دليل خطوة بخطوة.. كيف تصيغ استبيانًا وتستخدمه بعملك الصحفي؟




على الرغم من أنّ الاستبيانات تستخدم بالأساس في البحوث العلميّة أكثر من استخدامها في الصحافة، إلا أنّ تجارب عدة أثبتت أنّ صحافة الاستقصاء تستوعب هذا الأسلوب العلمي والبحثي.

يُعرّف الاستبيان بأنه البحث عن بيانات أولية وجمعها وفق منهجيّة موحدة من مجتمع محدد بناء على فرضية وأسئلة معينة، ثم تحليل تلك البيانات إحصائيًا وفق الأصول العلمية المتبعة.

من التعريف، نجد أنّ الاستبيانات وما توفره من أدوات قياس تعتمد الدقة والموضوعية والمنهج العلمي، يمكن أن تشكل جزءًا مهمًا من آليات العمل الصحفي، حيث أنّ البحث هو جوهر الصحافة الاستقصائية.

يوضح هذا المقال طرق صياغة الاستبيان من الألف للياء، وكيفية استخدامه في العمل الصحفي.

أولًا: الاستبيانات والصحافة

يمكن استخدام الاستبيانات صحفيًا كالآتي:

في التحقيقات الاستقصائية: وفق دليل "الصحافة الاستقصائية" الصادر عن معهد الجزيرة للإعلام، تعتبر المسوحات والاستبيانات واحدة من الطرق المعتمدة لدى الخبراء للتحقق من فرضية التحقيق.

 صحافة البيانات: يمكن الاعتماد على الاستبيانات في جمع بيانات عن الظواهر الاجتماعية القابلة للقياس. 

دعم التقارير الإخبارية: العديـد مـن وسـائل الإعلام الدولية تعتمد عليها لدعـم التقاريـر الاخباريـة بالمعلومات والبيانات، وتوجيه قـرارات التغطيـة الاخباريـة داخـل غرف الأخبار.

تطوير استراتيجيات المؤسسات: يمكن استخدامها أيضًا كأداة لتقييم أداء وسائل الإعلام، وقياس درجة اهتمام الرأي العام بالمحتوى، ما يساعد المؤسسات على تطوير استراتيجياتها وفق احتياجات الجمهور وتطلعاته.
ثانيًا: كيف تصيغ الاستبيان؟

صياغة أسئلة الاستبيان وإجاباته هي فن وعلم. وعلى أساسها تتحدد دقة البيانات ومدى فائدتها.

من الضروري وضع منهجية للاستبيان قبل صياغة الأسئلة والإجابات، وفق ثلاثة أمور: محاور التحقيق أو البحث، المعلومات المستهدفة، الجمهور المستهدف.

من الضروري أيضًا فهم أنواع أسئلة الاستبيان المختلفة، وكيفية عملها، حيث أن نوع السؤال وصياغته وخيارات الإجابة عنه، كلها أمور تؤثر على إجابات المستجيبين.

1- أنواع الأسئلة

هناك 23 نوعًا من الأسئلة التي يمكن استخدامها في الاستبيان. فيما يلي أكثرها شيوعًا:

نعم/لا: أبسط سؤال في الاستبيانات، ويستخدم عادةً في كافة أنواعه. عليك أن تسأل سؤالا، تنحصر إجابته بين خيارين: نعم و لا. 
متعدد الخيارات: في حال احتجت إجابات أكثر من الإجابة بنعم/لا، يمكنك إضافة أي عدد تريده من الإجابات، ويمكن للمستجيبين اختيار إجابة واحدة فقط على السؤال.

خانة اختيار: في حال لديك سؤال متعدد الخيارات مع عدة إجابات محتملة، وليس إجابة واحدة، على أن تطلب من المشارك تحديد خيار أو أكثر باستخدام مربعات الاختيار.

أسئلة ترتيبية: عندما يكون للردود المتوقعة على الأسئلة ترتيب واضح (مثل "الدخل من 0 إلى 25 ألف دولار، 26 ألف دولار- 40 ألف دولار، + 40 ألف دولار).

الأسئلة المنسدلة: تشبه سؤال الاختيار من متعدد حيث يمكن للمستجيبين اختيار خيار واحد فقط. لكن الفرق هنا، أنك ستحتاج إلى سرد الإجابات بترتيب محدد، مثلًا، لجمع البيانات الديموغرافية، مثل بلد الإقامة، نرتب الإجابات وفق الحروف الأبجدية.

أسئلة التصنيف: تتيح سرد عدد من الإجابات بحيث يمكن للمستجيبين إعادة ترتيبها جميعًا وفق ما يريدونه. وبهذه الطريقة، يمكنهم تقديم ملاحظات على كل إجابة. مثال: ما هي المشروبات المفضلة لديك بترتيب الأفضلية؟ حليب / ماء / عصير / قهوة / صودا / نبيذ.

أسئلة الفاصل الزمني:  تتيح لك إجراء تحليل متقدم والحصول على البيانات الأكثر دقة، مثل إيجاد المتوسطات واختبار الارتباطات. مثال: أذكر مدى رضائك وفق مقياس من 1-5، أو من "لا أوافق بشدة" إلى "أوافق بشدة" أو من "أبدًا" إلى "دائمًا".

مربع النص: بالنسبة للأسئلة التي تحتاج إجابة مطولة أو تعليقات مباشرة، أو بيانات شخصية مثل الأسماء، ستحتاج لتضمين فراغ حيث يمكن للمستجيب كتابة إجابته بنفسه.

2- نصائح لكتابة أسئلة جيدة

 لتحصل على إجابة صادقة وأكثر دقة وموضوعية، استخدم لغة بسيطة ومباشرة، وتجنب استخدام الكلمات الكبيرة والمعقدة أو التي يمكن أن يكون لها معانٍ متعددة. يجب أن يكون سؤالك قصيرًا وبسيطًا وواضحًا.

قسّم الأفكار الكبيرة إلى أسئلة متعددة، وأكثر واقعية، ولا تطلب شيئين في وقت واحد، يجب أن يتضمن كل سؤال شيئًا واحدًا فقط. السؤال "مزدوج الرأس" يربك المستجيبين ويؤثر على إجاباتهم. 

رتب الأسئلة وفق تسلسل منطقي وقسمها حسب موضوعات البحث، بحيث تساعد المستجيب علــى التركيز وعدم التشتت أثناء الإجابة. مع وضع الإشارات أو الملاحظات بحروف مختلفة أو تحت السطور.

تأكد من ترتيب الأسئلة هرميًا، ومراعاة تدرجها من الأسهل للأصعب، في البداية ضع أسئلة عامة ذات اهتمامات عامة يسهل الإجابة عنها. واترك الأسئلة التي تحتاج وقتًا للتفكير أو التي لا تحظى باهتمام عام، في النهاية.

اطرح أسئلة مغلقة، وتجنب استخدام الأسئلة المفتوحة بقدر الإمكان، لأنها تحتاج مزيدًا من الجهد والوقت للإجابة عنها. بشكل عام، يجب ألا نطرح أكثر من سؤالين مفتوحين لكل استبيان مع وضعهم في صفحة منفصلة في النهاية. فإذا انسحب المستجيب قبل الإجابة عن الأسئلة المفتوحة، لن نخسر إجاباته في الصفحات السابقة.

ضع أسئلة محايدة تحترم عقول الناس، فالأسئلة الموجهة أو التي يتسرب إليها رأيًا محددًا لتشجيع المستجيبين على الإجابة بطريقة معينة، يؤثر على الاستبيان بشكل سلبي، ويعطي معلومات لا تعبر عن الحقيقة.

لا تكرر أسئلتك ولا تستخدم نفس خيارات الإجابة. قد يؤدي ذلك إلى عدم استمرار المستجيبين.
3- نصائح لصياغة إجابات جيدة

استخدم التوزيع العشوائي للإجابات لتجنب التحيز. وضع الإجابة التي تريدها في أول القائمة، هو نوع من التحيز.
خيارات الإجابة أيضًا قد تكون مصدرًا محتملاً آخر للتحيز، لذا يجب وضع مجموعة متوازنة ومدروسة وشاملة من خيارات الإجابة، خلاف ذلك، فإنّ مصداقية الإجابات والبيانات في خطر.

يفضل ترك الإجابة اختيارية عن معظم أسئلة الاستبيان، قد لا يعرف المستجيبون إجابات جميع الأسئلة أو لا يشعرون بالراحة في الإجابة عنها، وإجبارهم على ذلك يزيد من احتمالية تجاهلهم للاستبيان أو اختيار الإجابة بشكل عشوائي.

لا تنس وضع خيار "أفضل عدم الإجابة". في بعض الأحيان، قد لا يرغب المستجيبون في الإدلاء بأنواع معينة من المعلومات المطلوبة.
تأكد من تغطية جميع خيارات الإجابة الممكنة.

وإذا لم تكن متأكدًا، قم بإجراء اختبار أولي قبل الإطلاق النهائي، استخدم خلاله "إجابة أخرى" كخيار. إذا اختار أكثر من 10٪ من المستجيبين التجريبيين الإجابة "أخرى"، فمن المحتمل أن الاستبيان يفتقد إلى الإجابة المعبرة عن قطاع معين. راجع النص "الآخر" الذي قدمه المجيبون وأضف الخيارات الجديدة الأكثر ذكرًا إلى القائمة.
4- نصائح عامة لاستبيان جيد
 

في مقدمة الاستبيان يجب توضيح الهدف منه، وطريقة الاستجابة عليه، مع بعض الإرشادات الخاصة بطرق الإجابة عن الأسئلة وعبارات الاستبيان.
 لا بد من إبلاغ المستجيبين أن معلوماتهم وبياناتهم سوف تستخدم في قصة صحفية. تجاهل ذلك يعد مخالفة مهنية جسيمة.
من المهم تضمين قسـم خـاص يحتـوي علـى الخصائص الديموغرافية والعامـة للمستجيبين مثـل العمـر، الجنـس، المستـوى التعليمـي، الإنفاق، الحالـة الاجتماعية، الحالـة العمليـة.. الـخ.
مفتاح أي استبيان أو مسح هو حجم العينة، فكلما كانت العينة أكبر، كلما كان خطأ العينة أصغر. 
 
يفضل أن يكون الاستبيان قصيرًا، معظم المسوحات الطويلة لا ينهيها المستجيب ويتركها في المنتصف. الاستبيان المثالي تكون مدة الإجابة عن أسئلته أقل من خمس دقائق. أي حوالي 15 سؤالا. حيث يستطيع المستجيب العادي إكمال حوالي 3 أسئلة متعددة الخيارات في الدقيقة.
 من المهم إجراء اختبار للاستبيان قبل توزيعه لتجنب الأخطاء. ارسل استبيانك إلى الزملاء والأصدقاء وغيرهم قبل التوزيع النهائي، لاكتشاف الأخطاء ومعالجتها.

بعد جمع الاستبيانات التي تم توزيعها على الإنترنت أو يدًا بيد، تبدأ مرحلة تفريغ البيانات ثم استخدام أساليب الإحصاء الوصفية والتي تعرض الاستجابات بشكل مبسط كالجداول التكرارية والمتوسطات والرسومات البيانية وغيرها.

بعد ذلك تأتي مرحلة التحقق من المعلومات المذكورة، بالطرق المعروفة.

وأخيرًا، تحليل البيانات، والإجابة عن أسئلة التحقيق من خلال البيانات التي تم جمعها.
ثانيًا: أدوات لتصميم الاستبيانات وتحليل نتائجه

 SoGoSurvey: منصة تصميم وتوزيع وتحليل شامل للاستبيانات.
 Survey Monkey: الأكثر شهرة في عالم أدوات الاستبيان عبر الإنترنت، لكن نسختها المجانية محدودة الإمكانيات.
 Qualaroo: أداة استبيان تعتمد على الذكاء الاصطناعي لطرح الأسئلة عبر "التنبيهات" غير المزعجة.
 ProProfs Survey Maker: أداة تتمتع بقدرات استقصائية وتحليلية متقدمة. 
 Typeform: تتمتع بواجهة جذابة، وتوفر نسختها المجانية إمكانيات متعددة.
Google Forms: من أشهر أدوات جوجل، تتيح العديد من الخيارات، أبرزها جمع البيانات والإجابات تلقائيًا في جداول بيانات جوجل.
Survey Planet: من أفضل أدوات الاستبيان عبر الإنترنت، ونسختها المجانية تتيح إمكانيات متقدمة.
ما هي أفضل أداة استطلاع عبر الإنترنت؟

الأمر يعتمد على احتياج كل شخص، لكن نوصي باستخدام نماذج Google أو  SoGoSurvey، في البداية، لأنّهما تقدمان أكثر بكثير من أي أداة مسح مجانية أخرى.
إذا كان تركيزك على الجماليات، نقترح استخدام Typeform.
إذا أردت بعض الإجراءات التحليلية المكثفة، فكر في ProProfs Survey Maker.
بعد ذلك، يمكنك استخدام  برنامج إحصائي مثــل Spss لتحرير وتحليل ما توصلت إليه من بيانات ومعلومات.
ثالثًا: تجربة حية

هناك العديد من التحقيقات الاستقصائية التي اعتمدت على الاستبيانات كجزء من آلية عملها.

في بنجلاديش 2019، استخدم فريق صحفي المسوح الميدانية للحصول على معلومات وبيانات داعمة لـ تحقيق حول "علاوة الأمومة" في البلاد.

فرضية التحقيق كانت تدور حول نظام العلاوة الرسمي الذي يحرم آلاف النساء الحوامل من معاش الأمومة، ويعطيها لمن لا يستحقها.

وضع الفريق أسئلة المسح المعمق وفق منهجيــة تم تطويرها بالتعاون مع شركة أبحاث متخصصة، وقابلوا 400 حالة من أصل نحو 7500 حالة، هي ّ حجم الفئة المعنية بالمعاش، وطرحوا أسئلة محددة وموحدة على المستجيبين.

أظهر المسح في النهاية نتائج يصعب التشكيك في صحتها، وكشف عن فساد كبير في برنامج علاوة الأمومة، وأظهرت البيانات أن 96 % من المستفيدات من البرنامـج يأخذن دعمًا غير مستحق ومخالفًا للمعايير، وأن مسؤولي الحكومة كانوا يختارون المستفيدات إما عن طريق الواسطة والمحسوبية، أو عن طريق قبض الرشاوى.

تجربة أخرى من مصر، عام 2015، للصحفي الاستقصائي المصري أحمد الشامي، الذي واجه صعوبات كبيرة، أثناء العمل على تحقيقه "خلف أبواب الصمت"،  في الوصول إلى حالات وضحايا زنا الأقارب في مصر، قبل أن يقرر اللجوء إلى الاستبيان الإلكتروني للوصول إلى حالات ومعلومات حول الظاهرة.

صمم الشامي استبياناً بسيطًا وسهلًا، وصاغ مجموعة من الأسئلة وفق منهجية محددة تساعده في الحصول على المعلومات المستهدفة وتتعلق جميعها بمحاور التحقيق، معطيًا المشاركين حرية ذكر أسمائهم الحقيقية أو استخدام أسماء مستعارة، مع أسئلة عن السن ومحل الإقامة لمساعدته في رصد التوزيع الجغرافي للظاهرة، بجانب إعلام المشاركين بأن المعلومات سوف تستخدم في تحقيق صحفي.

في نهاية الاستبيان، سأل الشامي الضحايا عن رغبتهن في الحديث عما تعرضن له، وفي حال موافقتهن، هل يرغبن في التواصل بشكل مباشر أم عبر الهاتف؟

نشر الشامي الاستبيان عبر مواقع التواصل، واستعان بصفحات الجمعيات المتخصصة بالمرأة، وعدد من النشطاء المهتمين بالظاهرة على مواقع التواصل، من أجل توزيع الاستبيان على أوسع نطاق.

أقبلت الفتيات على المشاركة، وتحدثن عن حالاتهن، ووافقت بعضهن على التحدث لمعد التحقيق، الذي خرج للنور بفضل هذا الاستبيان، وحصل فيما بعد على الجائزة الدولية للصحافة الاستقصائية.

-ijnet



AM:11:21:21/10/2021




464 عدد قراءة