التحرش ليس دعوة إلى فنجان قهوة




مناهل السهوي - كاتبة وصحفية سورية

بمعزل عن النقاش القانوني بشأن براءة الناشر هاشم من تهمة التحرش، إلّا أن ما جاء في الحكم ليس تفصيلاً عابراً، بل هو يكشف ويسلط الضوء على الآلية القانونية للتعامل مع ضحايا التحرش، والأحكام الثقافية التي تفرض نفسها على النساء..
بعد نحو تسعة أشهر على دعوى التحرش التي رفعتها الشاعرة المصرية آلاء حسانين ضد الناشر المصري محمد هاشم صاحب "دار ميريت”، حصل هاشم على البراءة. 

آلاء التي تعرضت لهجوم واسع بعد إعلانها عن تعرضها للتحرش من قبل الناشر المعروف شعرت بالصدمة والخيبة جراء إعلان البراءة، لكن الأخطر في سياق البراءة القضائية هو ما جاء في حيثيات الحكم نفسه وهي حيثيات تثبت كم أن معركة مواجهة النساء في مجتمعاتنا للتحرش والتنمر  هي معركة ثقافية أخلاقية تكرّس موقفاً جاهزاً من النساء مؤطرا بقوانين وتقاليد قاسية.

محمد هاشم – آلاء حسانين
في حكم المحكمة، استخدم القاضي عمل الشاعرة في مجال الكتابة والإبداع ليكون مدخلاً لادانتها، إذ يقول الحكم، "حيث أن المحكمة تنوه إلى أن الشاكية تمارس تأليف القصص وكتابة الشعر ومن مهاراتها الفذة معرفة رائحة احتراق الحشيش المخدر ومن ضمن هواياتها التحدث مع آخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك متخذة من المقاهي العامة مكاناً لمقابلتهم…” 

بمعزل عن النقاش القانوني بشأن براءة الناشر هاشم، إلّا أن ما جاء في الحكم ليس تفصيلاً عابراً، بل هو يكشف ويسلط الضوء على الآلية القانونية للتعامل مع ضحايا التحرش، والأحكام الذكورية التي تفرض نفسها على النساء، فهل الكتابة مبررٌ كافٍ للتقليل من صدق الضحية وهل كتابة الشعر تجعل آلاء كاذبة؟ هل فرص النساء والفتيات من الكاتبات والصحافيات والشاعرات أقل من غيرهن في الحصول على حقوقهن فقط لأنهن يكتبن؟ هل قدرة آلاء على كتابة ما مرت به وما تشعر به بسبب التحرش يجعلها أقل صدقاً؟ وهل لغتها اتهام؟ أو أنها مجرد قوالب أخلاقية تمنح حكم البراءة شرعية أكبر! 

يدفعنا هذا الحكم الأخلاقي إلى السؤال عن النهج الذي يتبعه القضاء، والأخلاق كما تراها المجتمعات البطريركية، وعن روحية القانون كضامن للحقوق والمساواة بين الناس؟ فمتى كان الجلوس في المقاهي العامة أو التواصل عبر "فايسبوك” بمثابة أفعال تقلل من صدق الضحية؟ ألا يجلس محمد هاشم في المقاهي ويتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ أليس العالم بأكمله اليوم على "فايسبوك”؟ وهو بالفعل ما أكده المحامي المصري إسماعيل شندي، الذي كرر أنه من غير الجائز ما ورد من إهانة بحق الكاتبة في حيثيات الحكم ولذلك تقدمت بشكوى ضد المستشار وما زالت في التحقيق.

ما جاء في الحكم ليس تفصيلاً عابراً، بل هو يكشف ويسلط الضوء على الآلية القانونية للتعامل مع ضحايا التحرش، والأحكام الذكورية التي تفرض نفسها على النساء، فهل الكتابة مبررٌ كافٍ للتقليل من صدق الضحية وهل كتابة الشعر تجعل آلاء كاذبة؟

الثورة كغطاء للمتحرشين
بدأت معركة آلاء منذ منشورها الأول على "فايسبوك”، لتبدأ المواجهة الأكبر مع بيئة ومحيط لا يختلف كثيرا في مقاربته عما كتبه القاضي في حيثيات حكمه.

بعد إعلان آلاء أنها تعرضت للتحرش، دافع كثيرون عن الناشر المعني مستندين الى صيته وسمعته في مجال الثقافة في مصر والعالم العربي، على اعتبار أن شخصية من هذا الوزن لا يمكن أن تُقدِم على فعل كالتحرش، وكان بين المدافعين أشخاص قدَّم لهم هاشم يد العون وحماهم في دار نشره خلال ثورة يناير. 

تطرح قضية آلاء سؤالاً أساسياً حول الشكل المتوقع اجتماعياً من المتحرش، تصرفاته، عمله، وحتى توجهاته السياسية، فهل يمكن أن يكون شخص كهذا متحرشاً؟

تتوقع المجتمعات الذكورية شكلاً واحداً للمتحرش، يمكن الاستدلال عليه بسهولة: مراهق، متدني التعليم، غير متدين، يشرب الكحول وبحساب بسيط يستبعد من دائرة التحرش الحاصلون على شهادات علمية عالية والمثقفون والمتدينون والثوّار. فهل السجل السياسي "المشرّف” والانتماء إلى الثورة ضمانات مسبقة للمتحرشين؟ هل من دعموا الثوّار وفدوهم بأرواحهم منزّهون عن الخطأ؟ كما لو أن الغطاء الثقافي والسياسي للمتحرش قد يحميه مهما كانت طبيعة أفعاله بينما يتم تجاهل ألم الضحية وصوتها، بكل بساطة. 

التحرش ليس قصّة واحدة
تروي آلاء أن تحرش هاشم بها أثناء زيارتها دار نشره بغية الحصول على بعض الكتب، في الوقت الذي كانت ابنته نائمة في الغرفة المجاورة، لم يخطر لآلاء أن يتحرش بها وابنته في الغرفة المجاورة، لكن هذا التفصيل دفع أصدقاء هاشم للتشكيك بروايتها والسخرية من ذكرها تفصيلاً كهذا، فكيف يتحرش بها وابنته نائمة في الغرفة المجاورة؟ لكن هل كانوا ليصدقوها لو لم تذكر حسانين هذا التفصيل؟

يسأل المشككون دوماً لماذا لم تهرب الضحية وبخاصة في وضع كوضع آلاء، هم يفتَرِضون بسؤالهم أن التحرش لحظة عابرة كدعوة إلى تناول الطعام أو شرب القهوة، تستطيع النساء الرفض أو القبول، ومع هذا يطلبون رداً سريعاً وعقلانياً متناسين أن الارتكاب في الأساس هو التحرش، لا رد فعل الضحية في تلك اللحظة. وبذلك يتم التغاضي عمّا قد تشعر به الضحية من آثار الصدمة التي تتمثل في صعوبة في التركيز، إضافة إلى الانفصال عن الواقع  والتوهان والإنكار، وعلى رغم هذا يطلبون من آلاء رداً سريعاً، سائلين لماذا انتظرت عاماً لتتحدث عما حصل معها؟ 

المحامية مها أبو بكر كانت تطوعت لرفع قضية بحق هاشم، تقول آلاء إنها خلال أشهر الانتظار بدت (المحامية) غير مهتمة بالقضية حقاً، ما دفعها إلى زيارة النيابة بين وقت وآخر لمتابعة قضيتها، ما تسبب بتخبط آلاء التي كانت تتابع الجلسات بمفردها.

أما يوم النطق بالحكم، فكان هاتف أبو بكر -التي لم تحضر- مغلقاً كما منع الأمن آلاء من الدخول إلى المحكمة، مدعياً أن المحامي وحده يستطيع الدخول وهذا لم يكن صحيحاً، وحين تمكنت من الدخول بعد قرابة الساعة والنصف كانت الجلسة انتهت وحصل محمد هاشم على البراءة!

كل هذا أشعر آلاء بنوع من التواطؤ ضد قضيتها كما تقول، وفي حال لم يكن فعلاً بدعم أو ضغط من أي جهة، فهو يشير بشكل مؤسف إلى مشكلة في المنظومة الحقوقية بما يخص قضايا النساء وعدم جدية الدفاع عنهن وحتى التلاعب بهن. فكيف يمكن أن تُمنَع الضحية من دخول المحكمة ومن يملك هذه السلطة لفعل ذلك؟

 آلاء لا تريد أن تصبح مجرد قصة أخرى، في وقت يبرئ القضاء المصري مغتصبي فتاة "الفيرمونت” ويحكم على فتيات "التيك توك” بعشر سنوات في السجن، نؤمن بحاجة الضحايا للدعم لأننا قد نغدو في مكانهن في أي لحظة. وعلى رغم وضع النساء المصريات الضبابي وافتقادهن للأمان، إلّا أن كل خطوة قامت وستقوم بها فتاة هي بلا شكّ جزء من طريق طويل لخلق بيئة أكثر أماناً لهن.

-daraj



PM:12:25:05/07/2021




440 عدد قراءة