الجيش الإلكتروني النسوي
كوليت بهنا


دأبت الدراسات والأبحاث العالمية على تحميل الفقر والجهل والتخلف مسؤولية العنف المجتمعي على مستوى العالم. في هذا العام، أضيفت الآثار الحادة لانتشار جائحة كورونا وأبرزها البطالة، كواحدة من أهم أسباب تنامي هذا العنف، الذي سجل أعلى مستوياته الخطيرة بل المدمرة على المستوى الأسري، ودفعت النساء ثمنه أبهظ الأثمان بشكل خاص، في معظم دول العالم.

من الطبيعي أن تشكل مثل هذه الأسباب دوافع رئيسة للعنف المجتمعي والأسري بشكل عام، لكن المتابع لعدد من الحوادث الأخيرة، سيواجه أسباباً مختلفة وملفتة، قد يجد البعض لها تبريراً بوصفها حالات استثنائية، وفي واقع الأمر، يكمن الخطر تحديداً، في عمق هذا الاستثناءات.

ثلاثة حوادث تزامنت في الأيام الأخيرة، تناقلتها وسائل الاعلام العربية، وتفاعلت معها منصات التواصل الاجتماعي بشكل ملفت، أولها، قضية تحرش كبرى اتهم فيها إعلامي عربي شهير، والثانية قضية عنف جسدي تعرضت له سيدة  عربية من زوجها الإعلامي أيضاً، والأخيرة، جريمة اغتصاب جماعي لفتاة حدثت في أحد الفنادق  العربية الشهيرة عام  2014، كشف النقاب عنها مؤخراً، المتهمون فيها مجموعة من الشبان الأثرياء.

في هذه الحوادث الثلاث، المتهمون هم أصحاب مناصب ثقافية أو علمية أو إعلامية أو نفوذ اجتماعي ومالي، وهو ما ينفي دافعي الفقر أو الجهل، ويؤكد المؤًكد حول العنف الكامن في الذكورة بشكل عام، بصفته عنفاً مكتسباً، بررته عبر التاريخ ذكورة مماثلة، سنّت بعض النصوص الدينية التي تشرعنه، وعززته عادات وأعراف وقوانين مواربة، رحبت بها مجتمعات كثيرة.

لكن الزمن الذي كانت النساء يرضخن فيه بالبقاء كضحايا صامتات قد تغير إلى الأبد، وتشكّل مثل هذه الأوقات النادرة التي يجلس فيها العالم متابعاً ومتفاعلاً مع العالم الافتراضي بكثافة أكبر، فرصتهن التاريخية المتاحة، قد ينجحن عبر استغلالها السريع والفطن، بكبح جماح بعض هذا العنف، والتخفيف من آثاره المدمرة، وإسماع أصواتهن عبر هبات التكنولوجيا العصرية، وفي مقدمها وسائل التواصل الاجتماعي، لفضح هذا التغول، ومواجهته دون تردد أو خوف. 

في استعراض سريع للصفحات الإلكترونية التي ترصد الحوادث، وتسجل على مدار الساعة، مثل عدّاد القهر، أرقاماً مضافة لنساء معنّفات، أو ضحايا لجرائم الاغتصاب والقتل، ومتابعة التعليقات الذكورية المرافقة لمثل هذه الحوادث، التي تبرر للجناة في معظم الحالات، أو تتعاطف معهم، أو تمارس عنفاً لفظياً وتحريضاً ضد الضحايا، لا تقل بشاعة عن الجريمة الأصلية، تشير إلى أن الجيش الذكوري الالكتروني، اكتشف مبكراً دور هذه المنصات، وأهمية تسخيرها بمنهجية واضحة، من أجل الدفاع الأزلي عن مكتسباته السلطوية، لكنه في حقيقة الأمر، بات يهابها.

بالتالي، فإن تعزيز اللجوء النسوي والدفع نحو استغلال هذه الوسيلة المُهَابة المتاحة، الأكثر انتشاراً والأسرع تأثيراً، مهمة ملحة تقع على عاتق جميع الأفراد المناهضين للعنف، والمنظمات النسوية وجميع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وذلك عبر توفير ما أمكن من دعم لوجستي ومالي، لتسهيل وصول هذه الآلية إلى يد النساء في كل مكان، والتدريب الواعي على استعمالها، كواحدة من حقوق الإنسان العصرية. 

كما يساهم تشكيل شبكات إلكترونية متخصصة قادرة على الوصول إلى أكبر عدد من الضحايا، في الحشد الحقيقي نحو إنشاء جيش الكتروني نسوي، يمكن أن يساهم في تحريك المستقر والثابت الاجتماعي، والدفع نحو استحداث قوانين صارمة، لا تهادن منصباً لمتنفذ مُغتصِب، أو توفر للجناة ملاذاً آمناً، أو تسمح لهم بالفرار تحت مرأى ومسمع سلطات البلاد. 

إضافة إلى أن أهم نجاح يمكن للنساء أن يحققنه، هو إيمانهن بما يفعلنه، والجدية، وبث روح الاستمرارية، وعدم الاستخفاف بجدوى ما يفعلنه، وفي حملة Me-Too العالمية التي ساهمت في إسقاط رؤوس دولية كبيرة وشهيرة، وفضحهم وإجبارهم مع خزيهم على التخفي أو الانزواء، خير مثال عن جدوى العمل الجماعي من أجل الحق. 

يبتدئ كابوس الخوف النسوي من البيت، وحين يتعذر الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي، يمكن اقتحام فضاء هذه البيوت عبر آليات كثيرة متاحة من أجل تحرير النساء من خوفهن، عبر تسريب كلمات مؤثرة يتضمنها حوار في مسلسل تلفزيوني، أو دردشة بين ضيفين عبر الراديو، توصل لنساء هذه البيوت خلف أبوابهن المغلقة، بعض رسائل  العالم الخارجي المطمئنة، وبأنهن لسن وحيدات.

-alhurra
AM:03:54:29/08/2020