كيف تستمر في بث الأخبار من خارج بلدك؟ صحفيون يشاركون تجاربهم




يواجه الصحفيون تحديات هائلة للقيام بعملهم، لكن أن تكون صحفيًا مقيمًا خارج بلدك، فإنّ الاستمرار في بث الأخبار حول ما يحدث في الداخل، ينطوي على الكثير من التحديات والمخاطر.

تحت شعار "نحو غد أفضل للإعلام" انعقد منتدى الإعلام والتنمية في العاصمة الفرنسية باريس من 11 إلى 13 يوليو/تموز 2023، بالتعاون مع عدد من الشركاء مثل منظمة أفريقيا تشيك المتخصصة في تدقيق المعلومات وشبكة أريج للصحافة الاستقصائية ومجموعة فرانس ميديا، بحضور 300 صحفي وناشط إعلامي من 45 دولة من أجل تبادل الممارسات والحلول ومناقشة التحديات والمستجدات في مواجهة القضايا المعاصرة.

ناقش المنتدى عدة موضوعات منها استخدام الذكاء الاصطناعي ومكافحة التضليل الإعلامي والتغيرات المناخية ودعم وسائل الإعلام في بلاد المهجر، حيث شارك ثلاثة صحفيين مقيمين في فرنسا في الوقت الراهن تجاربهم في البث الإعلامي من خارج بلدانهم والعقبات التي يواجهونها. كما تحدثوا عن الأدوات والأساليب التي اتبعوها للاستمرار في عملهم الصحفي بعدما اضطروا إلى ترك بلدانهم حفاظًا على حياتهم وسلامة أسرهم في بعض الأحيان.

وقالت كاثرين مونيه، صحفية في "مراسلون بلا حدود"، خلال الجلسة النقاشية: "أن يكون الصحفي مجبرًا على ترك بلاده فإنّ هذا لا يمنعه من أن يخبر المعلومات، ورغم ما يعترض ذلك من تحديات فإن هناك وسائل معتمدة لتخطي هذه التحديات". وأشارت إلى أنّ هناك تدفقًا كبيرًا من الصحفيين إلى بلاد المهجر من كل القارات، قائلة: "كل القارات تمسها هذه الآفة وبها مجتمعات غير مرحبة بالصحفيين".

من جهته، قال ماليك كوناتي، وهو صحفي من مالي هاجر إلى فرنسا حديثًا، ومؤسس قناة هورون تي في، وهي قناة إخبارية على الإنترنت "غادرت مالي بعدما تلقيت العديد من التهديدات بسبب عملي الصحفي، فعندما تقدم وجهة النظر المختلفة يعتقد الناس أن هذه المعلومات تم التلاعب بها وأنها أخبار مضللة وهو ما يعرضنا للتهديدات والاعتداءات، ووصل الأمر إلى انتشار منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض مكافأة مالية لمن يغتالني، وحين لم تبادر الشرطة من أجل حمايتي وصارت حياتي معرضة للخطر اضطررت للسفر إلى فرنسا".

لا يزال كوناتي يحافظ على علاقاته القوية بمصادره في مالي ويستخدم أدوات التحقق قبل أن يستعمل أي معلومة تصل إليه. ويقول: "أصبح الناس يتواصلون معي بشكل أكبر حين سافرت ويمدونني بوثائق سرية لأنهم يعرفون أنني أستطيع أن أنشر بحرية من الخارج وأكتب عن مواضيع لم أكن أستطيع التطرق لها بينما كنت لا أزال أقيم في مالي".

ومن التحديات التي قابلها كوناتي بعد رحيله كان تهديد زوجته بسبب ما ينشره مما اضطره لتأمين سفرها إلى فرنسا لتلحق به، كما يعمد إلى إخفاء هوية باقي أفراد عائلته وعدم نشر أي صور أو معلومات عنهم حتى لا تطالهم التهديدات.

في حين يتبع روه سافار، صحفي من إيران مقيم في فرنسا ومؤسس نشرة "الرسائل الفارسية"، أسلوبًا مختلفًا لبث الأخبار إذ يعتمد على شبكة من المراسلين في الداخل، قائلًا إنّه "من الصعب أن تحتفظ بعلاقات قوية مع مصادرك بعد مرور 15 عامًا على رحيلك".

كان سافار ناشطًا وصحفيًا حين كان لا يزال في إيران، ويقول إن كتاباته ساهمت فى اندلاع الثورة و"الحراك الأخضر" (احتجاجات ومظاهرات حدثت في إيران عام 2009) وهو ما عرضه للاعتقال عدة مرات إلى أن أدرك ضرورة مغادرة البلاد.

وقابل سافار تحديًا مختلفًا حين قدم إلى فرنسا؛ فلم يكن يتحدث اللغة الفرنسية حينها لكنه تعلمها حتى يستطيع أن يستمر في عمله قائلًا: "توجب علي بينما أنا في الخارج أن أنقل ما يحدث للعالم بينما يتعذر على زملائي في الداخل القيام بذلك، لكن مع الوقت بدأت أفقد تواصلي مع الميدان وأصبح من الصعب علي أن أتحقق مما يحدث في إيران بينما أنا في فرنسا، لذلك شكلت فريقًا من المراسلين من الداخل مع إخفاء هوياتهم حفاظًا على سلامتهم، وأسست نشرة صحفية بعنوان "الرسائل الفارسية" ورسمت نموذجًا اقتصاديًا يسمح لي بالاستقلال المادي، ورفعت شعار "لا أحد يستطيع شراءنا" وبدأ القراء يساعدوننا في التمويل حتى نحافظ على استقلالنا ولا ننشر آراء من يدفع لنا".

ويضيف أنه يستخدم أسلوب التحقق من المعلومات عبر الأدوات الخاصة بالتحقق من الصور والبيانات بالإضافة إلى تحليل ما يصل إليه من معلومات قبل نشرها. ويشير إلى أنّ "إخفاء هوية المصادر يخلق مشكلة ويصبح بالإمكان التشكيك في مصداقيتك لكنه الحل الوحيد المتاح أمامنا في الوقت الحالي للحفاظ على سلامة المصادر والمراسلين". ويتابع: "واجهتنا حالات اضطررنا فيها لترحيل أشخاص مع عائلاتهم خلال 24 ساعة بمجرد كشف هويتهم ولكنها ليست حالات متواترة بشكل كبير".

ويحرص بينيام سيمون، وهو مؤسس إذاعة إيرينا، وهي إذاعة إريترية مستقلة تبث من فرنسا منذ عام 2009، على ألا يعرف المراسلون المحليون المتعاون معهم هوية بعضهم البعض على سبيل الحماية وعلى سبيل التحقق أيضًا من المعلومات، إذ يلجأ إلى الحصول على المعلومة من أكثر من مراسل.

وأسس سيمون إذاعة إيرينا بعدما سافر من إريتريا إلى اليابان لحضور مؤتمر، وحذره زملاؤه من العودة حتى لا يتم اعتقاله، ثم سافر من اليابان إلى فرنسا.

ويضيف سيمون أنه كان من الصعب إقناع الصحفيين في الداخل بالتعاون معه لخوفهم على سلامة عائلاتهم "الوضع صعب فبمجرد التكهن والاشتباه تصبح حياتك معرضة للخطر ونحرص على طمأنتهم وإخفاء هوياتهم حتى نبعدهم عن دائرة الخطر". ويشير سيمون إلى أنه حصل في البداية على دعم مادي من "مراسلون بلا حدود" حتى استطاع مع مرور الوقت أن يحقق الاستقلال المادي للإذاعة.

ويمكننا أن نستشف من تجارب الصحفيين أنّ وسيلة الحماية الأولى هي إخفاء هوية الدائرة المحيطة بك والمتعاونين معك من الداخل حفاظًا على سلامتهم، وأنّ الاستعانة بأدوات التحقق وتعدد مصادر الحصول على المعلومة ضروري قبل النشر، وأنّ البحث عن مصادر متنوعة لتمويل وسيلتك الإعلامية يعدّ ضمانة لتحقيق الاستقلال.























المصدر/ شبكة الصحفيين الدوليين




AM:11:43:18/09/2023




124 عدد قراءة