نقل تقرير صادر أخيراً عن «معهد رويترز لدراسة الصحافة» أن استخدام «روبوتات الدردشة» مصدراً للأخبار يشهد نمواً متسارعاً، وإن كان لا يزال محدوداً، مقارنة بالوسائل التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار تساؤلات حول دقة المعلومات، ومدى تأثير هذا الاتجاه على مُنشئي الأخبار الأصليين.
التقرير الصادر في منتصف يونيو (حزيران) الحالي، ذكر أن «تشات جي بي تي» جاء أكثرَ روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي استخداماً بوصفه مصدراً للأخبار، يليه «جيميناي»، ثم روبوت شركة «ميتا»، بينما جاء كل من «مايكروسوفت كوبايلوت»، و«كلود»، و«بيربليكسي»، و«سنابشات إيه آي» في مراتب لاحقة.
ورغم إشارة التقرير إلى نمو متسارع في اعتماد الجمهور على «روبوتات الدردشة» المعززة بالذكاء الاصطناعي بوصفها مصدراً للأخبار، فإنه لفت أيضاً إلى أنه عند التحقق من صحة المعلومات، فإن الجمهور لا يثق بالذكاء الاصطناعي كلياً.
محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، قال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه، إن هذا التطور «يطرح كثيراً من التساؤلات، تأتي في مقدمتها دقة الأخبار». وأردف أنه «من حيث دقة المعلومات، تبدو الصورة معقدة، فدراسات عدة أبرزها من مركز (Tow Center) للدراسات الصحافية في جامعة كولومبيا أشارت إلى أن أكثر من 60 في المائة من إجابات روبوتات الدردشة تتضمن اقتباسات غير دقيقة أو غير صحيحة... والأسوأ من ذلك أنها غالباً ما ترفض الاعتراف بجهلها، وتُقدم إجابات واثقة حتى في المواضيع التي لا تمتلك عنها معرفة كافية». هذا النوع من الأخطاء يُعرف في أوساط التقنية بـ«هلوسة الذكاء الاصطناعي»، حسب توصيف السويعي، وهي تعني إنتاج معلومات خاطئة تُنتج بثقة، ما يجعل القارئ العادي عُرضة للتضليل.
واستشهد السويعي بتقرير يعود إلى «BBC» كان قد تحدث عن أن نصف التلخيصات التي تنتجها هذه الروبوتات تتضمن أخطاء جوهرية، ما يجعل استخدامها محفوفاً بالمخاطر، إن لم يصاحبه تدقيق بشري لصحة المعلومات.
وعدَّ الباحث السعودي الكلام عن قدرة هذه الأدوات على لعب دور «الصحافي» أو «المحرر»، ما هو إلا «مبالغة»، وأوضح: «صحيح أن مؤسسات إعلامية بدأت توظيف الذكاء الاصطناعي في إنتاج مسودات أولية لتقارير الاقتصاد والرياضة وخلافها، ولكن التحرير النهائي لا يزال حتى الآن من اختصاص الصحافي البشري. فالإبداع، والتحليل، والتعاطف، وفهم السياق الثقافي والسياسي، كلها عناصر لا تزال بعيدة عن قدرات الآلة».
وأخيراً يرى السويعي أنه رغم النمو المتسارع في استخدام روبوتات الدردشة «يبقى الصحافي البشري هو من يذهب إلى الميدان، يسأل، ويتحقق، ويقرأ بين السطور، ويكتب ما يعرفه، لا ما يُتوقع منه أن يردده».
من جانبه أكد رامي المليجي، خبير الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي بـ«الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر، أن تعاطي «روبوتات الدردشة» مع الأخبار دون قواعد إعلامية واضحة، كما هو الآن، لا يمكن أن يحولها إلى مصادر موثوقة للحصول على الأخبار، وتابع: «روبوتات الدردشة لا تزال تفتقر إلى المصداقية والموضوعية والدقة، في حين أنه في علوم الإعلام، يكتسب الخبر قوته كلما صدر من مؤسسة موثوقة لدى الجمهور».
وأضاف أن «لدى القارئ العادي القدرة على تقييم توجهات المؤسسات من حيث المعارضة أو التأييد، بينما تفتقر روبوتات الذكاء الاصطناعي إلى هذا الحدس، ومن ثم لا يمكن أن تتحول إلى مصدر دقيق للأخبار دون تدخل بشري».
ويقول المليجي إن «جيل زد وجيل ألفا هما الأكثر ميلاً للحصول على الأخبار من الذكاء الاصطناعي رغم المخاطر، وهي ملاحظة دعمها تقرير (رويترز)». ويشرح بأن «الأجيال السابقة اعتادت التعامل مع الإنترنت منذ بداياته، وتعرضت لكثير من التضليل والمعلومات الزائفة، ما رسخ لديها مبدأ الشك والتحقق الدائم وهذا ما يفتقر له جيل ألفا».
وحسب المليجي، فإن هذا التوجه ينطوي على مخاطر كبيرة، ويستدعي درجة عالية من الوعي؛ خصوصاً أن مصادر تغذية الذكاء الاصطناعي بالأخبار ليست دائماً متوازنة أو حيادية. وهذا الأمر قد يؤدي إلى تأثيرات عميقة على أفكار ومعتقدات وتوجهات الأجيال الجديدة، إذا لم يُرافق استخدام هذه الأدوات بحس نقدي وتحليل موضوعي للمعلومات.
المصدر/ الشرق الاوسط