استحواذ ماسك على «تويتر»... ثورة أم انقلاب على دور منصات التواصل الاجتماعي؟




ميترو,الشرق الاسط 

ما الذي يريده إيلون ماسك القادم من «الإنتاج الحقيقي»، إلى «الإنتاج الوهمي»، بعد استحواذه على «تويتر»؟ وما هي الثورة التي سيحدثها في عالم «السوشيال ميديا»، بعد الثورة التي أحدثها «التكنوكينغ»، أو «ملك التكنولوجيا»، كما يطلق على نفسه، في صناعة السيارات الكهربائية والصواريخ والمركبات الفضائية؟

ماسك ليس الملياردير الوحيد الذي يقفز للاستثمار في «السلطة الرابعة» أي الإعلام. فغالبية الاستثمارات التي شهدها هذا القطاع، كانت تحيط بها شبهة التوظيف السياسي. سواء تعلق الأمر بدعم مؤسسة متهاوية، حفاظا على الصوت الذي تمثله، أو لتعزيز مؤسسة معارضة، في قطاع يجمع الخبراء وحتى الدول، على أن حمايته والحفاظ عليه أمر مكلف من دون دعمه. إلا أن الثورة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي قلبت المعادلة، وباتت قطاعا استثماريا مغريا لأغنياء الولايات المتحدة والعالم، على حد سواء، بعدما تحولت صفحاتها ومنصاتها، إلى أكبر مصدر للتمويل وتحقيق الأرباح، مطلقة حروب الاستحواذ عليها.

ماذا سيقدم ماسك لتويتر؟

بالنسبة إلى ماسك، الذي أحدث ثورة في صناعة السيارات والصواريخ والمركبات الفضائية، يتساءل الجميع عما يمكن أن يقدمه في إدارة منصة اجتماعية، وما الصعوبات التي سيواجهها؟ الواقع أن اختياره «تويتر» لم يكن عن عبث. فهذا الموقع الذي يصنف بلا منازع، على أنه أحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي تأثيرا على صناعة الرأي، وتتابعه «نخبة» القوم، قد يتناسب مع أفكاره «الغربية» إلى حد الجنون، كما يتهمه خصومه ومنافسوه وحتى مريدوه. لكن ما الذي سيطرحه لإطلاق «عنان» هذا الموقع، بعد «تحريره» سياسيا، ودفعه تقنيا عبر خوارزميات مبتكرة، كما وعد؟

خلافا للمخاوف التي تشير إلى احتمال أن ينفذ ماسك «مجزرة» بحق موظفي ومسؤولي وكبار المهندسين والتقنيين في «تويتر»، ثمة رهان على أن الرجل - الذي بالكاد يعبر عن تواضعه، سيكون مضطرا للاعتراف، كما اعترف سابقا خلال بناء إمبراطوريته «الكهربائية» و«الصاروخية» - بأن الاختراقات التكنولوجية تُبنى دائما على عمل الآخرين.

إذ إن شركات التكنولوجيا الناجحة، لم تُبن إلا من خلال فرق عمل من المصممين والمهندسين وغيرهم، اقتنعوا بفكرة ثورية عرضت عليهم. هذا ما جرى مع شركات مثل «آبل» و«غوغل» و«مايكروسوفت» و«أمازون» و«فيسبوك» وغيرها من شركات التكنولوجيا. وهو ما حصل أيضا مع إيلون ماسك نفسه، عندما أسس شركتي «تسلا» و«سبايس إكس». وهو يعترف بأن مفاتيح نجاح الشركتين، هي في يد المئات من كبار المهندسين والمصممين والمفكرين في المنتجات، الذين استدرجهم ماسك من الشركات المنافسة.


مصير غامض للموظفين

مع هذا، هناك من يعتقد أن ماسك الذي جمع في مشاريعه السابقة طاقما من اختياره، قد يعيد بناء «تويتر»، وفق تصوراته، مع أن المنصة، هي اليوم شركة راسخة وكبيرة بالفعل، كلفته 44 مليار دولار. ثم إن ماسك الذي لطالما أثارت تغريداته مخاوف وانتقادات موظفي «تويتر» والمغردين، ألقى بظلال من الشك على مستقبل موظفي الشركة. وحتى على «ثقافة التوافق التدريجي» في وادي السيليكون، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».

ماسك الذي قال إنه يسعى لإطلاق العنان «للقيمة» في «تويتر» التي لا تستطيع قيادتها الحالية القيام بذلك، قد يكون يغامر في تجربته الجديدة. والرجل الذي لا يزال مصرا على القول إنه يسعى إلى إعادة «الحرية» لكل وجهات النظر، فسر البعض قوله، بأنه يمهد لإعادة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى المنصة، وكذلك للأصوات اليمينية والشعبوية المتطرفة. لكن هذا اتهام سياسي لا يزال يحتاج وقتا وتدقيقا للتحقق من «مخاوف» تلك العودة. ذلك أن ماسك لم يذكر في تغريداته الجمهوريين ولا الديمقراطيين. ورغم الشكوك بوجود «صداقة» بين الرجلين، فإن ماسك انتقد سياسات الهجرة التي انتهجها ترمب، واستقال من المجالس الاستشارية الرئاسية بعد انسحاب ترمب من «اتفاق باريس للمناخ». وبدلا من دعوته ترمب للعودة إلى «تويتر»، دعاه إلى تغيير اسم منصته التي أطلقها في مارس (آذار) الماضي، بعدما قال إنه متمسك بها، من «تروث سوشيال» إلى «ترمبيت» أي «البوق».

في المقابل، تشهد علاقة ماسك بالرئيس الحالي جو بايدن توترا، يحمل البعض الرئيس نفسه المسؤولية عنها. ويتساءل العديد من المراقبين ومن الديمقراطيين، عن أسباب تجاهل بايدن لماسك ومنتجاته وإنجازاته العلمية، رغم دفاعه وحماسته لسياسات حماية البيئة والمناخ، بحيث بدا وكأنه يحبذ المنافسين الأجانب عليه. وحقاً، انتقد ماسك بايدن غير مرة، بسبب «إحجامه عن الاعتراف بأهمية دور شركة (تسلا) في عالم السيارات الكهربائية، وتجاهل بايدن عن قصد شركته مرارا وتكرارا». وهو ما قد يمهد للرهان على تمكن ماسك من تحقيق توازن أكثر قبولا بشأن الإشراف على محتوى المنصة، وربما يكون محقا بشأن «القيمة المخفية» لـ«تويتر».


إعادة نظر بدور المنصات

في أي حال، الجميع يدعو اليوم إلى إعادة النظر بدور منصات التواصل الاجتماعي، أمام سيل المنشورات والمجموعات المنظمة، والدعايات الراديكالية والتحريضية. وحتى المعلنين الذين يشكلون نحو 90 في المائة من عائدات «تويتر» وغيرها من المنصات الاجتماعية، ضاقوا ذرعا بما ينشر على صفحاتها. ومع إعلان الديمقراطيين والجمهوريين، في إجماع نادر، على تعديل المادة 230 التي تنظم عمل منصات التواصل الاجتماعي ومسؤوليتها، فقد تكون فرصة مناسبة، ليس فقط لماسك، بل ولغيره من أجل ضبط تلك المنصات، التي غيرت إلى غير رجعة طرق النشر والإعلام وصناعة الخبر.

ولكن هل سيعتمد ماسك سلوكا مشابها للذي اعتمده جيف بيزوس، مع صحيفة «واشنطن بوست»، ويقوم بتعيين فريق عمل مستقل لإدارة المنصة، أم أنه سيدير «تويتر» بنفسه؟ وإذا ابتعدنا عن «عداوة الكار» بين الرجلين، من نافل القول إن طموحات ماسك وبيزوس السياسية مختلفة. بيزوس قد يطمح للعب دور سياسي مباشر في المستقبل، بينما لا يستطيع ماسك أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة تحت أي ظرف. فهو مولود في جنوب أفريقيا وهاجر إلى كندا التي يحمل جنسيتها، قبل أن يهاجر إلى أميركا. فما الذي يريده من «تويتر» وكيف سيديره ويوظفه سياسيا؟


أهو الشخص المناسب؟

الأيام الأخيرة، بدا ماسك قد اختار بالفعل، طريقته في إدارة المنصة. إذ غرد منتقدا «تويتر» كشركة وموظفين، بما في ذلك كبيرة مسؤولي السياسات التنفيذية، فيجايا جادي. وتعرضت على إثرها لسلسلة تغريدات سيئة وعنصرية، تدعوها للعودة إلى الهند. وهذا اعتبره البعض، تذكيرا بالاتهامات التي تساق على أجواء العمل في شركاته الأصلية. حيث يزعم موظفو «تسلا» تفشي التمييز العنصري والتحرش الجنسي والممارسات غير الآمنة. وحتى أسباب ماسك المعلنة لشراء «تويتر»، تبدو غامضة وساذجة للغاية. فهو يقول إنه يريد جلب «حرية التعبير» إلى المنصة. لكن ما الذي يعنيه ذلك تحديدا، وكيف سيفعل ذلك، بما يضمن عدم تحولها إلى منصة للكراهية والمضايقات، بصورة أخطر مما هي عليه اليوم بالفعل، بحسب المنتقدين. وفيما يتهم ماسك بأن تغريداته على «تويتر» لا تطاق وغالبا ما تكون فجة، وقاصرة على الأحداث وكراهية النساء، فقد تكون على الأرجح واحدة من السمات الأكثر سوءا عنه.

رغم كل ذلك، يمكن أن يعيد ماسك القوة لـ«تويتر»، الذي لم يجد قادته الشجاعة لوقف حساب ترمب، على سبيل المثال، إلا بعد خسارته الانتخابات، وتوفيره مساحة كبيرة ليصبح أفضل بكثير. فسجل ماسك الحافل في إدارة شركاته التكنولوجية المتطورة، وصنعه منتجات لم يكن يحلم بها الإنسان، قد يكون، هو الشخص المؤهل لإطلاق إمكانات المنصة الكامنة. وهذا ما يلتقي مع تصريح الرئيس التنفيذي السابق، والشريك المؤسس وعضو مجلس الإدارة جاك دورسي، الذي غرد يوم الاثنين الماضي، قائلا بعد الإعلان عن صفقة البيع، «إيلون هو الحل الوحيد الذي أثق به». ومن خلال تخصيص جزء كبير من ثروته للاستحواذ على الشركة، وتحويلها إلى شركة خاصة، يمكن لماسك أيضا تحرير «تويتر» من ضغوط سوق الأسهم القصيرة الأجل، لنمو الإعلانات، والسماح للشركة باستكشاف نماذج أعمال جديدة، كفتح باب الاشتراكات... التي ربما تكون أكثر ملاءمة للاستدامة على المدى الطويل. وهو ما قد يؤدي بدوره إلى وضع ضوابط قانونية على المشتركين، تجاه ما «يغردون به»، ويعرضهم لتداعيات تلقائية، قد لا تحتاج إلى الكثير من الضوضاء السياسية، كما هو الحال اليوم.


PM:01:05:07/05/2022




332 عدد قراءة