التفنيد الوقائي.. ماذا لو استبقنا انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة؟




تعدّ الأخبار والمعلومات التي يتعامل معها مدققو المعلومات محتويات "ساخنة" من المفترض أن يتم تدقيقها بشكل آني ومتواصل للعمل على الحد من انتشارها. 

في العالم العربي هناك العديد من المبادرات التي تعمل على تدقيق المعلومات ولكن في مقابل Debunking التحقق أو التدقيق الذي يتم بعد انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، هناك ممارسات أخرى تلجأ لها منصات تدقيق المعلومات تعرف بـ Pre-bunking أي "التفنيد الوقائي" نظرًا إلى أنه لا يتعامل مع المعلومات الخاطئة والمضللة بعد انتشارها بل قبل ذلك.

التفنيد الوقائي Pre-bunking هو ممارسة تهدف إلى استباق انتشار معلومات خاطئة أو مضللة حول موضوع ما. فبدل أن ننتظر انتشار هذا النوع من المعلومات ووصولها إلى عدد واسع من المستخدمين الذين يمكن أن يساهموا بدون قصد في انتشارها، يقوم مدققو المعلومات والحقائق بنشر مقالات توضح وتفسر وتقدم المعلومات الدقيقة والسليمة حول هذه المواضيع قبيل انتشار الحديث عنها. 

تكمن قيمة التفنيد الوقائي في أنه قد يكون أكثر نجاعة من التحقق التقليدي في الوقاية من انتشار المعلومات المجتزأة أو المحتويات القائمة على نظريات المؤامرة أو الحد من الثقة في مصادر لا تتوخى الدقة في تقديم المعلومات، خاصة أن تقارير التحقق قد لا تنتشر بالقدر الذي انتشرت به المعلومات الخاطئة والمضللة. كما أن التعرض القبلي للمعلومات الخاطئة والمضللة (ورقة علمية تستشهد بها  First Draft News في دليلها حول التفنيد الوقائي) قد يبقى في الأذهان أكثر من عمليات التحقق البعدية. نجاعة التفنيد الوقائي تجد إطارًا نظريًا لها في نظرية التحصين أو Inoculation Theory وهي نظرية تستعير تحصين الجسم ضد الأمراض بالتعرض إلى نسخ مخففة من الفيروس لتقوية مناعة الجسم لتطبيق ذلك على المواقف والقناعات لتحصينها من التلاعب والتأثير. وبذلك فإن التعرض للمعلومات الخاطئة والمضللة بجرعات مخففة مع معرفة الجوانب الصحيحة والدقيقة من المفترض أن يحصن المستخدمين من الوقوع في فخ هذه المعلومات عندما يتعرضون لها بعد انتشارها بالفعل. 

لذا يشبه الباحث من أفريكا تشيك كيغان ليتش في حديثه مع شبكة الصحفيين الدوليين التفنيد الوقائي بـ"اللقاح الذي يتم تلقيه ضد المعلومات الخاطئة". ويضيف أنه "مصطلح جذاب للتعبير عن فكرة شائعة وهي نشر معلومات دقيقة حول موضوع ما لاستباق المعلومات غير الدقيقة بدلًا من الرد عليها".

ويمكن أن يأخذ التفنيد الوقائي بحسب First Draft News ثلاثة أشكال:

العمل على ادعاء أو سرد كاذب محدد (من المتوقع أن ينتشر)،
شرح التكتيكات المستخدمة للتلاعب،
الإشارة إلى مصادر المعلومات السيئة.
التفنيد الوقائي أم التحقق البعدي.. أيهما نختار؟

ما هو الفرق بين التفنيد الوقائي والتحقق البعدي (ونقصد هنا ما تقوم به منصات تدقيق المعلومات من تحقق وتدقيق للمعلومات الخاطئة والمضللة بعد انتشارها)؟ بالنسبة إلى كيغان ليتش "يمنح التفنيد الوقائي الجمهور مزيدًا من المعلومات التي يمكن من خلالها اكتشاف الادعاءات الكاذبة وفضح زيفها (غالبًا قبل أن نعرف حتى بوجودها). هذا لا يساعد جمهورنا فقط على محاربة المعلومات الخاطئة بأنفسهم، بل يجعل عملنا أسهل، لأنه يبطئ أو يمنع انتشار الادعاءات الكاذبة. "أما المستوى الثاني فتكمن قيمة التفنيد الوقائي في "استثمار المدقق جهدًا في التحضير المسبق حول الموضوع  فيكون أكثر جاهزية للتعامل مع الادعاءات خلال عمليات التحقق اليومية".

ولكن للتفنيد الوقائي حدود من بينها أنه لن يكون بإمكان مدققي المعلومات أن يتنبأوا  بكل ادعاء كاذب أو كل مصدر جديد للمعلومات المضللة كما يشرح  كيغان ليتش. ولا يجب أن تكون جهود التفنيد الوقائي على حساب عمليات التحقق من المعلومات المنتشرة. أما بخصوص المهارات والأدوات فلا وجود لأدوات ومهارات خاصة مقارنة بالتحقق التقليدي. بحسب تجربة الباحث بأفريكا تشيك كيغان ليتش يتطلب التفنيد المسبق "عادةً قدرًا كبيرًا من البحث، والمقابلات مع الخبراء، والقدرة على شرح المفاهيم المعقدة بطرق مفهومة". كما يشارك معنا ليتش تجربة أفريكا تشيك في نشر جملة من ورقات الحقائق حول اعتماد اللقاحات المضادة لكوفيد-19 في البلدان التي تعمل فيها المنصة قبل أن يتم اعتماد هذه اللقاحات.

أي تفنيد وقائي في العالم العربي؟

عندما نتابع المحتويات التي تنتجها منصات التدقيق في العالم العربي نجد أن التفنيد الوقائي لا يسجل حضورًا قويًا فيها. مديرة الشبكة العربية لمدققي المعلومات سجى مرتضى تقول لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إن التفنيد الوقائي هو استراتيجية مهمة لمواجهة المعلومات الخاطئة والمضللة خاصة في العصر الرقمي وعصر الذكاء الاصطناعي. وتشير إلى أنّ "الاهتمام بالتفنيد الوقائي أصبح أكبر مؤخرًا في المنطقة العربية، مثل التقارير المعمقة حول المعلومات المضللة أو الاهتمام بالتربية الإعلامية التي تهدف إلى نشر الوعي".

ولكن يبقى حضور هذه المحتويات محدودًا ويستوجب كما تؤكد مرتضى "استدامة وتعاونًا أكبر بين كل الجهات المعنية بمحاربة المعلومات الخاطئة والمضللة مثل مؤسسات تدقيق المعلومات ووسائل الإعلام وحملات التربية الإعلامية ومنصات الميديا الاجتماعية والجهود الحكومية والجامعات والأبحاث حول اضطراب المعلومات وغيرها". كما تضيف  مرتضى أن "المهم ليس فقط الاشتغال على التربية الإعلامية ولكن أيضًا تطوير الحس النقدي لدى الناس وهو أمر يتم العمل عليه في العالم العربي وتدعمه الشبكة".

كيف يمكن أن ننتج تقارير التفنيد الوقائي؟

مثلما أشرنا سابقًا، يمكن أن يتعلق الأمر بادعاءات نتوقع أنها ستنتشر خاصة خلال الأزمات والفترات الانتخابية والانتقالية أو عند عدم توفر تدفق متواصل للمعلومات من مصادرها في سياقات لا يُعزز فيها النفاذ إلى المعلومات. كما يمكن أن يتعلق التفنيد الوقائي بكشف مصادر المعلومات غير الموثوقة، أو العكس تقديم المصادر التي من الأجدى الاعتماد عليها، أو العمل على تقديم أمثلة من المعلومات الخاطئة والمضللة والتكتيكات المعتمدة فيها أو توظيف التربية الإعلامية وغيرها.

يشارك معنا كيغان ليتش تجربة أفريكا تشيك في التحقق المسبق مبرزًا أنه لا توجد خطوات يجب اتباعها لإنتاج مثل هذه التقارير، ولكن هناك بعض النقاط التي يجب التركيز عليها:

تحديد موضوع من المحتمل أن يجذب ادعاءات كاذبة مثل موضوع غير مفهوم يصعب شرحه، أو يفتقر إلى معلومات يسهل الوصول إليها وتكون مفهومة مثل التطعيم أو التصويت في الانتخابات أو حتى الأساليب المستخدمة لنشر معلومات كاذبة.
تحديد كيف سيهتم الجمهور بهذه المحتويات مثل: ما الأسئلة التي يريدون الإجابة عليها؟ ما هي جوانب الموضوع التي من المرجح أن تؤثر على حياتهم؟ 
من الممكن إجراء مقابلات مع الخبراء حتى يتعرف عليهم المستخدمون ويمكنهم أن يبحثوا عنهم في حال تعرضوا إلى معلومات خاطئة أو مضللة. 
الترويج لمهارات أو أدوات معينة تسمح للجمهور بفضح الادعاءات الكاذبة بأنفسهم.
ليس هناك شكل محدد لتقرير التفنيد الوقائي فيمكن أن يكون مكتوبًا أو بودكاست أو فيديو.
وتستعرض First Draft News عشر نصائح لإنتاج هذه التقارير:

1-تحديد المعلومات التي يحتاجها الناس.

2-اختيار الأمثلة جيدًا.

3-تقديم الحقائق.

4-تهيئة الجمهور وتحذيره من المعلومات الخاطئة والمضللة.

5-إضافة التفاصيل.

6-فضح التكتيكات المستخدمة. 

7-تفسير كيف توصلنا إلى المعلومات التي جمعناها.

8-تبسيط المحتوى المقدم.

9-سهولة مشاركة المستخدمين لهذه المحتويات مع مجتمعاتهم.


10-البحث عن المستخدمين والنشر حيث يوجد المستخدمون.
















المصدر/ شبكة الصحفيين الدوليين 



PM:01:16:14/09/2023




168 عدد قراءة