بيروت حزينة، حزينة.اليوم ودعت زياد رحباني. شارع الحمرا غصّ بالسائرين خلف نعشه. كل واحد يبكي أو يغص بشهقته معتبراً هذا الرحيل فاجعة شخصية. فقد صارت حكايات زياد في مسرحياته أو أغنياته من الأسئلة والأمثلة التي يتداولها الناس في حياتهم اليومية. أحبوه أو فارقوه في الاعتقاد، عرفوه او سمعوا عنه، مسرحياته، أغانيه، تعليقاته وحتى قصص حياته الشخصية من احاديث الناس اليومية في لبنان الذي يعيش يومه دون ان يعرف غده ويردد عنوان مسرحيته (وبالنسبة البكرا شو؟ )
أصدقائه ومحبيه يقولون لي: موته لم يكن موتاً، إنما انتحاراً. مزاجه الحسّاس الملتهب لم يتحمل هذا الحضيض الذي يعيشه عالمنا العربي. تخلصاً من ألمه وألم الناس حوله رفض العلاج الطويل في الخارج وأراد أن يموت هنا والآن.
أشاهد الآن في التلفزيون الصلاة على راحة نفسه، التي لم ترتح يوماً، في كنيسةً (رقاد السيدة في بكفيّا). أمه المجللة بالسواد تخفي عينيها وراء نظارة سوداء وتكتم، في فمها صرخة طويلةً. لم يكن زياد ابنها وحسب، انما المؤلف والملحن الذي أبقاها حية في ذائقة الأجيال الجديدة.
لحظة التغيير
مجزرة (تل الزعتر) كانت اللحظة الفارقة التي غيرت زياد وهوفي العشرين من عمره. سبقني أو سبقته لا أعرف بالتحديد؟ رغم تباعد المسافات، كنا نتابع وقائع المجزرة يوماً بيوم، قذيفة بعد قذيفة و قلبينا مع الأطفال الذين يكبرون كل لحظة وهم يشاهدون أمهاتهم وآبائهم يموتون أمام أعينهم وكيف يختلط الذم بالحليب. سبقته أو سبقني لا اعرف. تركت بغداد و ذهبت لأسجل شهادات الناجين من المجزرة. ذهبت أتتبع مجزرة تل الزعتر بعد وقوعها. كأنني وقد تأكدت من سلامتي، أردت أن أكون هناك. ذهبت لألتقي الناس الذين عاشوا الحدث وخرجوا منه مناورين بأجسادهم الفراغ الحرج بين الرصاصة والرصاصة، والشظيّة والشظيّة. لم يشغلني السماع وحده، إنما الطريقة التي يروون بها ما حدث: فترات الصمت المرتجفة، الشهقة التي تقطع الكلام في لحظات الذروة، الأنفاس المتسارعة، والتوقف لمسح الدموع التي تنضح…(ستدخل هذه الشهادات في مذكراتي التي ستصدر بعد أيام عن دار (المدى)).
المجزرة مسّت وجدان ملتهب،ً وأنا استقي كلماتي هنا من حديث تلفزيوني مع زياد.، لم يكتف بالتفجع الساكن و لا بالصمت المحتج الذي خيمً على العائلة. اتخذ قراره وغادر دعة البيت دون وداع وذهب إلى الجزء الآخر من بيروت وانتمى لقلب اليسار فيها، الحزب الشيوعي اللبناني.
ثقافة الحرب
في يوم جحيمي قريب من نهاية عام ١٩٧٥ كان لبنان يودع السنة المشؤومة بزخ من القذائف العشوائية مع إقامة حواجز طيارة تقوم باختطافات متبادلة على الهوية. مع ذلك كان هناك إبتهال خافت ومتردد: علّ العام القادم يقدم بشارة سلام؟ خرجنا، الفنان التشكيلي اللبناني أميل منعم والشاعر الكردي سليم بركات وأنا من منطقة الفاكهاني لنوسع مساحة الأمان بضع أمتار وبضع ساعات. سألنا صديق فاخرج من جيبه حزمةّ مفاتيح لبيوت تركها أهلها هرباً من الجحيم، وأخذنا نسير عبر متاهات الأزقة وفوهات القناصين في سطوح البنايات العالية حتى وصلنا إلى بيت فاره تجمعت فيه حزمةً من فناني و كتاب الحرب الأهليةً،وفي الوسط زياد رحباني. يدخل الناس من دون أن يستقبلهم أحد ويغادرون بلا وداع. من السطح نشاهد نجيمات متتالية فوق الجبل. اشتباك أم احتفال؟ لا أحد يسأل. دندنات عود وهناك من يسلّك صوته ليغني وما من مستمع. كل من الحاضرين مشغول بعمل ما. سليم بركات يكتب يوميات في مجلة (فلسطين الثورة) عن حياته اليومية بين المواقع، أميل منعم يرسم سكيتشات عن الحياة اليومية، الشاعر عزّ الدين المناصرة يدير مدرسة يتامى تل الزعتر، المغنون يؤلفون ويلحنون. السينمائيون الوثائقيون مع كاميراتهم يحاولون تسجيل اللحظات التاريخية. فرق غنائية تقدم حفلات لكسر التوتر …أغلب الحاضرين من اليسار بمختلف تياراته. لم تكن الحرب الأهلية هي الموت وحده. الحياة اليومية المشحونة بالتوترات كانت موضوعاً حفز مخيلة الفنانين والكتّاب للتعبير.
الحرب، والأهلية بالتحديد، هي من تلك الأيام التي وصفها ماركس بانها تحمل في أحشائها عقوداً من التغيرات. تطرح زخّماًًً من الأسئلة وتهدّم الأجوبة بأسرع مما تهدم القذائف جدران البيوت.المثقف الحسّاس، الذي يعيش أجواء الحرب لا يستطيع الانتظار طويلاً حتى تهدأ الأمور أو تنضج الفكرة، لأن الأسئلة تستدعيه وتستدعي موقفاً آنياً منه، مقاتلاً أو واقفاً على حافة الخندق، ينغزه ضميره: إفعل شيئاً! هذا السؤال اللجوج يمس كل من رافق زياد في حراكه. فقد ترافقت جولات القصف مع نشاط ثقافي غير مألوف. نشاط يلتقط مفارقات وفواجع الحرب اليومية، وبلغة الناس اليومية، و يحوّلها على الفور إلى مادة أدبية. كان زياد في عزّ فورته تلك الأيام. طاقةً هائلة من الأفعال موزعة على كل الجبهات. يكتب عموداً يومياً في جريدة النداء الشيوعية، يكتب و يخرج حلقة يومية من برنامج (بعدنا طيبين) في إذاعة (صوت الشعب) التابعة للحزب الشيوعي اللبناني، يتدرب مع رفاقه على تلحين أغنية ساخرة من مفارقات الحرب الاهلية. وفي قاعة جامعية يجري عرض مسرحية من تأليفه وإخراجه.. كل هذا وزياد هارب، هارب من المخابرات السورية التي تبحث عنه، يتنقل من مكان لآخر هرباً من القتلة.
زياد كان في الحرب و يكرهها. برنامجه اليومي وقفة تأمل في عزّ الحرب. يطرح أسئلة الحرب بلا توقف، وفي نفس الوقت يهدم الأجوبة على ساكنيها. خلال فترات (الهدوء الحذر) يتوقف المتحاربان عن القتال ليستمعوا للحلقات الإذاعية، يسخرون معه من الدوافع المعلنة ومن الكراهيات وقد تحولت إلى شعارات.المتقاتلون خلف متاريسهم يتوقفون والأصابع على الأزندة، يرددون عباراته و أغانيه ثم يعاودون تبادل النار حالما تنتهي الهدنات القصيرة. الضغائن كانت أكثر و أفعل توغلاً من صوت العقل، وحتى بدون الضغائن كانت عظلة اليد أسرع وأفعل من نداءات العقل، لذلك يستمر القتال من شارع لشارع ومن بناية لبناية. سمعت بضع حلقات من برنامجه وعجبت كيف تنمو النكتة المرّة في أجواء الحرب. السخرية وباللهجة الدارجة هي السائدة في الحلقات. سخرية من العرب (سوريا بتبعثلك ردع ومصر بتبعث فلافل) وسخرية من زعامات الحرب وسخرية من لبنان نفسه وهو يذبح نفسه على الهوية. سخريته السوداء سحرتني. كنت أتتبع الحرب وإفرازاتها السامة غير دار بأنني سأعيشها مرة ثانيةً وثالثةً في بلدي و في بلدان أخرى، بل وسأعيش فلمه (الأمريكي الطويل)- إسم واحد من مسرحياته-متوجساً من السيارة المحاذية، أسرّع خطواتي فيأتيني سؤال المصير عن السيارة القادمة: متى ستنفجر؟
في هذه الفترة شاهدت واحدة من مسرحياته المجهولة (نسيت اسمها) مسرحية مونو دراما عبارة عن مونولوج متصل يلقيه ممثل واحد يرتدي بدلة شطرنجية الألون تعكس العبودية و قد تحولت إلى قدر مستحب: رجل فقير ومعدم حد الرثاثة. يبدأ بمديح مخدومه الثري. يعتبر هذا الثراء نعمةً من الله، وقد خصه الله بهذه الثروة لأنه ابن أصول مجبول على الخير حتى انه يتبرع بالدم، صحيح إنه دمي، لكنه هو الذي يتبرع… يواصل المديح وهو ينكشف في خداع نفسه حتى يصل إلى النهاية، من حقه أن يتمتع بخيرات ثرواته، سأفعل ما بوسعي لخدمته ويصل إلى السؤال المحير (ماذا لو أردت أنا هذه المتع؟).
أجواء الحرب فصلت زياد عن إرث العائلة الرحابنة، هذا الإرث الذي شكل مزاج لبنان المسالم، وهي ذائقة الضيعة وهمس طبيعتا. في بداياته كان امتدادا لهذا الأرث وبالتحديد في أغنية (سألوني الناس عنك سألوني). لكنه ليس ابناً بارّاً، فقد شكّلته كما مثقفي تلك الفترة فواجع الحرب الأهلية. لم يستق مادته من الموقف العقائدي ولا من خطب القادة إنما من وقائع الحياة اليومية.ترك البطولات تسجل نفسها وذهب إلى الناس المهمشين الذين يعيشون الموت المجاني وتشكلت عنده لغة حادة السخرية تتراوح بين العاميّة المدينية والفصحى.
أتابع كلمات المعزين وأسمع وزير الثقافة اللبناني يتحدث عن ارشيف زياد رحباني و أختم موضوعي بكلمات وصلتني عبر الإنترنيت لكاتب لا أعرف اسمه " عبر المسرح والأغنية والدعابة والشتيمة نجح زياد في تدوين وقائع تلك السنوات قبيل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية و خلالها، لا كما نقلها الخطاب الرسمي، ولا كما نَظّرت لها الأحزاب، بل كما عاشها الناس من المقهى أو الفندق أو الغرفة أو المستشفى".
التذكّر أو النسيان؟
بعد أعوام من الحرب و من إزالة المتاريس بين الطرفين عدت لبيروت لأبحث عن آثار الحرب في قلب المدينة. هناك صراع بين التذكر والنسيان. حواجز الحرب التي كانت تفصل الطرفين أزيلت من الوجود، ومسحت آثار القذائف والرصاص و تجدد خط التماس في عهد الحريري فصار أجمل بقعة سياحية في الشرق الأوسط. كل شيء يهدف لمحو الذاكرة وتثبيت النسيان. الشبان الذين رافقوني في رحلة النسيان هذه لم يروا الحرب، إنما سمعوا من أهلهم: كانت هنا حرب! لكنهم حفظوا أغاني زيادً رحباني عن الحرب وحفظوا جمل ومقاطع من مسرحياته.
ألحّ، وأنا أتجول بين أبنية جديدة طليت بلون الرمل، باحثاً عن جدران قديمة لا تزال تحمل آثار الحرب: أين هي! ؟ لكي يشبعوا فضولي أخذوني الى قبو تحت الأرض اسمه (١٩٧٥) تيمناً بالعام الذي بدأت به الحرب. على الجدران كتبت بلون الدم تلك اللافتة التي رأيتها حيثما ذهبت (أحذر القناص!) وقد حجز الطرف الحرّ من السلم بالمتاريس. وزين المكان بمظاريف القذائف الفارغة …
-هذا هو المرقص!
لا أعرف، ولم يعرف أدلّائي، صاحب هذه الفكرة الجهنمية بتحويل ذكريات الحرب المريرة إلى مجرد مفارقة ساخرة: هنا المذبحة، إذن لنرقص هنا! الاختيار يتضمن سخرية وشماتة بحرب الآباء.
أعبر مكان الحواجز القديمة بخطوات حذرة كانني أرسم التاريخ الجديد مؤمناً بيقين قاطع بأن الشعب الذي جرّب الحرب الأهلية لن يلدغ من نفس الجحر مرتين. زياد صدمني بنبوءة مشؤومة " قد تتكرر الحرب مرة أخرى"! كيف؟ كل شئ هنا ينفيها. ها أنا أعبر إلى الجهة الأخرى مع صديقي الكاتب كريم مروة، أحد قادة الحرب. أتصفّح الوجوه حولي فيسألني:
هل ترى أية فروق بين الرفاق والأعداء؟
-…
أسمع في التلفزيون حديثاً لسمير جعجع المتهم بعشرات من جرائم القتل والخارج تواً من السجن بعفو سياسي يتحدث عن تعددية المجتمع والرغبة في السلام…
كيف إذن يا زياد تعود الحرب لمن جرّب مراراتها؟!
في كلمات واحدة من أغانيه يجيبني متهكماً كعادته "راجعة بإذن الله"، لانه يستبعد عودة لبنان إلى السلام. يذهب زياد إلى ما وراء المشهد، فالآباء الروحيون الذين دخلوا الحرب بصفتهم ممثلي الطائفةً والحزب مازالوا في مواقعهم قادة السلام. ما عادت المبادئ، قومية كانت، يسارية أو دينية، مصدر قوتهم وثباتهم في المواقع.، بل عدد ما تحت إمرتهم من مجندين احترفوا الحرب. المجندون الذين كانوا في الثامنة عشرة من أعمارهم حين بدأت الحرب كبروا وصار لهم عوائل وأطفال، لكنّهم لم يمتلكوا مهارات تساعدهم على التكيف مع حياة جديدة. لذلك تمسكوا بتنظيماتهم القديمة وانتخبوا بالولاء للماضي نفس قادتهم الذين يمسكون السلطةً والمال.
الشهداء، بغض النظر عن كيف استشهدوا ولأي هدف، صاروا حكاماً على الاحياء. عبارة (لن ننسى!) وتحتها صف طويل من صور الشهداء تبقى تتصدر مكاتب التنظيمات برغم الهدنة الحالية قصيرة كانت أو طويلة. وجودها لا يعني فقط الثبات على المبادئ التي ضحّى الشهداء من أجلها، إنما أيضًا، إبقاء الكراهيات التي رافقت الحرب ومعها الشكوك المتبادلة. (لن ننسى! تعني أيضاً لن نغفر). أي حدث حتى ولو نظرة استفزاز أو احتقار ستستدعي التهديد بالسلاح أو التنفيذ.
كنت أتابع خطابين متعارضين حول إعادة البناء بعد الحرب. كتب جوزيف سماحة العام 1993 عن اللبنانيين المنقسمين بين رفيق الحريري بالغ التفاؤل، وزياد الرحباني، بالغ الخيبة والتشاؤم. بسخريةً جارحة يرد على تفاؤل الحريري في واحد من لقاءاته التلفزيونية قائلاً إنه قام بالإبلاغ عن أحدهم، لأنه ما زال متمسكاً بالأمل، داعياً إلى "عدم ترك هؤلاء بيننا"باعتبارهم مندسّين على لبنان المتشائم. الكثير من اللبنانيين رأوا أن إعادة الإعمار تركزت علي هذه الخمسة كيلومترات المربعة في وسط البلد وعلى الميناء. والباقي على حاله.
المتفائل قتل وهو في عزّ تفاؤله. الحفرة ما زالت فاغرةً أمام فندق (سانت جورج) وسط البلد. وقفت على حافتها وصديقي القديم (عمران القيسي) على الحافة الآخرى وبيننا ثلاثين قدماً من الفزع. . هذه بقايا انفجار ألف كيلوغرام من TNT هزّت لبنان في 14 فبراير 2005 واغتيل فيها المتفائل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وواحد وعشرين من مرافقيه في أثناء مرور موكبه بالقرب من فندق سان جورج في بيروت.
لم يتوقف القتل، فعقب اغتيال الحريري حصلت عدة انفجارات واغتيالات ضد شخصيات مناهضة للوجود السوري في لبنان وكان من بينها: سمير قصير، جورج حاوي، جبران غسان تويني، بيار أمين الجميل، وليد عيدو. كما تمت محاولة اغتيال كل من: إلياس المر، مي شدياق، وسمير شحادة(الذي كان يحقق في قضية اغتيال الحريري). كيف تجمع بين هذا التشائم والتجديد.. هذا كان مبحث زياد في فترة ما بعد الحرب وكان جوابه هو النقد. لم يقتصر على نقد السياسة ومؤسساتها حكومةً و برلماناً..هذا كان موضوع أحاديثه التلفزيونية، انما نقد الأرث الاجتماعي الذي أدّى الحرب وسيعيدها ثانية. تشائمه انصب على عبث محاولة بناء السلام بواسطة ايديولوجيا فولكلورية ماضوية هي ذاتها من مسببات الحرب. بعض هذا النقد انصب على الإرث الفني لعائلته، ففي مسرحيته "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993) تتناقض أغنية فيروز "بحبك يا لبنان" مع مشاهد عودة لبنانيين إلى العصر الحجري، يعيشون في جوار أكلة لحوم البشر. ورأى في سرديات عائلته نوعا من الركون لسلام القرية الخادع حين تغني فيروز ويرقص الفلاحون الدبكة. فارق زياد رومانسية القرية واختار واقعية المدينة الخارجة من الحرب والداخلة في فوضى السلام حيث (الجوع كافر والمرض كافر والذل كافر) كما في واحدة من أغانيه. على تشاؤمه واصل زياد الابتكار والتجريب في موسيقى لا حدود لها، من وحي الناس وللناس، وإذا أغانيه ومسرحياته قد شكلت لغة الحال الجديدة. "بواسطتها تعرّف جيل ما بعد الحرب بعضه إلى بعض، فيما تجاوز خطوط التماسّ" و الكلام هنا لجوزيف سماحه. لحّن زياد الكثير من الأنماط الموسيقية المختلفة، من الطرب الشعبي اللبناني والمصري إلى الجاز الذي ترك فيه بصمته الخاصة جداً، منذ بداية الثمانينيات. حتى في أغاني الحب ترك أمه مقطوعة في قرية (ميس الريم) إلى جانب سيارتها الشيفروليه المكشوفة واختار لأغنيته مسرحاً غريبا على الأغنية العربية، هو سيارة نقل عمومي (بوسطة) وخلق مشهدية غير مألوفة وشخصيات لا علاقة لها بقصة الحب (واحد عم يأكل خس، وواحد عم يأكل تين، وفيه واحد هو ومرتو،ً ييه شو بشعه مرتو…). غيّر جو الأغنية ومسرحها و شخصياتها ووضع الحب ثانوياً في حكاية عامة. أسمع هذه الأغنية وأنا اقطع (شارع الحمرا) المزين بصوره وأسمع في نفس الوقت دوي طائرة مسيّرة إسرائلية تحوّم في سماء بيروت باحثة عن هدف.