قمة الإعلام العربي 2025: المستقبل بين الحقيقة المحاصرة وخوارزميات لا تشم رائحة الإسبريسو!



في قمة الإعلام العربي 2025 بدبي، نخبة من كبار صناعة الإعلام والمبدعين في الوطن العربي اجتمعوا برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي، لتبادل الآراء والخبرات وفتح نقاش جاد حول مستقبل الإعلام كمؤثر رئيسي في المجتمعات، في ظل التحديات الضخمة التي تواجهه.  

نحو ثمانية آلاف إعلامي -بحسب اللجنة المنظمة- شاركوا في 175 جلسة رئيسة، وما يزيد على 35 ورشة عمل متخصصة قدمتها كبرى المؤسسات الإعلامية والمنصات الرقمية العالمية، على مدار أيام القمة الثلاث.  

فيما يلي، تنقل شبكة الصحفيين الدوليين أهم ما جاء في قمة الإعلام العربي. 

الإجابة: إنسان! 

الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي تحدثت في كلمتها عن دور الإعلام في عصر الخوارزميّات، مؤكدة أن الاعلام غير مطالب بأن ينافس المؤثرين في صراع الترند، بل يُنتظر منه أن يصافح العصر الرقمي من جهة ويحافظ على أصالة القيم من جهة أخرى، وعليه أداء دوره في تفسير الحقائق وترجمة المفاهيم بما يعيد الإنسان إلى قلب المشهد، راويًا واعيًا مسؤولاً يمتاز بالشفافية والأصالة والانفتاح، بعيدًا عن تأجيج الانقسامات. 

وأضافت أنه علينا أن نتذكر دائمًا أننا نحن من يمنح الخوارزميات الحياة ويضع لها الضوابط والمعايير، فنحن أصحاب العقول ونحن المبتكرون ونحن من يحدد الهدف ويوجه المسار، وأنه حان الوقت لنستعيد زمام الأمور لنكون نحن من يقودها لا العكس.  

بينما طرحت منى المرّي، نائب الرئيس لمجلس دبي للإعلام، ورئيسة نادي دبي للصحافة، ورئيسة اللجنة التنظيمية لقمة الإعلام العربي في كلمتها ما تراه السؤال الأهم في العصر الحالي وهو: من يحمي الحقيقة في ظل السباق الكبير بين تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنامي قدرة الخوارزميات على خلق المحتوى المضلل وصناعة السرديات الزائفة؟ 

وأضافت المري أنه في زمن تختلط فيه الحقائق بالروايات وتتصارع فيه المنصات على العقول، يصبح الإعلام ليس مجرد مهنة بل أمانة تفرض علينا أن نحمي العقل العربي من الاختطاف والصوت العربي من التشويه، وأن نحافظ على الحقيقة حية، مشيرة إلى أنه ليس مطلوبًا من الإعلام أن يجامل أو يروج بل أن يوازن ويفكر ويطرح ويناقش بوعي واحترام للعقول. 

دعونا نعود للفوضى الجميلة! 
في جلسة صحافة الذكاء الاصطناعي، عرض ميشيل ماسينري محرر التكنولوجيا ونمط الحياة في صحيفة "إل فوليو" الإيطالية تجربة "Folio AI" قائلاً: "نحن صحيفة يومية صغيرة معروفة برأيها الثقافي الجريء تأسست عام 1996، لا يتجاوز توزيعنا 10 آلاف نسخة لكن قراءنا من الوزراء إلى الفلاسفة، ومن الأكاديميين إلى المصممين، إلى كبار المحامين. بدأت فكرة "FAI" منذ عام عندما قررنا نشر عدة مقالات مكتوبة بالذكاء الاصطناعي ضمن محتوى الصحيفة اليومي، دون أن نعلن ذلك كتجربة لمدة أسبوع فقط.  ثم سألنا قراءنا عما إذا كانوا يستطيعون استخراج مقال مُنتَج بالذكاء الاصطناعي؟، ووضعنا جائزة "اشتراك مجاني" لمن يخمن بشكل صحيح". 

وأضاف: كان السؤال مستفزًا، لعبة صغيرة من جانبنا، وأيضًا تجربة جدية في إدراك القارئ. بعض القراء اكتشفوا الأمر، والبعض الآخر اتهم أرقى كتابنا البشريين بأنهم روبوتات! 

ثم لاحقًا، قررنا أن نطرح الأسئلة، حتى الصعبة منها، وندع الروبوت يجيب، وبالفعل قمنا بذلك ومن هنا وُلد "Folio AI"، وهو ملحق يومي مطبوع من 4 صفحات مكتوب بالكامل بالذكاء الاصطناعي المدعوم بأرشيف الصحيفة الممتد لـ30 عامًا، تحت إشراف المحررين البشريين. 

"ماسينري" شرح كيف قامت إدارة الصحيفة بهيكلة ملحق الذكاء الاصطناعي: 

الصفحة الأولى: أخبار وتعليقات قصيرة، الصفحة الثانية: تغطية ثقافية، الصفحة الثالثة: مقالات رأي ونقاشات تفاعلية، والصفحة الرابعة: سياسة واقتصاد ورسائل من القراء. 

وأشار إلى أنهم قاموا بتدريب الذكاء الاصطناعي على الكتابة بأساليبهم المختلفة، وكانت النتائج متباينة: حيث كانت ممتازة في كتابة مقالات الرأي باستخدام مطالبات طويلة، وفي تلخيص الخُطب السياسية الطويلة واختراع رسائل بين شخصيات عامة، وكتابة مراجعات نقدية لاذعة! 

لكن لم يخلو أداء (AI) من الهلوسة والاقتباس بدون توثيق واختراع بعض الاستعارات. إحدى المقالات قارنت قانون الانتخابات الإيطالي بسياسة استرجاع المنتجات في إيكيا، وأخرى اقتبست تغريدة من إيلون ماسك في مقال عن ميكيافيلي! 

محرر الصحيفة الإيطالية استعرض النتائج التي حققتها تجربة "Folio AI" قائلاً: لنكن صادقين. لم نهدف إلى رفع عدد النقرات أو تحسين الإحصاءات. بل أردنا أن نطرح أسئلة، ونختبر حدود الصحافة. لن نستمر في نشر الملحق يوميًا - كان ذلك جميلًا لكنه مرهق - بل سنعود إليه أسبوعيًا، كل يوم ثلاثاء، كملحق مخصص للذكاء الاصطناعي والثقافة الرقمية العالمية. 

ومع ذلك، الأرقام تتحدث: 

زيادة بنسبة 60% في مبيعات العدد الأول من"Folio AI". 
قراؤنا كتبوا لنا، جادلونا، وحاولوا التفوق على الآلة. 
جمهورنا توسّع خارج إيطاليا: من نيويورك إلى بيروت إلى برلين. 
كل هذا بدون إنفاق يورو واحد على حملات إعلانية. 

وتحدث العالم عن مشروعنا في: نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأميركية ولوموند الفرنسية وفرانكفورت العامة الألمانية والجزيرة القطرية. أحد العناوين كتب: "صحيفة إيطالية صغيرة قامت بما خاف الجميع من تجربته". 

محرر صحيفة "إل فوليو" الإيطالية أجاب في الجلسة عن بعض الأسئلة: 

هل وفر عليكم AI الوقت؟ 

أبدًا. تحرير المقالات التي أنتجها الروبوت أخذ أحيانًا وقتًا أطول من كتابتها بأنفسنا. لكننا خلقنا لحظة حوار عام حقيقي. 

هل جعلتم القارئ يعيد التفكير في مفاهيم مثل: 

ماذا يعني أن "تكتب"؟، أن "تحرر"؟، أن "تبدع"؟، أن "تنشر"؟ 

نعم فعلنا. لم نستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع أو تقليل التكلفة، بل استخدمناه لنكشف الحقيقة، لنعرف ما يستطيع فعله، وما يعجز عنه. 

لأن الذكاء الاصطناعي رغم قوته، لا يستطيع تفجير قصة صحفية، لا يلاحق مصدرًا عند منتصف الليل، لا يخلق سيناريو من العدم، لا يكسب ثقة مصدر متردد، لا يكتب تقريرًا تفوح منه رائحة الغبار والإسبريسو، ولا يستطيع فهم التناقض، ولا يمكنه إنتاج شيء أصلي حقًا، لأن الأصالة ليست "ناتجًا"، بل موقف من العالم. 

واختتم حديثه بتقديم عدة نصائح: 

في المستقبل، حين تتاح الأدوات والنماذج نفسها للجميع، لن تكون التكنولوجيا هي الفارق، بل ستكون الرؤية التحريرية، التأويل الشخصي، والجرأة في قول ما لا يمكن لغيرك قوله هي الفارق. 
الذكاء الاصطناعي لا يجادل، والصحافة الحقيقية هي فوضى. نعم، فوضى جميلة. نقاشات، صمت ثقيل، خلافات مستمرة، هذا هو المكان الذي تولد فيه الصحافة الحقيقية. 
ابدأ من الرؤية التحريرية. التكنولوجيا يجب أن تخدمها لا أن تحل محلها. 
كن شفافًا مع القارئ. حتى في المراحل الفوضوية من العمل. 
لا تخف من النقص. العيوب تخلق الفضول، وتثير الحوار. 
الذكاء الاصطناعي لا يخلق هوية، بل يكشفها. إن كانت لديك رؤية قوية، يمكن أن يعزّزها. نحن نستخدمه اليوم في تفريغ المقابلات، تلخيص الوثائق، صياغة عناوين أولية، أو مقدّمات تقريبية، لكن الحُكم الأخير يبقى بشريًا. 
صورة في المنتدى صحافة النظارات المجانية! 

في جلسة عن مستقبل الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة "ميتا" تحدثت "مون باز" مدير الشراكات العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا في شركة ميتا عن أن الذكاء الاصطناعي والميتافيرس هما مستقبل التكنولوجيا، وأن هدف الشركة والمفتاح الأساسي للنجاح هو بناء منظومة متكاملة متاحة مجانًا للجميع، يكون فيها المستخدمون والمبدعون والمطورون والشركات جزءًا فاعلًا، مشيرة إلى الابتكارات التي أطلقتها "ميتا" في هذا الاتجاه: 

الواقع المختلط 
عبر تقديم تجارب تتجاوز الواقع اليومي، بدمج العالم المادي مع الواقع المختلط. أطلقنا مؤخرًا نظارة Meta Quest 3S، ومن خلالها يمكنكم: حضور الاجتماعات، وممارسة الرياضة، وحضور الحفلات، والتواصل مع الآخرين في عوالم افتراضية، من خلال منصة (Horizon). 

الذكاء الاصطناعي (Meta AI) المدعوم بنموذج (LLaMA) 
يمكن للجميع الآن الوصول إليه عبر التطبيق المستقل (Meta AI App)، أو الموقع Meta.AI، أو عبر تطبيقات ميتا مثل: واتساب، إنستجرام (في الرسائل)، وفيسبوك ماسنجر. 

حاليًا، يستخدم حوالي 700 مليون شخص (Meta AI) شهريًا، ونتوقع أن نتجاوز مليار مستخدم بنهاية العام. 

ويمكن استخدامه يوميًا في: كتابة الرسائل أو السكربتات، وتنظيم المهام اليومية، وإنشاء صور عبر التخيّل (prompt-to-image)، وترجمة الفيديو ومزامنة الشفاه، وقريبًا يتاح إنشاء مقاطع فيديو عبر ميزة (MovieGen). 

النظارات الذكية القابلة للارتداء (Meta AI Glasses) 
أطلقنا مؤخرًا نظارات (Ray-Ban Meta AI) في الإمارات، وهي متاحة الآن عبر كل المتاجر الكبرى بمميزات أهمها: أنها مدعومة بالكامل بـ(Meta AI)، وتتفاعل مع الأوامر الصوتية، ومتوافقة مع Spotify والتطبيقات الأخرى، بالإضافة إلى أنها تستطيع ترجمة النصوص، مسح رموز QR، الاتصال بالأرقام، وحتى إعطاء نصائح مباشرة. 

هناك أيضًا نظارات (Orion) وهي نموذج أولي متطور للغاية، يعمل بتقنية الواقع المعزز AR، وتمتاز بأنها أخف من 100 جرام، بدون أسلاك، ولا تحتاج لهيدسيت خارجي، وتهدف لتوفير كل ما تحتاجه من مكالمات، ألعاب، اجتماعات، وترفيه في نظارات صغيرة جدًا، بالإضافة للقيام بعدة مهام في وقت واحد، مما يجعلها مستقبل التكنولوجيا القابلة للارتداء. 

لا تكن نعامة! 
الإعلامي البريطاني بيرس مورغان تحدث في جلسة حوارية أدارتها مينا العريبي، رئيسة تحرير "ذا ناشيونال" قائلاً: 

نحن في حقبة نحتاج فيها إلى الأخبار لتقديم الحقائق. 
كونك لا تستطيع التعبير عن وجهة نظرك بشكل كامل لأنه قد يقودك للسجن هو أمر سخيف، حرية التعبير يجب أن تكون متاحة والحقائق يجب أن تكون مقدسة، يجب أن نبني أي نقاش على أساس حقيقة صحيحة ثم بعد ذلك يمكننا أن نقدم رأيا. 
صحيح أن قنوات التواصل الاجتماعي فتحت باب الحرية للجميع ليقولوا ما يشاؤون، ولكن في المقابل خلقت مشكلة حقيقة وهي الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وهو تحد كبير لوسائل الإعلام. 
بدون الصحفي المُدَرب المتعلم الذي يمحص الحقائق يصبح تدفق المعلومات للجمهور سيئًا جدًا، مثلما يحدث في تيك توك الذي تحول لإدمان مليء بالأخبار الزائفة.   
لدي 4 أبناء كلهم في العشرينات. هناك تغير فيما يشاهدونه أعتقد أنه بعد 10 سنوات سيكون هناك توجه قليل من التلفاز.  يوتيوب هو القوة المهيمنة وكل من هم دون سن 35 يستهلكون المحتوى على قنوات التواصل.  
مستقبل الإعلام. أقول للجميع تابعوا ما تفعلون إما أن تضع رأسك في الرمل وتقول لا أرى ما يحدث أو تنظر الى ما يقوم به الآخرون وتلاحق التطوير. 


المصدر/ شبكة الصحفيين الدوليين



PM:01:52:03/07/2025




24 عدد قراءة