د. فرج فودة ورد الاعتبار لأفكاره
إقبال بركة


أتمنى لو أعيد طبع كتاب «الإرهاب» للدكتور فرج فودة (دار مصر الجديدة للنشر والتوزيع) عشرات المرات، بل لو وزعت وزارة التعليم نسخة مجانية منه على تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية. قرأت الكتاب بعد أن أهدانيه مؤلفه، وقت صدوره عام 1988، وقد شرفنى الكاتب الراحل بإهداء أعتز به كثيرا ولآخر يوم فى حياتى.

وعدت لقراءته بمناسبة ذكرى رحيل الفقيد الغالى فاكتشفت أننا مازلنا مثل الثور مغمض العينين، نلف وندور ونتحدث ونكتب ونناقش ونختلف أو نتفق حول نفس الأمور..! كأنما عجلة الزمن لا تدور، والأيام لا تتعاقب!، ما زلنا محلك سر نناقش ونختلف حول نفس القضايا..! وأتخيل لو لم تندفع يد التعصب الأعمى للبطش بذلك الكاتب العظيم، ولو لم تحرمنا من نفحات أفكاره وتلقى بنا إلى غياهب الظلام المرعب، فكيف سيكون حالنا اليوم لو كان على قيد الحياة يرشدنا ويوجه سفينة الوطن إلى العقل الرشيد والفكر السديد. كان الدكتور فودة يمتلك شجاعة نادرة فى مواجهة خصومه، وكأنه كان يأمل أن يواجهوه رأيا برأى وحجة بحجة فتثرى حياتنا الفكرية، ولكنهم للأسف ردوا عليه بالرصاص وبدلا من النقاش الحر آثروا الغدر والجريمة.

يقول فى مقدمة الكتاب وكأنه يتنبأ:

«وضعت نفسى بكتابته (الكتاب) فى فوهة المدفع..»

وكأنه يقصد كل كتبه السابقة «قبل السقوط» و«الحقيقة الغائبة» و«حوار حول العلمانية» و«الطائفية إلى أين 1987».

وقد سبق نشر هذا الكتاب عدة محاولات اغتيال قامت بها الجماعات المتطرفة لمن كانوا يخالفوهم فى الرأى، لذلك انتقد د. فودة صمت الإعلام عن تلك الجرائم كأنما يبرره أو يشجع عليه!

وهو ينتقد تصنيف بعض الكتاب إلى «إرهاب مستنكر» و«إرهاب مستحب» فكل إرهاب فى نظره كئيب ومستنكر، سواء كانت ضحاياه من الأعداء أو الأصدقاء، ويرى أن الشائعات أصبحت سمة أساسية لا تقل خطرا عن البندقية فى كل الأحيان ويعطى مثلا ما أشيع عقب محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن أبو باشا من أنه رمى بالمصحف على الأرض ثم داسه بالأقدام..! والغريب أن يصدق الكثيرون هذه الفرية وبعضهم من ذوى التعليم العالى..! وقد عانى د. فودة شخصيا عندما رشح نفسه فى إحدى دوائر الانتخابات، ووزع خصومه منشورات تنسب إليه عبارات تضعه فى خانة الكفر والإلحاد، واضطر للرد عليها بمنشورات تكذبها، معلنا عن جائزة خمسمائة جنيه لمن يجد حرفا مما نشر فى المنشور فى أى كتاب له. وطبعا لم يرد عليه أحد!

ومن رأى د فودة أن الشائعات لا يمكن أن تكون من صنع خيال أفراد بل لابد أن تكون من صنع أجهزة متمرسة، والدليل على ذلك أن معظم الحوادث الإرهابية سبقتها حملة شائعات. ويكشف أن جرائم الاعتداء على أملاك الدولة ووضع اليد على حدائق القاهرة وبناء المساجد فيها وصب أعمدة الخرسانة فى ترع الرى الرئيسية وبناء المساجد عليها ارتكبها المتأسلمون بسبب إهمال السلطة للقانون وتهاونها فى مواجهتهم.

وردا على من ينادون بالدولة الإسلامية يقول د. فودة فى كتابه إن الله ترك شؤون السياسة والحكم لاجتهاد المسلمين لعلمه، وهو العليم، أن العصور تتغير وأن الأزمنة تتوالى، وأن أنظمة الحكم تتغير مع هذا كله.

والدستور المصرى لم ينص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولكنه نص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وهناك فرق بين الشريعة ومبادئها.

لقد كانت لدى د. فرج فودة الشجاعة لأن ينتقد موقف الدولة من الإرهاب ويتهمها بأنها تسببت فى تجميد وتحييد وعزل الشعب ووضعه فى موقف المتفرج، ويقترح ثلاثة سبل للحل فى المدى القصير وهى أن تتسع ساحة الديمقراطية للجميع، وسيادة القانون، وتحرير الإعلام.

اليوم وبعد اغتيال ذلك المفكر الكبير وتحقق مخاوفه من الجماعات الإرهابية، ألا يجوز إعادة الاعتبار لفكره ومناقشته بهدوء والرد عليه دون تعصب أو تشنج..؟

-almasryalyoum
AM:04:43:30/08/2020