تعديل الدستور بين الواقع والمأمول
هيفاء راضي جعفر البياتي


لم تمنع تفشي جائحة فيروس كورونا في روسيا المسؤولون بالتوجه الى مراكز الاقتراع وهم يرتدون الكمامات وواقيات الوجه البلاستيكية الشفافة وبدلات بيض حيث صوت ملايين الروس في اليومين الماضيين بمراكز اقتراع لأستفتاء تعديل دستور كأكبر تعديل جزئيا منذ عام 1993  للكرملين، ومن أهم فقرات التعديل التي سيتضمنها الدستور الجديد تحديد فترة الرئاسة للشخص الواحد بدورتين رئاسيتين بدلا من دورتين متتاليتين,اي لا تحتسب الدورات السابقة لمن هو في الرئاسة الآن ،اطلق عليه  بـ  تصفير الدورات الرئاسية الماضية لبوتين،ومن خلال اقرار هذا التعديل سيسمح للرئيس بوتين بأن يُصفّر دوراته الرئاسية التي تنتهي في عام 2024 وأتاحة المجال له الاستمرار في السلطة لدورتين رئاسيتين أخريين,أي البقاء في السلطة حتى 2036 بأستفتاء شعبي.

رئاسة جزائرية

بينما الرئاسة الجزائرية قررت تأجيل إجراء إستفتاء تعديل الدستور بسبب جائحة كورونا اذ يعيش الشعب الجزائري تحت وطأة الحجر الصحي ، وبالتالي لا يمكن فتح نقاش حقيقي بشأن مسودة الدستور حفاظا على صحة المواطنين وسلامتهم , وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد شكل لجنة في 8 يناير 2020 بهدف اقتراح وصياغة تعديلات على الدستور الجزائري لعام 2016 يرأسها أحمد لعرابة سياسي جزائري اختصاص في القانوني الدولي, كإجراء إصلاحات سياسية شاملة تعهد به الرئيس استجابة لمطالب الحراك الشعبي، الذي انطلق في شهر شباط من العام الماضي لعرضه للمشاورات العامة مع الطبقة السياسية ومناقشة البرلمان، على أن يطرح بعد ذلك للاستفتاء الشعبي.ومن أهم المقترحات التي طرحتها لجنة الخبراء في مسودة  الدستور بعد أشهر من العمل هي عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين وحددت المسودة عهدتين برلمانيتين متاليتين فقط للنواب.واقترحت الوثيقة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء دون وزير العدل والنائب العام، واستبدال المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية، ومنحها صلاحيات اضافية لم تكن سابقا. كما اقترحت الوثيق إمكانية مشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة، وحتى السماح للرئيس بالتدخل عسكريا خارج الحدود بعد موافقة البرلمان, وألغت مسودة  التعديل قاعدة الاستثمار 49\51 بالمئة، التي تمنع المستثمر الأجنبي من امتلاك أكثر من 49 بالمئة من أي مشروع في الجزائر.

تعديل دستور

و كانت المطالبات الشعبية في العراق بضرورة تعديل الدستور قد سبقت روسيا والجزائر منذ سنوات طويلة الا انها للاسف لم تر النور, لحين أقرار مجلس النواب العراقي أجراءات تعديلا دستورية من خلال تشكيل لجنة تعديل الدستور التي تشكلت بأمر برلماني ضمّت 18 نائباً في الثامن والعشرين من تشرين الأول لعام 2019كأستجابة حسنة لغضب المتظاهرين الذين طالبوا بإجراء تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي العراقي، من بينها تعديل الدستور.وياتي هذا القرار انسجاما مع  المادة 142 من دستور جمهورية العراق النافذ لسنة 2005 حيث اقرت تعديل الدستور من خلال تشكيل مجلس النواب لجنة من أعضائه ممثلة للمكونات الرئيسة للشعب العراقي مهمتها تقديم توصية بتعديلات ضرورية تعرض على أعضاء مجلس النواب دفعة واحدة للتصويت عليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس, وتعرض على الشعب العراقي بأستفتاء عام وتعد ناجحة بشرطين، الاول موافقة ثلثي المصوتين من الشعب العراقي، والثاني عدم رفض تلك التعديلات من ثلثي ثلاثة محافظات فاكثر.وكانت اللجنة المشكلة قد منحت أربعة أشهر من أجل تقديم توصياتها إلى مجلس النواب الذي يمتلك حق إحالة التعديلات التي يقتنع بها على الاستفتاء الشعبي وعقدت اجتماعات متكررة، والتقت بأساتذة متخصصين في القانون الدستوري، للتباحث معهم  في النصوص التي المراد تعديلها لكن هذه اللجنة واجهت خلافات حادة وتقاطعات كبيرة في وجهات النظر منعت التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الجدلية اهمها إمكانية تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، وحقوق الأقاليم والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وإربيل ، ولم تتمكن  اللجنة من الاتفاق على أي تعديل يمكن عرضه على الشعب. وتمضي الاشهر ولم نسمع عن نتائج تذكر للجنة تعديل الدستور وكان يبدو الهدف من تشكيلها كان هو فقط لأمتصاص غضب المتظاهرين. ولا خلاف  بجمود الدستور العراقي النافذ لعام 2005وهناك صعوبات لكن هذا لا يعني عدم القدرة على تعديله وان كانت اجراءات تعديله معقدة تتطلب العديد من الاجراءات الصعبة التي اشرنا اليها اعلاه وفقا للمادة 126 من الدستور  .

وسيبقى تعديل الدستور حلم يترقبه الشعب العراقي لأصلاح النظام السياسي,الا أن التقدم والاصلاح يكون مستحيل مع اصحاب القرار المتمسكون بأفكارهم وطروحاتهم التي تخدم مصالحهم الفئوية والحزبية , ونأمل  يكون حلم الامس امل اليوم وقد يكون غدا حقيقة ان شاء الله.

{ تدريسية في كلية الطب – جامعة النهرين



AM:07:04:07/07/2020