مفارقة التعامل مع الجريمة وقانون الحصول علی المعلومات
رحمن غریب
شاشات وسائل الإعلام التابعة للسلطة تروّج للدم والقتل أكثر من غيرها؛ فتُقدَّم الجرائم في قالب استعراضي، ويُصوَّر القتلة كأنهم أبطال، يجلسون إلى جانب الضحايا، ويروون بالتفصيل كيفية ارتكاب الجريمة، بينما تُعرض لقطات من كاميرات المراقبة فتتحول الحادثة إلى ما يشبه فيلم أكشن مكتمل الأركان.

أما مذيعو تلك القنوات فيكتفون بإجراء مقابلات مع الأجهزة الأمنية بعد القبض على المتهمين، لتتحول كل عدسة كاميرا إلى وسيلة للترويج لبطولات القوات الأمنية.

 وفي المقابل، تُعرَض صور الضحايا بطريقة مُهينة، جثثًا متعفنة أو مشاهد مُجردة من الكرامة الإنسانية، في انتهاك صارخ لحقوقهم وحقوق عائلاتهم. وفي هذا السياق، تضع تلك الوسائل نفسها مكان المحكمة والقاضي، بينما كان الأجدر إصدار تعليمات واضحة تضع حدودًا لهذه الممارسات.

لم يكن الرأي العام بحاجة إلى تعميم من رئاسة ديوان مجلس الوزراء في إقليم كوردستان لمنع تغطية تفاصيل الجرائم، فالمشكلة ليست في غياب القرارات بل في تجاوز وسائل الإعلام نفسها للتعليمات والقوانين، وانتهاكها لخصوصية الضحايا ولحق المجتمع في معرفة الحقيقة. 

الأسوأ من ذلك أن بعض هذه الوسائل تُقدّم أخبار القتل وأحداث "حرب الشوارع" بأسلوب حاد ومثير للجدل، لا لشيء إلا لتحقيق مكاسب سياسية.
إن قرار رئاسة الوزراء القاضي بمنع تغطية تفاصيل الجرائم يفاقم أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة. 

فحين تُحجب المعلومات الرسمية، يلجأ الناس إلى الشائعات والمصادر غير الموثوقة، ويتعمق الاستياء الشعبي. والسؤال البديهي هنا: إذا كان المواطن لا يعرف حجم الجريمة أو طبيعتها، فكيف يمكنه أن يطالب بمحاسبة الحكومة أو الوزير المسؤول؟

من المعروف أن دور الإعلام والصحافة المهنية في العالم يقوم على كشف الجرائم والتجاوزات، لكن بمسؤولية وأخلاقيات تحفظ كرامة الضحايا وتراعي البُعد النفسي والاجتماعي للمجتمع. الصحافة الرصينة لا تحتاج إلى قرارات وزارية لترسم حدودها؛ فهي تضع لنفسها هذه الحدود بالالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية. وعندما يحدث تجاوز، يجب أن يُحاسب المذيع أو المؤسسة الإعلامية وفق قانون الصحافة، لا بقوانين الإرهاب أو العقوبات العامة.


فأية عدالة هذه التي تسمح بانتشار أسواق السلاح والتهريب والممنوعات على الملأ، بينما تُحجب المعلومات عن الجرائم؟ ألم يكن من الأولى، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على صدور قانون حق الحصول على المعلومة (رقم 11 لسنة 2013)، إصدار تعليمات لتنفيذه وتفعيله بدل إصدار قرار يفرض التعتيم على الجرائم ويمنع الإعلام من تغطيتها؟

AM:07:06:20/09/2025