"تسامح" انتقائي!
سناء العاجي


انتشر على بعض مواقع التواصل فيديو لكنيسة في ألمانيا، يصلي فيها المسلمون صلاة الجمعة خلال العشر الأواخر من رمضان.

مبادرة رائعة جدا على المستوى الإنساني. مبادرة تترجم إمكانية التعايش الجميل بين الأديان، كما تترجم انفتاح القائمين على تلك الكنيسة على الثقافات والديانات الأخرى.

كل هذا جميل جدا.

لكن، هل لنا أن نتخيل إمكانيات فتح مساجدنا للمسيحيين أو اليهود ليؤدوا فيها صلواتهم حين يتعذر عليهم ذلك في أماكن عباداتهم، لسبب ما؟

الجواب على هذا السؤال يترجم فعليا مدى قدرتنا على التعايش مع الآخر المختلف (أفضل شخصيا الحديث عن "التعايش" بدل "التسامح"، لأن الأخير يعني أن الشخص المتسامح هو ضمنيا أعلى مرتبة، لكنه "يتنازل"، أو على الأقل يبذل مجهودا لكي يقبل بالآخر و"يتسامح معه"، وكأننا بالمتسامح يقول ضمنيا: "أنا أفضل منك لأني أبيض، لكني سأتسامح معك وسأقبلك رغم أنك أسود". أو: "أنا أفضل منك لأني أوروبي، لكني شهم ومتسامح مع الأفارقة"، إلى غير ذلك من الأمثلة).

هل نحن قادرون على الإتيان بنفس الفعل في الرباط أو القاهرة أو الرياض، تضامنا مع ضحايا مسيحيين أو يهود أو لادينيين للإرهاب؟

بعد الأحداث الإرهابية التي عرفها مسجدان في نيوزيلاندا، تابعنا جميعا، بإعجاب وتقدير، تفاعل السياسيين والمواطنين هناك مع الأفعال الإرهابية، من إدانة وتنديد وتعاطف مع الضحايا؛ كما تم تنظيم تجمعات هائلة خلال صلاة الجمعة الموالية، شكل خلالها المواطنون غير المسلمين حزاما أمنيا لحماية مواطنيهم المسلمين خلال الصلاة.

هل نحن قادرون على الإتيان بنفس الفعل في الرباط أو القاهرة أو الرياض، تضامنا مع ضحايا مسيحيين أو يهود أو لادينيين للإرهاب؟ هل نحن قادرون على التعايش بسلام، بل وحماية الآخر المختلف من الخطر المحتمل من بعض مكونات مجموعتنا؟ هل نحن قادرون على استقبال أصحاب ديانات أخرى في أماكن تعبدنا؟ 

الجواب واضح، خاصة حين نرى تعامل المسلمين فيما بينهم حين تختلف الطوائف داخل البلد الواحد والدين الواحد، فما بالك بالقادم من مرجعية دينية أخرى!

علينا يوما ما أن نعي أن التعايش هو لغة مشتركة. لا يمكن أن نحتفي بها حين تكون في صالحنا... ونعتبرها "فسادا" أو "حربا ضد الإسلام" أو "انحرافا" حين تكون في صالح الآخر

لنتأمل أيضا حجم الفاعلين في عدد من البلدان والذين تتم محاكمتهم بتهمة "ازدراء الأديان" في مصر أو "زعزعة عقيدة مسلم" في المغرب أو بتهم مشابهة هناك وهناك... ألا نلاحظ أن هذه التهم تترجم بصيغة دين واحد؟ هل سمعنا يوما عن مصري مسلم سخر من الأقباط أو من اليهود وتمت محاكمته بتهمة ازدراء الأديان؟ هل حاكمنا في المغرب يوما، شخصا مسلما دعا يهوديا للإسلام أو حول سائحة أجنبية للإسلام، بتهمة "زعزعة عقيدة مسيحي\ة أو يهودي\ة"؟ 

نحن، طبعا، نفتخر ونحتفي بتحول الآخرين لديننا، رغم أن هذا في الحقيقة ليس مكسبا للدين، بما أنه مجرد اختيار فردي لشخص اقتنع بدين معين وقرر اعتناقه؛ تماما كما لا يفترض أن يعتبر خروج شخص من الإسلام أو من غيره شهادة ضعف ضد هذا الدين لأنه، مرة أخرى، مجرد اختيار فردي لشخص معين. لكننا، في المقابل، نرفض بتاتا العكس. أم أن العقيدة الإسلامية وحدها هشة تخاف الزعزعة وتخاف الازدراء؟

باختصار، علينا يوما ما أن نعي أن التعايش هو لغة مشتركة. لا يمكن أن نحتفي بها حين تكون في صالحنا... ونعتبرها "فسادا" أو "حربا ضد الإسلام" أو "انحرافا" حين تكون في صالح الآخر، وحين يكون علينا أن نتحلى بها لنثبت إنسانيتنا!

- alhurra
AM:04:56:23/05/2020