تصاعد المخاطر على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين واختتام الاستعراض الدوري الشامل في الأمم المتحدة



بعد استكمال جمهورية إيران الإسلامية مرحلتها الأخيرة من عملية الاستعراض الدوري الشامل للأمم المتحدة في 01 يوليو/تموز 2025، يعرب مركز الخليج لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء المخاطر المتصاعدة التي يواجهها المدافعون  والمدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيون في إيران. مع اشتداد الصراع، وقصف سجن إيفين في مدينة طهران، أدت التطورات الأخيرة إلى مزيدٍ من التدهور في أنماط القمع الطويلة الأمد ضد المجتمع المدني.

كما أفاد مركز الخليج لحقوق الإنسان في المداخلة الشفوية التي ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد رفضت إيران جميع التوصيات المقدمة من الدول بالالتزام بالصكوك القانونية الدولية، وجميع التوصيات الداعية إلى الحد من استخدام عقوبة الإعدام أو إلغائها وكذلك جميع التوصيات التي طالبت بالإفراج عن المتظاهرين. فضلاً عن ذلك، رُفضت جميع التوصيات تقريباً المتعلقة بحرية التعبير وحرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات. لقد دعا مركز الخليج لحقوق الإنسان في بيانه، السلطات الإيرانية إلى مراجعة التوصيات العديدة التي تم رفضها.

قدم مركز الخليج لحقوق الإنسان وسيفيكاس تقريراً مشتركاًً بشأن إيران إلى الاستعراض الدوري الشامل، حيث نحلل فيه مدى احترام إيران للحق في حرية تكوين الجمعيات والتعبير والتجمع السلمي والقيود غير المبررة  المفروضة على المدافعين عن حقوق الإنسان وذلك منذ فحصها السابق من قبل الاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. لقد جاء في التقرير، "إننا نشعر بقلقٍ عميق إزاء سوء الاستخدام الممنهج لنظام العدالة الجنائية لمعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحتجين، والانتقام منهم، بما في ذلك من خلال استخدام عقوبة الإعدام لمعاقبة وردع العمل السلمي في مجال حقوق الإنسان. كما نشعر بالجزع إزاء تجريم الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، الذي يتسم بالاستهداف المنهجي وسجن المدافعات عن حقوق الإنسان في دوراتٍ متكررة من الملاحقات الجنائية، بما في ذلك من خلال تقديم تهم إضافية مستمرة ضد المدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي يقضين بالفعل أحكاماً بالسجن لفترات طويلة، انتقاماً من أنشطتهن السلمية في مجال حقوق الإنسان.”

إن من بين الحالات الرمزية تبرز قضية نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، حيث يجسد سجنها المتكرر الاستهداف المستمر على يد السلطات الإيرانية للمدافعات عن حقوق الإنسان. حصلت محمدي على إجازة طبية من سجن إيفين، بعد تدهور صحتها نتيجة حرمانها من الرعاية الطبية، لكنها لا تزال معرضة لخطر إعادتها إلى السجن. بالرغم من الاستنكار الدولي، لا تزال تواجه معاملة قاسية بسبب دعوتها السلمية ضد التعذيب والحبس الانفرادي. كانت قد أفرج عنها مؤقتاً بتاريخ 04 ديسمبر/كانون الأول 2024 بإجازة طبية، إلا أن السلطات ضغطت عليها للعودة إلى السجن. رفضت محمدي العودة إلى سجن إيفين في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، عند انتهاء الإيقاف المؤقت، ومرة أخرى في فبراير/شباط 2025.  

بالإضافة إلى ذلك، أثارت تفجيرات سجن إيفين يومي 20 و23 يونيو/حزيران 2025 في سياق هجوم إسرائيل على إيران مخاوف ملحة على سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المعتقلين، بسبب احتمال وفاتهم أو إصابتهم. لقد وثق مركز الخليج لحقوق الإنسان استخدام سجن إيفين منذ فترة طويلة لسجن النشطاء السلميين والمحامين والصحفيين، مما يجعل هذه الهجمات مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة لمجتمع حقوق الإنسان.  

يُدين مركز الخليج لحقوق الإنسان بشدة أي استهداف لسجن إيفين، حيث يُحتجز المئات من سجناء الرأي، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان، الصحفيون، وناشطو الإنترنت.

بحسب السلطة القضائية الإيرانية، أسفرت الغارة الجوية الإسرائيلية على سجن إيفين في 23 يونيو/حزيران 2025 عن مقتل 71 شخصا، وقد وقعت قبل وقف إطلاق النار مباشرة، عقب تحذير إسرائيلي. نتيجة لذلك، أثار الهجوم إدانة دولية شديدة لاستهدافه منشأة مدنية. بحسب ما ورد تسبب هذا الهجوم في أضرارٍ جسيمة لجناح النساء، والجناح 8، ومكتب المدعي العام، والمستوصف، مما أدى إلى إصابة سجناء، من بينهم نساء وأطفالهن (يتم احتجاز الأطفال دون سن الثانية مع أمهاتهم).

نشرت نرجس محمدي على منصة إكس ما يلي، "وفقاً للتقارير، يتم نقل السجناء إلى السجون في جميع أنحاء طهران مما يثير خوف و قلق العائلات. عندما يتم نقل السجناء في هذه الظروف، نفقد القدرة على الوصول إلى معلومات دقيقة عنهم.” كما نشرت صوراً للدمار في سجن إيفين (الصورة الرئيسية).

عقوبة الإعدام للمدافعين عن حقوق الإنسان

جاء هذا الهجوم في سياق العنف المستمر والقمع القضائي الذي يستهدف المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام الممنهج لعقوبة الإعدام. في فبراير/شباط 2025، وقع مركز الخليج لحقوق الإنسان والعديد من منظمات المجتمع المدني  بياناً مشتركاً بدأته فيمينا، يدعو إلى العدالة لكلٍ من باخشان عزيزي ووريشة مرادي  وغيرهم من السجناء الذين يواجهون الإعدام لمشاركتهم في حركة الاحتجاج من أجل حقوق المرأة. لقد حكم على مجاهد (عباس) كوركوري ومهدي حسني، و بهروز إحساني، الذين اعتقلوا خلال انتفاضة "المرأة والحياة والحرية”، جميعاً بالإعدام. ندد البيان المشترك بإعدام السجناء السياسيين كوسيلة لإسكات المعارضة، خاصة بين الناشطين الأكراد والأقليات. لايزال استخدام عقوبة الإعدام في إيران، لاسيما في غياب ضمانات المحاكمة العادلة، يشكل مصدر قلق بالغ. كان مركز الخليج لحقوق الإنسان قد أصدر تقريراً سابقا عن هذه الحالات في عام 2024، داعيا إلى المساءلة والشفافية في النظام القضائي الإيراني.

إن من بين قضايا عقوبة الإعدام المثيرة للقلق التي سبق أن أوردها مركز الخليج لحقوق الإنسان قضية المدافعة عن حقوق المرأة باخشان عزيزي، وهي عاملة إنسانية كردية ومدافعة عن حقوق الإنسان. تم اعتقالها في 04 أغسطس/آب 2023، وحُكم عليها لاحقاً بالإعدام على يد الفرع 26 من محكمة طهران الثورية في يوليو/تموز 2024، بتهمة "التمرد المسلح” و”العضوية في جماعات المعارضة”، على الرغم من التزامها الاجتماعي السلمي الموثق مع اللاجئين في سوريا. تميزت محاكمتها بانتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية بما في ذلك الاعترافات القسرية تحت التعذيب، والحرمان من المشورة القانونية والزيارات العائلية، وانعدام الشفافية في الإجراءات. في يناير/كانون الثاني 2025، أيدت المحكمة العليا الإيرانية حكم الإعدام، متجاهلة دفوع خبراء الأمم المتحدة بأن قضيتها لم تستوف عتبة "أخطر الجرائم” المطلوبة لعقوبة الإعدام بموجب القانون الدولي. لا تزال عزيزي في جناح النساء بسجن إيفين، وتخضع للحبس الانفرادي، مع تقييد الوصول إلى المحامين والأسرة، وتهم عقابية جديدة.

كما حكم القضاء الإيراني على وريشة مرادي، هي سجينة سياسية كردية ومدافعة عن حقوق الإنسان، بالإعدام بتهم ٍٍمشابهة تتعلق بالانتماء إلى جماعات مسلحة معارضة للحكومة. لا تزال قضيتها قيد الاستئناف.

في ذات السياق، صدر حكم بالإعدام مجدداً بحق شريفة محمدي في 13 فبراير/شباط 2025، وذلك بعد أن ألغت المحكمة العليا حكم الإعدام الأول الصادر بحقها في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وأمرت بإعادة محاكمتها. ذكرت حملة الدفاع عن محمدي أن حكم الإعدام الصادر بحقها صدر على أساس انتمائها إلى منظمة عمالية قبل أكثر من عقد، لكنه كان في الواقع انتقاماً لنشاطها العمالي السلمي. لقد اعُتقلت في 05 ديسمبر/كانون الأول 2023 بمدينة رشت، ولا تزال محتجزةً هناك. احتجت جماعات حقوق الإنسان على محاكمتها الصورية وزعمت أنها تعرضت للتعذيب وأجبرت على الإدلاء باعتراف.

لا تزال عمليات إعدامهم معلقة، إلا أن التقارير أفادت بأن التفجير استخدم كذريعة لإعدام سجناء آخرين بتهمة التجسس.

انقطاعات الإنترنت

بجانب ذلك، تواصل السلطات الإيرانية فرض إغلاقٍ واسع النطاق للإنترنت، لاسيما خلال فترات الاضطرابات أو التصعيد العسكري، في انتهاكٍ صارخ للحقوق الأساسية للفرد مثل حرية التعبير، والوصول إلى المعلومات، والحق في التجمع السلمي، وهي جميعها محمية بموجب القانون الدولي بما في ذلك المواد من 19 إلى 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. تُعيق هذه الانقطاعات بشدة قدرة المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيين على أداء مهامهم. في الواقع، فإنهم غير قادرين على الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان في الوقت الحقيقي، أو تنبيه الشركاء الدوليين، أو تنسيق المساعدة القانونية، أو حتى الحفاظ على الاتصال مع أسرهم أو شبكاتهم.

في يونيو/حزيران 2025، وثقت منظمة فيمينا كيف أدى التعتيم الذي تم فرضه أثناء وبعد قصف إيران الذي بدأ في 13 يونيو/حزيران 2025 إلى منع تدفق المعلومات المهمة. يُعيق قطع الإنترنت عمداً جهود التضامن، ويُخفي أفعال الدولة عن أعين التدقيق. كما أشارت منظمة فيمينا إلى أن قطع الإنترنت تزامن مباشرةً مع الضربات العسكرية، مما يُشير إلى أنه فُرض عمداً لإخفاء الانتهاكات المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، وثّقت منظمات المجتمع المدني أن السلطات الإيرانية تُعيد توجيه المستخدمين بشكل متكرر إلى شبكة المعلومات الوطنية، وهي شبكة داخلية خاضعة لرقابة مشددة، مما يؤدي فعلياً إلى قطع الوصول إلى المصادر العالمية ووسائل الإعلام المستقلة.

 لا يقتصر هذا التكتيك على تقييد الاتصالات فحسب، بل يُسهم أيضاً في صياغة رواية حكومية أحادية الجانب. إن تكلفة هذه الانقطاعات هائلة. بصرف النظر عن تأثيرها المدمر على الحريات المدنية، أظهرت الحوادث السابقة أنها تُعطّل الخدمات العامة والتعليم والرعاية الصحية والنشاط الاقتصادي. على سبيل المثال، تبلغ قيمة الأضرار الناجمة عن انقطاع الإنترنت في إيران حوالي 369 مليون دولار يومياً. بالتالي فإن هذه القيود المتعمدة والواسعة النطاق على الإنترنت تمثل شكلاً رقمياً من أشكال القمع، يستمر في إسكات المعارضة وتعريض حياة وعمل عدد لا يحصى من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين في إيران للخطر.

في الوقت الذي تستخدم فيه الحكومة الإيرانية القمع المادي والرقمي لتعزيز سلطتها، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان إلى إيلاء اهتمام دولي عاجل لوضع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيين في إيران. لا ينبغي السماح باستمرار الإفلات من العقاب على انتهاكات القانون الدولي، ويجب محاسبة السلطات الإيرانية.

حتى في أوقات الحرب، يظل القانون الدولي قابلاً للتطبيق بشكل شامل، لاسيما فيما يتعلق بحماية السجناء السياسيين. بصفتها دولة طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن إيران مُلزمة قانوناً باحترام حقوق جميع الأفراد المحرومين من حريتهم. يشمل ذلك الالتزام بالمادة 10التي تؤكد على وجوب معاملة جميع المعتقلين بإنسانية واحترام لكرامتهم الأصيلة، و المادة 7 التي تحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تحت أي ظرف من الظروف. يُعدّ عدم الالتزام بهذه الالتزامات خرقًا للقانون الدولي.

نظراً للتداعيات الخطيرة التي تواجه المجتمع المدني في أعقاب الحرب الأخيرة في إيران، تصبح الأعمال والجهود الدولية حاسمةً لضمان وفاء إيران بالتزاماتها بموجب القانون الدولي واحترام الحقوق الأساسية للفرد دون تمييز أو تأخير.

ما دام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يستكمل الاستعراض الدوري الشامل لإيران، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقادة العالم إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة عبر المطالبة بالإفراج غير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين وغيرهم من السجناء السياسيين. كما يحث المركز الأمم المتحدة وزعماء العالم على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية جميع المعتقلين المعرضين للخطر، وتوفير ضمانات ضد الاعتقالات والملاحقات القضائية التعسفية التي تتم دون الالتزام بالأحكام القانونية الإيرانية.

مع انتهاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من الاستعراض الدوري الشامل لإيران، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقادة العالم إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة للمطالبة بالإفراج غير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين وغيرهم من السجناء السياسيين. يحث مركز الخليج لحقوق الإنسان الأمم المتحدة وقادة العالم على اتخاذ إجراءات بالمطالبة بحماية جميع المعتقلين المعرضين للخطر، وتوفير ضمانات ضد الاعتقالات التعسفية والمحاكمات التي تُنفذ دون مراعاة الأحكام القانونية الإيرانية.

التوصيات

 بناءً على ما سبق، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات الإيرانية إلى:

١. الإفراج الفوري عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين وغيرهم من السجناء السياسيين، بما يتماشى مع الأحكام القانونية الإيرانية المعمول بها في أوقات الأزمات والمخاطر؛

٢. التعليق الفوري لعمليات إعدام جميع من يواجهون عقوبة الإعدام لمجرد ممارستهم حقوقهم في حرية التجمع والتعبير، مع إيلاء اهتمام خاص للقضايا المتعلقة بالمحتجزين الذين يفتقرون إلى ضمانات المحاكمة العادلة؛

٣. ضمان حصول جميع المعتقلين على حقوقهم الأساسية بشكل مستمر، بما في ذلك ظروف معيشية آمنة وصحية، وعلاج طبي مناسب لجميع المرضى أو المصابين، والغذاء والمياه النظيفة، والاستشارة القانونية، والتواصل المنتظم مع عائلاتهم ومحاميهم؛

٤. تقديم معلومات واضحة بشأن موقع جميع المعتقلين ووضعهم وحالتهم، بمن فيهم أولئك الذين نُقلوا أو نُقلوا وسط الحرب؛

٥. الامتناع عن قطع الإنترنت في أوقات الأزمات، والسماح بحرية الوصول إلى المصادر ووسائل الإعلام المستقلة.


المصدر/ GCHR



PM:12:03:08/07/2025




44 عدد قراءة