عن خطر اختفاء لبنان التعدّدي
رندة حيدر

وصل أداء السياسيين في لبنان، أخيرا، إلى قمة السلوك المدمّر الذي يتخطّى كل القواعد والمعايير المعروفة في الدول العادية والطبيعية، فقد رأينا رئيس الجمهورية، ميشال عون، يستدعي رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، إلى قصر بعبدا فوراً، مهدّداً إياه إذا لم يتوصل إلى تشكيل حكومة في أقرب وقت، فإن عليه أن يتنحّى. وبعد رد ناري من سعد الحريري، رأيناه يتوجه إلى القصر الرئاسي، ليخرج بتصريح عن قرب التوصل إلى تشكيل حكومة "مهمة"، مؤلفة من اختصاصيين بحسب المبادرة الفرنسية التي يبدو أنها تحظى حالياً برضا من الإدارة الأميركية. في الليلة عينها، طلع عليها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لينصح الحريري بأن حكومة اختصاصيين لن تفلح في المهمة، الذي نسف فكرة حكومة مهمة، وأعاد الأمور إلى المربع الأول. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي باريس، شاهدنا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يلتقي رئيس الدولة العبرية، رؤوفين ريفلين، ورئيس أركان جيشها، آفيف كوخافي، الذي عرض عليه مواقع عسكرية لحزب الله سيستهدفها الجيش الإسرائيلي في أي مواجهة عسكرية مقبلة، موجهاً رسالة تحذيرية شديدة اللهجة إلى الحكومة اللبنانية.

قبل ذلك بيوم، أجرى وفد رفيع المستوى من حزب الله مفاوضات مع وزير الخارجية الروسي، لافروف، تناول فيها الوضع الحكومي في لبنان، من بين أمور أخرى، وبدأ في لبنان الحديث عن دور سياسي روسي في لبنان. في هذه الأثناء، تزايد الحديث عن استمرار الجفاء بين السعودية وسعد الحريري، وجرى تداول تقارير إعلامية مقرّبة من أوساط رسمية سعودية، تشير إلى تخلي السعودية نهائياً عن دعمها السياسي له، بذريعة مواقفه المتساهلة مع حزب الله.

في ظل هذه الفوضى السياسية العارمة، ثمّة أكثر من تساؤل يطرحه مواطنون لبنانيون عديدون على أنفسهم في الآونة الأخيرة عن الموقف السعودي من الأزمة اللبنانية الحالية، وهل فعلاً تخلت السعودية عن الزعامة السنية للحريري في لبنان، كما يزعم خصوم الرجل السياسيون الذين يحملونه مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، بسبب عدم حصوله على ضوء أخضر سعودي واضح؟ وهل الحرب التي تخوضها السعودية ضد وكلاء إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم الحوثيون وحزب الله، سيدفع ثمنها اللبنانيون الذين وجدوا أنفسهم، رغماً عن إرادتهم، داخل هذه الصراع المدمّر؟ وهل فعلاً انتهى الدور السعودي التاريخي الداعم لاستقرار لبنان السياسي؟ وهل قرّرت السعودية ترك لبنان في مهبّ الصراع على النفوذ في لبنان بين إيران وروسيا تركيا، مع كل ما يترتب عن ذلك من تداعياتٍ خطيرة؟

سبب اهتمام بعض اللبنانيين وقلقهم أن موقفاً سعودياً واضحاً مما يجري في الحياة السياسة اللبنانية يمكنه أن يعدّل قليلاً في موازين القوى التي تميل، بصورة كبيرة حالياً، لصالح المحور الإقليمي الذي تقوده إيران في المنطقة، على الرغم من تصاعد الأصوات المطالبة بتحييد لبنان عن صراعات المحاور. إن بروز موقف سعودي واضح يدعم استقرار لبنان السياسي والاقتصادي يمكنه أن يؤثر في وجهة الأحداث التي تعصف به، ويحول دون انزلاقة إلى مرحلة يتحوّل فيها من نظام ديمقراطي يؤمن بالتعدّدية وبحق الاختلاف إلى نظام توتاليتاري، يكون فيه حزب الله القوة السياسية الوحيدة الراسخة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، القادرة على إدارة شؤون هذا البلد، بدعم ورعاية من إيران. أو إلى نظام عسكري يحكمه قائد الجيش اللبناني.

ليس من باب المبالغات القول إن هناك أصواتا كثيرة وسط بيئة الممانعة في لبنان، تدعو حزب الله إلى استلام مقادير الحكم بنفسه لمنع الانهيار، تماماً كما هناك أصوات في المعسكر الآخر، تطلب من قائد الجيش استلام الحكم، والحلول محل المنظومة السياسية الفاسدة.

.. لبنان أمام منعطف خطر يهدّد صورته بلدا عربيا معتدلا وديمقراطيا وتعدّديا، والأزمة التي يعانيها هي صورة عن مأزق الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي كله.

AM:02:58:23/03/2021