بغداد - محمد التميمي
يحتفل العالم في الثالث من أيّار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة، كتذكير للحكومات بضرورة احترامها لحرية الصحافة. كما نصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحافيين.
وعلى الرغم من التحسن الطفيف الذي أظهره مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، الذي يصدر بهذه المناسبة إلا أن واقع الصحافة في العراق لا يزال يعكس تحديات حقيقية.
موقع العراق عالمياً
وفقاً لتقرير "مراسلون بلا حدود”، احتل العراق المرتبة 155 على المستوى العالمي في مؤشر حرية الصحافة، ما يعد تقدماً بسيطاً مقارنة بالسنوات الماضية
بينما يجد صحافيون ومختصون، ان هذا التقدم لا يخفف من الحقيقة المرة التي تواجهها الصحافة العراقية من تهديدات جسيمة، وعنف متزايد ضد الصحفيين، وغياب التشريعات التي تضمن حماية حريات الإعلام، وسط كم كبير من الانتهاكات ليبقى بذلك بيئة غير آمنة للعمل الصحفي.
ترتيب متدنٍ وبيئة طاردة
في هذا الصدد، أكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في بيان ورد لـ"طريق الشعب"، أن واقع حرية الصحافة في العالم يشهد تدهوراً غير مسبوق، مشيراً إلى أن العراق احتل المرتبة 155 في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود” لعام 2025، مسجلاً بذلك تقدماً نسبياً مقارنة بترتيبه في العامين السابقين (169 في 2024 و172 في 2023).
وأضاف المركز، أن العراق لا يزال من بين أكثر الدول تسجيلاً لحالات قتل الصحفيين، إذ بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا فيه خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من 340، من أصل 2660 صحفياً، قُتلوا عالمياً في الفترة ذاتها، ما يعكس بيئة خطرة على العمل الإعلامي.
وأوضح، أن هذا التراجع في حرية الصحافة، سواء على الصعيد المحلي أم العالمي، يعود إلى عدة أسباب أبرزها: الرقابة الحكومية، القوانين المقيدة، غياب الاستقلالية في المؤسسات الإعلامية، تصاعد الانتهاكات ضد الصحفيين، والخشية من الملاحقة القانونية أو التهديد.
ودعا البيان الحكومة ومجلس النواب والمؤسسات ذات العلاقة إلى الإسراع في تشريع قانون "حق الحصول على المعلومة” بوصفه أداة رئيسة لضمان حرية الوصول إلى المعلومات، بما يسهم في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. كما شدد على ضرورة إقرار قانون شامل لحماية الحريات الصحفية وتوفير بيئة قانونية وآمنة للصحفيين.
واختتم المركز بيانه بمطالبة الجهات الأمنية والقضائية بتعزيز إجراءات الحماية للصحفيين، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، وإنهاء الإفلات من العقاب، فضلاً عن مراجعة التشريعات الحالية بما ينسجم مع الدستور العراقي والمعايير الدولية لحرية التعبير.
تقدم شكلي
وقال الصحافي منتظر ناصر، انه على الرغم من تقدم العراق في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، إلا أن هذا التقدم يبقى شكلياً وغير ذي أهمية حقيقية؛ فالعراق احتل المرتبة 155 عالمياً، متقدماً فقط 14 مرتبة عن العام الماضي، حين كان في المرتبة 169.
واضاف ناصر، ان "هذا يعني أن 154 دولة تتفوق عليه في مجال حرية الصحافة، وهو ما يؤشر واقعا مقلقا ويعكس وجود تحديات جسيمة لا تزال تعترض طريق الصحافة الحرة في البلاد".
وتابع قائلاً لـ"طريق الشعب"، انه "برغم الخطاب الرسمي المتفائل الذي يتحدث عن تعددية إعلامية وحرية تعبير، إلا أن الواقع مختلف تماماً، فهذه الحريات قد تكون متوفرة إعلامياً للأحزاب المتحالفة مع السلطة أو الداعمة للحكومة، لكن الإعلام المستقل يواجه بيئة شديدة الخطورة".
ومن أبرز التحديات التي تعترض الصحفيين في العراق بحسب ناصر تتمثل في "انعدام الأمان الشخصي، إذ دفع كثيرون حياتهم ثمناً لتمسكهم بالحقيقة ودفاعهم عن الكلمة، وآخرون اضطروا إلى مغادرة وظائفهم، أو ترك منازلهم ومناطقهم، بل وحتى الهجرة خارج البلاد، بسبب مواقفهم الصحفية".
ونوه بأن الحديث عن ان العراق "لا يضم سجين رأي واحد" لا يعكس الواقع بدقة. قد لا يكون هناك سجناء رأي بالمعنى القانوني المباشر، لكن هناك لاجئين ومهاجرين وصحفيين فقدوا أرواحهم بسبب الكلمة الحرة.
وزاد بان "الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن حرية التعبير ليسوا من ضحايا الإرهاب فقط، بل أيضاً ضحايا جماعات سياسية مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بأحزاب السلطة. كما حدث مع انتفاضة تشرين".
وشدد ناصر على ان "حرية التعبير في العراق ما زالت تواجه تحديات تشريعية خطرة، إذ لا يزال البلد خاضعاً لقوانين موروثة من الحقبة الشمولية للنظام السابق، وهي قوانين صيغت لقمع المعارضين وتقييد الحريات".
واكد ان المثير للاستغراب هو أن "القوى السياسية التي كانت ضحية لتلك القوانين، أصبحت اليوم متمسكة بها، بل وتستخدمها لقمع معارضيها. لقد تحوّل الضحايا السابقون إلى جلادين، في مشهد يعكس عقلية السلطة التي تتكرر مع كل دورة حكم جديدة".
وخلص الى ان هذه المنظومة السياسية الحاكمة "لم تسعَ لتغيير القوانين الاستبدادية، بل استغلتها كأدوات لترهيب المعارضين وإسكات المنتقدين، الأمر الذي يكشف عن خلل بنيوي في التعامل مع حرية الصحافة، ويضع العراق في دائرة الدول التي تُدار فيها حرية التعبير ضمن معادلات السلطة، لا مبادئ الديمقراطية".
بيئة خانقة مستمرة
من جهته، عبّر الخبير القانوني د. سيف السعدي عن تشاؤمه إزاء واقع حرية الصحافة في العراق، مشيرًا إلى أن ما يُطرح من شعارات حول حرية التعبير وتأسيس صحافة حرة ليس أكثر من "خطاب للاستهلاك المحلي”، سواء من قبل الحكومة أو القوى السياسية وحتى النقابات والاتحادات الصحفية.
واستذكر في حديثه لـ "طريق الشعب"، الأعداد الكبيرة من الصحفيين الذين سقطوا دفاعًا عن الكلمة الحرة، سواء خلال حقبة تنظيم "داعش”، أو في مواجهات مع القاعدة، أو بسبب تهديدات الاطراف المسلحة لبعض قوى السلطة، مؤكدًا أن "هذا الواقع لم يتغير كثيرًا في ظرفنا الراهن".
وفي الشق التشريعي، حذر السعدي من "مشاريع قوانين تهدف إلى تقييد حرية التعبير، خصوصاً مشروع قانون (حق الحصول على المعلومة) الذي يناقشه البرلمان". وقال إنه لا يمنح الصحفيين حق الوصول إلى المعلومات الحيوية مثل المعلومات الأمنية أو الاقتصادية أو التجارية، مضيفًا انه "إذا ما تم تمرير هذا القانون، فسيشكل انتكاسة لحرية التعبير”.
وعن دور الطبقة السياسية، قال السعدي إنه "لا يمكن الوثوق بها، فهذه الطبقة لا توفر الحماية إلا لمن يساندها ويمجّدها، أما من ينتقد أو يحاول تصحيح المسار الديمقراطي أو فضح الفساد، فسيواجه عوائق وتهديدات مباشرة".
واختتم الخبير القانوني حديثه بالقول: إن "البيئة الصحفية في العراق غير صالحة للعمل، إذ إن هامش الحرية المتاح للكتابة محدود للغاية، في حين أن الصحافة الحرة من المفترض أن تملك الحق في نقد النصوص والمؤسسات والاداء والحديث عن الفساد، من أجل تصحيح المسار العام".
حرية مشروطة بالخوف
الى ذلك، قال الصحفي عامر مؤيد انه "بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، لا يمكننا الادعاء بوجود حرية صحفية حقيقية في العراق".
وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الصحافة في العراق ليست سوى انعكاس لصراع المال السياسي والنفوذ، حيث يُواجَه كل من يتناول ملفات فساد أو يسلط الضوء على مشاريع تابعة لجهات متنفذة، بسلسلة من التهديدات والاعتداءات".
وتابع قائلاً "نشهد باستمرار حالات اعتداء على الصحفيين خلال أدائهم لواجبهم المهني أو خارجه، فضلاً عن الملاحقات القضائية التي تُستخدم كأداة ترهيب ممنهجة".
ونوه الى انه "في ظل غياب قانون يضمن حرية التعبير وحق الحصول على المعلومة، واستمرار سطوة السلاح، تبقى حرية الصحافة محدودة للغاية، ولا يمكن اعتبار العراق بلداً يحظى بحرية صحفية فعلية".