في الوقت الذي تواجه فيه مهنة الصحافة لا سيما في مصر، الكثير من التحديات وتعاني الصحفيات من إقصاء وتمييز، قامت أسماء فتحي، وهي صحفية مستقلة متخصصة في تغطية قضايا النساء، وبالتعاون مع زميلاتها بإطلاق مبادرة "مؤنث سالم" التي أُسست لتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة للنساء الصحفيات.
في مقابلة لشبكة الصحفيين الدوليين مع أسماء، سألناها عن مبادرتها وما تسعى لتغييره والدعم الذي تقدمه للصحفيات، فلفتت إلى أنّ الفكرة بدأت من ملاحظة أولية حول وضع الصحفيات في المؤسسات الإعلامية المصرية، وهي أنه عندما يتم التفكير في استبعاد صحفيين أو تقليل عدد العاملين في أي جريدة، يتم استبعاد النساء، بشكل أولي، بعيدًا عن الكفاءة والخبرة، بالإضافة إلى ضعف الأجور، وقلة ترقيات الصحفيات النساء، مقارنةً بالصحفيين الرجال.
تروي أسماء أنها عانت من التمييز، مثل مئات الصحفيات العاملات، فقط لأنها امرأة، فهي أم لطفلين، وبعد كل ولادة طفل كانت تبدأ مشوارها الصحفي من جديد، ففي الحمل الأول حرمت من التعيين، فقط بسبب حملها، واستنتجت ذلك عندما رأت تكرار الأمر مع زميلات أخريات، أما في الحمل الثاني، فكانت على قائمة التسويات، وتم تسريحها من العمل، لأن ولادتها ستعطلها عن العمل، وكأنها تعاقب على دورها الإنجابي.
تقول أسماء عن بداية تدشين المبادرة: "كنت أتحدث مع صديقة عن هذا التمييز الذي يواجهني، واكتشفنا أن هذا أمر منتشر ومشترك، وبدأنا في التحدث إلى عدد أكبر من الصحفيات، وقررنا بدء المبادرة بتدشين حملة"، فبدأت أسماء الحملة بالحديث عن التمييز الذي تتعرض له النساء في المؤسسات الصحفية، وتزامن ذلك مع انتخابات نقابة الصحفيين في آذار/مارس 2022، وعندما سعت أسماء للتحدث مع الزملاء وبالأخص النساء المرشحات لمجلس نقابة الصحفيين، لمعرفة المزيد عن برامجهن وما سيدعمن به النساء، لم يكن هناك من يعتبر أن للصحفيات أي أزمة أو مشكلة مرتبطة بنوعهن الاجتماعي، وهذا ما جعلها تصر على إيصال أصوات زميلاتها من النساء، فلا يجب أن تعاني النساء من التمييز في عملهن بسبب جندرهن ودون أن يعي أحد بوجود مشكلة. وأضافت: "عندما بدأنا بالحديث عن مطالب الصحفيات، وجدنا مشاركة واسعة من الصحفيات العاملات، وكن يشاركن مواقف قوية وأسبابًا جوهرية لرفضهن من العمل الصحفي، ويتم سؤالهن أسئلة عن زواجهن، وإذا كنّ أمهات أم لا؟ بل إن هناك صحفية شاركت أنه تم سؤالها في مقابلة العمل إن كانت تنوي الزواج أم لا" تقول أسماء، وتستكمل أنه "أثناء العمل على الحملة اكتشفنا أنه يتم إقصاء الكثير من الصحفيات من العمل عقابًا على دورهن الأمومي، ومن هنا قررت مؤنث سالم توثيق معاناة النساء والحديث معهن وتصوير شهاداتهن، بالطريقة التي يفضلنها، يعني أن تروي صاحبات التجارب قصصهن لا أن يرويها أحد نيابة عنهن".
وأضافت: "شاركنا هذه الحملة على صفحات المبادرة على منصات التواصل الاجتماعي، وشاركنا مشاكلنا حتى تستمع إلينا المؤسسات، وبالتالي يتم الانتباه لهذه المشاكل ومحاولة حلها، ثم تلي هذه الحملة، حملة أخرى وهي "مش ذنبي إني أم" وفيها وثقنا أكثر من 40 شهادة للأمهات اللواتي يعاقبن في أماكن عملهن على أمومتهن، وبعد هذه الحملة قررنا أن نؤسس وحدة الدعم النفسي في المبادرة وتقوم بها الأخصائية النفسية الإكلينيكية هالة حماد، وفيها نقدم جلسات مجانية، غير محدودة للصحفيات اللواتي يعانين نفسيًا، أو من واجهت انتهاكًا في العمل، وتدريجيًا انتقلنا لدعم شريحة أكبر للنساء العاملات، لإيماننا أن معاناة النساء في بيئات العمل واحدة، ومن لا توفر الجلسات متطلباتها نقدم لها دعمًا لدى طبيب نفسي، ولكن بعدد محدود من الجلسات، لأن مبادرتنا فردية وليس لدينا أي تمويل من أي جهة، بل من مرتباتنا الشخصية، كما لا ينتهي الدعم النفسي عند هذا الحد، فتقدم المبادرة أيضًا ورشًا نفسية شهرية، للتعامل مع أمور متعددة، مثل الاحتراق الوظيفي، والتمييز، وغيرها من الأمور المرتبطة بالحياة المهنية".
بعد ذلك توالت الحملات التي توثق انتهاكات النساء وتنشر الوعي بالأزمات التي تواجهها الصحفيات على حد سواء، ومن هذه الحملات، حملة "أنا أم وناجحة في شغلي" لنثبت للعالم أن النساء قادرات على الموازنة بين العمل والدور الأمومي، وحملة "الأجر العادل حق" للمطالبة بالمساواة في الأجور، وحملة "بدون أجر" لأن هناك نساء يعملن بدون أجر، وحملة "أيوة أنا اتعنفت" وكان هدفها كسر الوصم لدائرة العنف، ووثقنا فيها الكثير من القصص المؤلمة، وتابعت أسماء: "خسرت الكثير من الصحفيات ترقياتهن أو تدرجهن الوظيفي بسبب أولادهن، كما أن هناك صحفيات أخفين حملهن في مكان العمل حتى الشهر السابع، لكي لا يتم فصلهن تعسفيًا، على اختلاف درجات الانتهاكات".
عندما تقرر المبادرة تدشين حملة، عادة ما يتم البحث في المشكلة بشكل جيد جدًا، ويتم رصد معلومات حولها على المستوى المحلي والعالمي، لمعرفة نسبة الصحفيات اللواتي يعانين منها، وأحيانًا يمكن أن تقوم المبادرة بدراسة حالة، ثم إطلاق حملات تخص هذه المشكلة، وتنقسم أجزاء الحملة لجزء للتوعية وآخر للتوثيق، كل ذلك يتم عن طريق الوحدة المعلوماتية للفريق، كذلك هناك وحدة دعم قانونية تضمّ ثلاث محاميات متطوعات، يقدمن استشارة قانونية للصحفيات، وهن متوفرات طوال الوقت، ويتم التعامل معهن بشكل مباشر، وقد دعمت هذه الوحدة الكثير من النساء العاملات، حسب ما تقول أسماء.
مثل الكثير من المبادرات، تهدف أسماء إلى تحويل المبادرة إلى مؤسسة، لكي يصبح لها شكل وإطار قانوني، يمكن أن يحدث أثرًا أكبر، وهن يعملن على ذلك بالفعل، وتذكر الصحفية المستقلة أن "الفترة الماضية كانت فترة لجمع فريق يعي ويؤمن بالأزمات التي تواجه النساء في العمل، وفي الفترة المقبلة سنعمل أكثر على تقديم دعم أكثر، على كافة المستويات، فشريحتنا المستهدفة تحتاج إلى الكثير من الدعم والعطاء".
وتؤكد أسماء أنّ ما تعانيه الصحفيات في بيئات العمل هو نتاج لانعكاس البيئات الذكورية الأبوية التي نعيش فيها، فدائمًا هناك تقييد وتمييز ضد النساء في حياتهن اليومية، والعمل جزء من هذا السياق ولا ينفصل عنه، كما تواجه الصحفيات الكثير من المشكلات، إضافة إلى ما ذكرته، مثل الابتزاز خاصة الإلكتروني منه، بالإضافة إلى التحرش وغيره من الاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى عدم قدرة الكثير من النساء تقرير مصير عملهن الصحفي، أو يكون لديهن حتى الحرية في الحركة، وتفاصيل أخرى تتعلق بهذا الأمر، لهذا حان الوقت للتصدي لكل هذه الممارسات، حسبما تقول أسماء.
إرشادات لتغطية قضايا النساء
نشارك هنا مجموعة من الإرشادات لتغطية قضايا النساء إعلاميًا بشكل مهني وفاعل:
تجنب التحيزات الجندرية والتأكد من أن التغطية لا تنطوي على صور نمطية تهمش النساء أو تحصرهن في أدوار معينة، واستخدم لغة محايدة وعادلة عند التحدث عن النساء، مع تجنب التعابير التي تعزز التمييز.
التركيز على القصص الإنسانية وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه النساء من خلال قصص فردية تعكس واقعهن اليومي ومشاكلهن، ومنح النساء الفرصة لسرد قصصهن بأنفسهن بدلاً من التحدث عنهن من منظور خارجي.
احترام الخصوصية وتجنب استخدام صور أو معلومات قد تضر بخصوصية النساء، خاصة عند التغطية في سياقات حساسة مثل العنف الأسري أو القضايا القانونية، والتأكد من موافقة المرأة على نشر تفاصيل قصتها.
التمثيل العادل والتنوع في عرض تجارب النساء والابتعاد عن تقديم صورة نمطية للمرأة، والحرص على تمثيل النساء من خلفيات مختلفة (عرقية، اقتصادية، اجتماعية).
تجنب التركيز على مظهر النساء الخارجي أو أسلوب حياتهن على حساب القضايا الجوهرية التي تواجههن.
استخدم التغطية الإعلامية كأداة لتعزيز حقوق المرأة والمساواة، مع التركيز على الإنجازات والمساهمات المهمة التي تقدمها النساء في مختلف المجالات.
إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه المرأة في الحصول على حقوقها الأساسية مثل التعليم، الصحة، والعمل.
الابتعاد عن الإثارة أو التضخيم عند التعامل مع قضايا مثل العنف ضد المرأة أو التحرش، واحرص على تقديم المعلومات بدقة وبدون إضفاء طابع درامي غير ضروري.
التغطية الدقيقة تعزز الوعي بالقضايا بدلاً من إلحاق الضرر بالضحايا أو تقليل أهمية القضية.
التعاون مع منظمات المرأة والتشاور مع منظمات المجتمع المدني للحصول على معلومات دقيقة وفهم أعمق لقضايا النساء.
استخدم الموارد المتاحة من قبل المنظمات المختصة لتقديم تقارير تستند إلى بيانات ومعلومات موثوقة.
تسليط الضوء على الحلول، والمبادرات الإيجابية التي تسعى لمعالجة التحديات التي تواجه النساء، وتقديم تقارير عن السياسات، القوانين، والمشاريع التي تهدف إلى تحسين أوضاع المرأة.
الاستمرار في متابعة التغطية القضايا التي تعمل عليها، للتأكد من استمرار النقاش العام حولها وتحقيق تقدم ملموس، التغطية المتواصلة تزيد من الوعي والضغط لتحقيق التغيير.
الاطلاع الدائم حول القضايا النسوية والاتجاهات العالمية المتعلقة بحقوق المرأة، القراءة المستمرة والتفاعل مع المبادرات المختلفة سيعزز من جودة التغطية الإعلامية.
المصدر/ شبكة الصحفيين الدوليين