الإعلام في زمن كورونا
د. عبدالله العمادي
ما يحدث في العالم اليوم يوضح التأثير البالغ والعميق لوسائل الإعلام
الهلع والذعر والقلق والخوف تسببت فيها وسائل الإعلام أكثر من الفيروس
أدعو أن يحاول كل منا الاطلاع على عدة مصادر إعلامية من أجل أن تكتمل الصورة


لا أحد يشك مطلقاً ما لوسائل الإعلام اليوم من تأثير بالغ على التوجهات والأفكار، وما ينتج عن ذلك من سلوكيات وأفعال متنوعة. الإعلام عنده القدرة على تضخيم أي أمر تافه حقير، أو التقليل من شأن أي أمر عظيم. والأحداث من حولنا أكثر من أن نحصيها هاهنا في مساحة محدودة.
دون تعمق أو إسهاب في مقدمات طويلة، فإن ما يحدث بالعالم اليوم منذ أكثر من شهرين متتابعين، يوضح لك ما لوسائل الإعلام من التأثير البالغ والعميق. فإن أزمة تفشي فيروس كورونا في العالم وبسرعة قياسية منذ أواخر يناير الفائت من هذا العام، توضح لك أن الهلع الذي أصاب العالم كله، والذعر الذي يعيشه ملايين البشر، إنما ليس بسبب الفيروس وسرعة انتشاره، ولكن بسبب تضخيم وسائل الإعلام للأمر – وإن كان هذا لا يعني التهوين من شأنه في الوقت ذاته - لكن السيل المنهمر من الأخبار والمتابعات لهذا المرض، ونشر تفاصيله وما يتعلق به في كل دقيقة وثانية، حتى لم يعد للعالم حديث سوى كورونا، أدى إلى تعطل أو تكاد تتعطل الحياة في أجزاء كبيرة من العالم. فلا رياضة ولا ثقافة ولا فكر ولا فن ولا حياة اجتماعية صار يطيقها البشر، بل بدلاً من ذلك تبدلت الأولويات عند الشعوب والدول، فصار المطلب الرئيسي هو كيفية وقف انتشار هذا الفيروس.
بدأت وسائل الإعلام بكافة أشكالها بالحديث عن المرض وكيفية انتشاره وكيفية تجنبه وغير ذلك من معلومات وأخبار، حتى صار حديث الشارع والبيت والعمل وأي تجمع بشري – قبل حظر التجمعات - الأمر الذي صنع ذعراً وقلقاً وخوفاً في النفوس، وزاد الطين بلة، دخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، لتعيث أو عاثت بالفعل وعبثت في الأذهان بمعلومات وأخبار وشائعات ما أنزل الله بها من سلطان. كل ذلك أحدث إرباكاً وفوضى إعلامية ومعلوماتية في كافة أقطار الأرض.
هذا الهلع والذعر والقلق والخوف الذي تسببت وسائل الإعلام فيها بالدرجة الأولى أكثر من الفيروس نفسه، وزاد وساعد على ذلك دخول وسائل التواصل على الخط كما أسلفنا، وصار كل من هب ودب يتحدث في أمر كورونا، جعل العالم الآن فريسة سهلة لجبروت ووحشية دول أو شركات، من تلك التي لا تدع فرصة ذهبية – حسب فهمها –أن تفلت من يدها من أجل قيادة وتوجيه العالم، شعوباً وأنظمة، كي تحقيق مرادها، سواء كان المراد من هذا التشكيل الذهني للناس هو التربح والتكسب المادي، أم السيطرة على طرائق التفكير وأساليب الاستهلاك عندهم ودولهم كذلك.
ما معنى ذلك؟
هذا يعني أن القصة ابتداء ربما هي ضمن سياق منافسات وصراعات جبابرة العالم على القيادة العالمية، إذ بمثل هذه السيناريوهات المرعبة، ومنها مثلاً سيناريو انتشار وباء كورونا، يمكن اكتساب شرعية عالمية للقيادة. كيف؟
عبر اظهار القدرات والمهارات في مسائل السيطرة على عدو خفي كوباء الكورونا مثلاً، تتبعها طرح حلول لكيفية وضع حد لهذا الوباء، ثم أخيراً طرح العلاج الفاعل الناجع. وبهذا التدرج في الخطوات يسلّم العالم كله بقدرات واستحقاق هذا الذي يسيطر ويوجّه ويعرقل مسيرة كورونا – إن صح التعبير – بل ويطرح علاجاً فعالاً.. وهل يبحث العالم الآن عن شيء غير المصل المضاد لهذا المرض؟
فكيف وصل الحال بالشعوب ألا يكون لها مطلب حيوي الآن سوى علاج حاسم لهذا المرض؟ وكيف اختفت كثير من القضايا والمطالب الأخرى لدى ملايين البشر؟ إنه دون أدنى شك بفعل الزخم الإعلامي المستمر، والذي ما زال يزداد زخماً وتأثيراً، وفي الوقت نفسه، تخويفاً للعالمين.
خلاصة ما أريد الوصول إليه، أننا اليوم ونحن نعيش ثورة معلوماتية هائلة، تصاحبها ثورة في تقنيات الاتصال والتواصل وسهولة الوصول إلى الحقائق، لا يجب أن نرهن عقولنا لوسائل إعلام هذا وذاك. إذ يكفي أن تعلم أنه لا وجود لوسيلة إعلامية محايدة في هذا الزمن، بل لكل وسيلة أجندتها الخاصة، أو بصورة وأخرى يتم استخدامها جسراً لتمرير رسائل وأجندات معينة، سواء لدول أو مؤسسات أو شركات.. على أنه مع ذلك، هناك تفاوت كبير بين وسيلة وأخرى في درجة المصداقية والثقة، وهذا ما يدفعنا إلى أن نستقبل ما تنتجه الآلة الإعلامية هنا وهناك بكثير من الحذر والتمعن، قبل التصديق وإعادة النشر وبناء الأمور على نتاج هذه الآلة الإعلامية أو تلك.
نحن لا نعيش زمن هتلر ومستشاره الإعلامي غوبلز، صاحب سياسة اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. كان هذا الأمر مقبولاً ومفهوماً في فترة من فترات التاريخ، حيث ندرة مصادر المعلومات. لكن الوضع اختلف اليوم، بل لابد أن يختلف.
ولهذا لا أقول باعتزال الإعلام، لكن أدعو أن يحاول كل منا بكل الطرق والوسائل، الاطلاع على عدة مصادر إعلامية من أجل أن تكتمل الصورة عنده.. وهي دعوة أيضاً للجميع للتأني والتريث مع ما تضخه وسائل الإعلام المختلفة.
حاول أن يكون لك تصورك الخاص ورؤيتك الخاصة لأي موضوع. اسمع وشاهد واقرأ من مصادر عدة، ثم احكم وقرر بنفسك، ولا تسلم عقلك لغيرك ينسج فيه ما يريد ويشاء، ويأخذ بيدك إلى مبتغاه هو وليس أنت.. فأنت اليوم صاحب القرار، فانظر ماذا ترى.

AM:07:45:31/03/2020