صحفي يجسّد عصامية الإنسان
زيد الحلي

حين اهدتني الزميلة رجاء حميد ، كتابها  الذي يسجل مسيرة ابيها في عالم الصحافة والترجمة والعصامية ، لم اتوقع انه سيكون كتابا مهما يحكي عن فترة صحفية واعلامية ثرة في حياة العراق ، لاسيما المدة الممتدة من خمسينيات حتى نهاية ستينيات القرن المنصرم ، وهي مدة غنية بالأحداث السياسية والاجتماعية .

الكتاب بعنوان ( حميد رشيد كما يراه الاعلاميون ) وتضمن شهادات مهمة عن الصحفي العراقي الكبير حميد رشيد ، الذي غادرنا الى دنيا الخلود في العام 1969 وهو على منضدة عمله الصحفي ، شهادات لعميد الصحافة سجاد الغازي ، محمد الجزائري ، خالد الحلي، فائق بطي ، حميد المطبعي ، سلام خياط ، صادق الازدي  ، محسن حسين ، حسن العلوي  وكاتب هذه السطور ، وغيرهم الكثير .

واللافت ان تلك الشهادات ، وهي تتحدث عن حميد رشيد الانسان والصحفي ، عرجت الى جوانب مهمة في الواقع الاعلامي العراقي قبل 50  عاما ، فمن خلالها عرفنا معلومات عن فكرة الاحتفال بعيد الصحافة العراقية ، وعن قانون تقاعد الصحفيين ، وكيف كان السياسيون الذين قارعوا العهد الملكي، يعيشون في السجون التي حولوها الى قاعات دراسية وثقافية ، وكيف تعلم فيها ” حميد رشيد” اللغة الإنكليزية ، واصبح واحدا من اهم المترجمين في تاريخ الصحافة العراقية ، ومن ملامح تفوقه في هذه اللغة العالمية ، تم اختياره ليكون اول مذيع تلفزيوني عراقي باللغة الانكليزية ..

ان المرحوم حميد رشيد ، الذي زاملته  مدة قصيرة في صحيفة ” الثورة ” في اولى سنيها ، وقبلها التقيته مرات عديدة في نقابة الصحفيين في مقرها القديم قرب  مبنى وزارة التخطيط الحالية ، كان رجلا عصاميا ، واسع الثقافة  ، واصبح مترجما ، دون ان يحصل على شهادة جامعية تؤهله لحمل لقلب” مترجم”… حيث  علم نفسه بنفسه ، بشكل عجيب ، وثابر بشجاعة حتى امتلك ناصية اللغة الانكليزية وبعض الفرنسية والالمانية الى جانب لغته الام العربية  فعُرف باختيار السهل الممتنع منها ، فكانت  ترجماته ومقالاته جميلة ، ساحرة .. وهو على كفاءة عالية في  شتى صنوف العمل الصحفي الى جانب مهمته الرئيسة ” الترجمة ”  مثل العمود والتحقيق والمقال السياسي والخبر والدراسة التحليلية .

وعندما نذكر حميد رشيد ، نستذكر مواقفه في تجذير القيم المهنية العالية ، فلم اره يوما يغتاب احدا ، او يشر الى نقيصة ما في سلوك احد الزملاء ، وايضا نستذكر مساهماته في تأسيس مع زملاء آخرين شواهد وشواخص اعلامية مهمة في الحقل الصحفي والاعلامي  ، ظلت احداها قائمة حتى الاحتلال ، واخرى لازالت قائمة ، فهو اسس مع  الاستاذ محسن حسين ” ابو علاء ” والاستاذ الزميل احمد القطان ( وكالة الانباء العراقية ” واع ” ) في عام   1959 .

وايضا كان حميد رشيد  ضمن 11  صحفيا ، قابلوا عبد الكريم قاسم في 8  ايار 1959 وقدموا طلبا لتأسيس نقابة للصحفيين العراقيين ، باعتبارهم هيئة تأسيسية .. وقد ضمت الهيئة : محمد مهدي الجواهري (صاحب صحيفة الرأي العام ) ، يوسف إسماعيل البستاني ( ممثلا عن صحيفة اتحاد الشعب ) عبدالله عباس ( صاحب صحيفة الأهالي ) عبدالمجيد الونداوي ( رئيس تحرير صحيفة الأهالي ) صالح سليمان ( ممثلا عن صحيفة صوت الأحرار ) فائق بطي ( احد أصحاب صحيفة البلاد) موسى جعفر أسد ( ممثلا عن صحيفة الثورة ) حمزة عبدالله (ممثلا عن صحيفة خه بات الكردية ، وتعني النضال بالعربية) صالح الحيدري ( من صحيفة خه بات أيضا ) حميد رشيد صحفي محترف ، عبدالكريم الصفار صحفي محترف أيضا ..

شكرا لـ”رجاء”  آخر عناقيد حبيبي حميد رشيد ، وعذرا للنسيان الذي بدأ يلف ذاكرة معظمنا ، وانا واحد منهم ، إذ لولا  ” رجاء ” ما كانت هذه السطور.

Z_alhilly@yahoo.com

PM:11:14:19/11/2022