ليل دون قمر
خولة مطر
الليلة مظلمة وموحشة والشوارع تفتقد مريديها.. ربما للمرة الأولى تسأل الطرقات «أين هى» ولا صوت إلا صوت الريح وبعض سيارات الشرطة الباحثة عن مخالف هنا أو هناك.. تبحث المتاحف والمطاعم والمقاهى والمعارض وصالات عرض الموسيقى والباليه عن الطوابير الطويلة من عشاق الطعام الجيد والموسيقى واللوحات الفنية.. لا أحد لا أحد كلهم أغلقوا أبوابهم وأقفلوها حتى لا يتسرب ذلك المخلوق الصغير جدا فى الحجم الكبير جدا فى قدراته إلى بيوتهم وغرف طعامهم وفراش النوم..***الليل معتم.. ليس هنا فقط بل فى كل مكان. تساوت كل المدن والقرى رغم أنهم قالوا إن ما يخيفه هو الضوء وليس العتمة، كثيرون لا يعرفون العيش إلا فى تلك البقعة المعتمة فلماذا نلوم ذاك المخلوق الصغير الذى أصبح هو إله الموت وسارق الملذات ومثير الهلع الذى تحول إلى مرض نفسى للكثيرين وهوس رغم فداحة الأمر..***عندما يأتى المساء زاحفا يبدأ الجميع فى الجرى سريعا وكأن شبح الموت يطاردهم.. ورغم الخوف المرتبط بالمدن المغفرة إلا أن كلا يعرف تضاريس مدينته ويستطيع أن يعرف أى موقع وهو أو هى مغمض العينين عبر كل الحواس الأخرى، ربما الشم أو اللمس أو حتى الهواء المعتق فى جدران بيوتهم.. ولكن ماذا عن أولئك الذين يهبط عليهم الليل بظلمته فى المدن البعيدة؟! ماذا عنهم عندما تفترشهم الطرقات أو الأرصفة التى لا تعرفهم..؟!***وآخرون كانوا من الساكنين فى حقائب السفر ولم تكن ساعات السفر الطويلة تزعجهم ولا حتى العيش فى غرف الفنادق، أولئك الذين يتفاخرون بأنهم قادرون على عبور المحيط دون أن يصابوا بدوار تغيير الوقت!!! ماذا عنهم؟! هل تأقلموا مع الوقت عندما يتوقف ومع الطائرات المتراصة فى المطارات والفنادق الفارغة إلا من العالقين؟! والبيوت التى لم يعرفوها وعائلة يتعرفون عليها للمرة الأولى وكأن الغربة أصابتهم قبل أن يصيبهم ذاك المخلوق..***رسائل التهويل وبث الخوف تتنافس معه، من يصل قبل الآخر. الأول إلى عقلك وقلبك والآخر إلى رئتيك، وكلاهما قاتل قبل الموت.. حتى العقلاء تخلوا عن عقلهم تحت آلات الخوف والترهيب، وأصبحوا جميعا يستجدون المنجمين ورجال الدين ليقولوا لهم هل هذه هى نهاية العالم أم لا.. يحولون الكلمات البسيطة إلى شىء من الألفاظ العلمية حتى يصدقها الخائفون من ذاك الذى لا يستطيعون فهمه ولم يستطع أحد ربما الكثيرون حتى من المختصين أن يفسروا أبعد مما هو الكلام العام، المتداول..***فى الليلة المظلمة تبدو التفسيرات انعكاسا لها فتدخل فى الغيبيات والخرافات وكثير من الجهل المعبر عن مدى قلة معرفتنا بعضنا ببعض، وكرهنا لطبائع البعض، وتصور كل منا أنه الأفضل والأكثر معرفة ورقى.. لا يتوحش الليل إلا عندما نحوله نحن للصمت وننزوى كل فى مكان أكثر عتامة بدواخلنا، وليس نتيجة لانقطاع الكهرباء وهى ظاهرة عربية بجدارة فى العام 2020. ما زلنا نعتاد أن نكون دون كهرباء فى مواسم أو ساعات من اليوم فنرسم مسيرة أيامنا بناء على توفر الماء والكهرباء.. كل هذا وكنا راضين به ولم نتذمر ولكن والآن هجم هذا المخلوق على الجميع وفى نفس الوقت ولم يمايز بين هذا وذاك وبين هى وهو..***لا يطول الليل إلا إذا تصورنا أنه مرادف للعتمة، ولا يمكن أن ينتصر إلا إذا استسلمنا وحولنا كل هذا إلى شىء من المأساة التى تبدو هى بشكل أو آخر حيلة الحائرين دوما، وهذا لا يعنى أن يتهور الجميع ويفتح رئتيه لاستنشاق القاتل الجديد المتلون بل يعنى أن لا يفقد المرء منا تركيزه ولا يجعل كل هذه التحولات السريعة التى قلبت الكون بأكمله، لا يجعل منها مساحات أخرى للخوف الذى لم نعرف غيره على مدى عقود.. رغم كل ذلك سنبقى نفتقد ليلنا الذى عرفناه منيرا بأقماره حتى فى ليالى الخسوف.

AM:06:45:30/03/2020