تصبح عمالقة الإنترنت حاملة هذه المواقع هي المطالبة بالتعويض.

 وأوصت اللجنة الاتحادات المحلية برفع دعاوى قانونية فورية ضد شركات الإنترنت الكبرى، المستضيفة لهذه المواقع، في محاكم الأمور المستعجلة، واستصدار أحكام عاجلة بغلق هذه المواقع فورا، وتعويض مؤقت تدفعه الشركات المتيحة لها عن كل موقع. 

لننتظر، إذن، ما ستنتهي إليه حبال المحاكم الطويلة. ولنتهيأ ربما لخسران الغبطة بمطالعات كتبٍ جديدةٍ وقديمة، نستدعيها إلى حواسيبنا وهواتفنا بنقرة زر.

العربى

AM:03:54:07/08/2019