إيران تقطع المياه عن العراق:بلاد الرافدين مهددة بالعطش!




علي كريم إذهيب - صحافي عراقي

كانت المياه الواردة من إيران إلى العراق تبلغ 7 مليارات متر مكعب يومياً فيما تبلغ اليوم صفراً. بعد قطع طهران مياه ثلاثة أنهار بشكل مفاجئ ودون الإدلاء بأي تصريح رسمي، وهي أنهار سيروان والكارون و الكرخة التي تمد مناطق شرق العراق بالمياه العذبة.

يجلس ثجيل فنجان، وهو مزارع سبعيني، مطلاً على أرضه القاحلة، ناظراً إليها وعيناه تتلألآن بالدموع على ما آلت إليه أحوال أرضه من عطش وتصحّر وموت يلاحق ما تبقى من مزروعاته التي كانت ذات يوم تضجّ فيها الحياة والخضرة. 

فنجان من أهالي ناحية المجر في محافظة ميسان جنوب العراق يشغله اليوم أمر وحيد: كيف يروي أرضه. يقول لـ”درج”: "يبيع تجار الماء بقدرة 500 لتر مقابل 50 ألف دينار عراقي (ما يعادل 35 دولاراً أميركياً)”، فيما يقدّر فنجان حاجة أرضه يومياً إلى نحو 2000 لتر مياه لري مزروعاته، سائلاً باللهجة العراقية: "منين أجيب فلوس الماي؟”.

تحذير دولي
حذّر البنك الدولي من أن العراق قد يشهد انخفاضاً بنسبة 20 في المئة في موارده المائية بحلول عام 2050 مع استمرار ظاهرة تغير المناخ.

وأوضح التقرير أنه جراء تراجع المياه العذبة في العراق فإن "الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد ينخفض بنسبة 4 في المئة أي ما يعادل 6.6 مليار دولار، مقارنة بعام 2016”.

وأضاف التقرير أن "ندرة المياه بدأت تتسبب في تهجير قسري محدود النطاق بخاصة جنوب العراق”.

وأشار إلى أن "الوضع الحالي للبنية التحتية أدى إلى تملّح يؤثر في 60 في المئة من الأراضي المزروعة، وانخفاض بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المئة في مستوى المحاصيل الزراعية”.

شح المياه
يتوقع المتخصص في الهندسة البحرية علي كاظم "ارتفاع التصحر والجفاف في العراق بسبب قلة الأمطار وتخفيض كميات المياه الداخلة إلى العراق عبر نهري دجلة والفرات من تركيا و الأنهر الفرعية من قبل إيران، ما أدى إلى انخفاض نسبة المساحات المزروعة في البلاد إلى النصف مقارنة بالعام الماضي”.

ويشير كاظم إلى أن هذا سيؤدي إلى "تفاقم التصحر كون هذه الأراضي ستبقى بدون زراعة، ما ينعكس بصورة سلبية على الغطاء النباتي”.

وقامت تركيا منذ سنوات ببناء مشاريع كثيرة، آخرها سد اليسو الذي أثّر كثيراً في واردات نهري دجلة والفرات. كما قامت إيران بقطع روافد الأنهر الداخلة إلى العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، بسبب معاناتها في الداخل من شح المياه.

كما أن شح المياه يتأثر كثيراً بزيادة عدد السكان، حيث وصلت الزيادة مؤخراً إلى 4 في المئة سنوياً في العراق. كما أن التغيرات المناخية تؤدي إلى الجفاف ومنها ارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق معدلاتها بثلاث درجات مئوية ما يساهم في زيادة تبخر مياه الأنهار بنسبة 20 في المئة  وفق كاظم الذي يشدد على”ضرورة مراعاة كل هذه العوامل والتوجه بسياسات داخلية وخارجية جديدة”.

السياسة الخارجية تحتاج إلى العمل على تطبيق الاتفاقيات الدولية مع الدول المتشاطئة وعلى دول المنبع وأن تأخذ رأي دول المصب في مشاريعها. أما السياسة الداخلية فتهدف إلى استخدام طرق الري الحديثة وعدم التفريط باستخدام المياه، بحسب كاظم.

"ننتظر الجلوس مع إيران”
كانت المياه الواردة من إيران إلى العراق تبلغ 7 مليارات متر مكعب يومياً فيما تبلغ اليوم صفراً. بعد قطع طهران مياه ثلاثة أنهار بشكل مفاجئ ودون الإدلاء بأي تصريح رسمي، وهي أنهار سيروان والكارون و الكرخة التي تمد مناطق شرق العراق بالمياه العذبة.

في مؤتمر صحافي عقده وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني، أكد أن "الوزارة تمكنت من تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة مع الجانب التركي والتي تضمنت حصول العراق على حصة مائية عادلة، إضافة إلى وجود تنسيق عالي المستوى مع الجانب السوري”، لافتاً إلى أن "الوزارة تنتظر الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاقيات تضمن حق العراق بالماء”.

اتفاقية الجزائر
وقّع نظام البعث المنحل في العراق، عام 1975  اتفاقية مع شاه إيران عرفت باسم "اتفاقية الجزائر” تتعلق بترسيم الحدود بين البلدين وتتضمن بنوداً خاصة بتنظيم إمدادات المياه.

في 17 أيلول/ سبتمبر 1980، أعلن الرئيس الأسبق صدام حسين -من طرف واحد- في كلمة متلفزة إلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران بعد نحو 5 أعوام على توقيعها بنفسه، "عندما كان حينها نائباً للرئيس أحمد حسن البكر، مع الشاه محمد رضا بهلوي بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

ومن جانبه، يرى المؤرخ التاريخي والقانوني طارق حرب أن”صدام حسين وجد في اندلاع الحرب مع إيران عام 1980 فرصته للتحرر من اتفاقية 1975، لأنها أعطت النظام الإيراني حقوقاً ليست له، ومنها نصف شط العرب ومدينة المحمرة وأجزاء من خانقين، مع السماح للسفن الإيرانية بدخول شط العرب من دون شروط”.

ويرى حرب أن "إلغاء العراق اتفاقية الجزائر لا قيمة له من الناحية القانونية لأن الاتفاقية مثبتة لدى الأمم المتحدة، لذلك بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وأحداث غزو الكويت عاد العراق للاعتراف بها”.

بعد عام 2003 ونتيجة سقوط نظام صدام حسين بعد حكم ثلاثين عاماً، لم تعترف الحكومات العراقية المتعاقبة بالاتفاقية، وطلبت في أكثر من مناسبة مناقشة تعديل بنودها أو تنظيم اتفاقية جديدة.

لكن الإيرانيين يرفضون ذلك ويصرون على التمسك باتفاقية الجزائر التي يعتقد كثر من العراقيين أنها "مجحفة”.

وعن تلك الاتفاقية يوضح الخبير في الاقتصاد الزراعي سفيان الجبوري أن "الجانب الإيراني قام ببناء أنفاق تحت الأنهر وتحويل أنهار أخرى كما يحصل اليوم مع نهر سيروان الذي ينبع من إيران ويصب في بحيرة دربندخان في شمال العراق وهذا مخالف لاتفاقية الجزائر”.

ويقول الجبوري لـ”درج”: "عمدت إيران، إلى تحويل مياه نهر الزاب الأسفل إلى بحيرة أروميا وتغيير مجرى نهر الكارون الذي يصب في شط العرب”.

ويؤكد المختص الزراعي أن ما تقوم به إيران مخالفة قانونية دولية، لأنه يعني تحويل مجرى نهر طبيعي تأسست على أساسه مجتمعات ومدن وقرى”، مقترحاً "تدويل القضية لمنع تجاوزات طهران المستمرة”.

وينبع نهر سيروان من إيران ويمر على امتداد حدودها مع العراق قبل أن يتدفق داخل منطقة كردستان العراقية المتمتعة بحكم شبه ذاتي، ثم ينحرف جنوباً ليلتقي بنهر دجلة، حيث أصبح النهر جافاً بشكل كامل تقريباً، وإضافة إلى ذلك تنبع من إيران نحو 18 في المائة من مياه نهر دجلة”.

ويكتسب ملف المياه أهمية كبيرة بالنسبة إلى العراق، وهو جزء مهم من الأمن القومي للبلاد، لكنه مخترق منذ عام 2003 بحسب الأستاذ في الموارد المائية عبد الأمير العلوان.

ويقول علوان لـ”درج” إن "دول الجوار لا تعير أهمية للعراق لأنه دولة مفككة وتتحكم فيها أحزاب فاسدة وسلطات تخضع للقرارات الخارجية من دون التفكير في مصلحة البلاد والشعب”.


PM:12:42:01/12/2021




388 عدد قراءة