قصتي مع نوال السعداوي
رفيف الشيخلي


كنت في العاشرة من عمري تقريبا، حين أهداني والدي كتاب نوال السعداوي «رحلاتي حول العالم». كان دواء وملجأ لي، أنا التي جئت من الكويت، حيث عشت في وسط يعرف بعض التنوع، إذ كان لي جيران من الهند، من إيران، من الفلبين، ومن العراق. ودرست في مدرسة للراهبات وهناك تعلمت قواعد الوضوء والصلاة للديانة الإسلامية. وكان لي زملاء ومعلمات من عدة جنسيات عربية.

 لم يكن قد مضى على انتقالنا إلى المغرب سوى 3 سنوات حينها. ولم أكن بعد استطعت التأقلم كما عليه الآن. كنت أفتقد لذلك التنوع في اللغة واللهجات والطباع والعادات والدين والمذاهب والأشكال... لذلك كنت فرحة جدا بكتاب نوال السعداوي، الذي تعلمت منه أن العالم أكبر بكثير مما أتصور. وفيه تنوعات لا حصر لها وفي كل تفاصيل الحياة، كل شيء. وهذا ما يجعل الحياة مغرية جميلة.

بعدها، رحت أطلب من أبي كتب نوال السعداوي. والتي من خلالها وجدت عدة أجوبة كانت تراود تلك الطفلة التي كنتها: لماذا الرجل لا يضع الحجاب؟، هل شعر المرأة عيب وشعر الرجل لا؟، لماذا لا يسمح آباء زميلاتي وجيراني لبناتهن باللعب في الشارع ويسمحون لأولادهم بذلك؟، هل شغل البيت عيب؟، لماذا يترفع عنه الرجل؟، وكلما كبرت وكثرت ملاحظاتي كانت تكثر الأسئلة... 

مع نوال السعدواي تعرفت على معنى مجتمع ذكوري، وسلطة المجتمع، وحقوق... وختان الإناث. والكثير من المشكلات الأخرى التي يعرفها كل من قرأ أو حتى سمع بتلك الكاتبة القوية. فلست هنا بصدد تلخيص أهم ما جاءت به، ولا الحديث عن كتبها. ولا عن شدة دفاعها عن المرأة التي جعلتها تبدو معادية للرجل... 

لكني أريد فقط التعبير عن إعجابي الشديد بقوة تلك المرأة. التي تكمن في صدقها، في أنها كانت تفعل ما تؤمن به. تصالحها مع نفسها، كانت «قول وفعل»... لم تكن تضع مساحيق التجميل، لأنها ترى أن هذا فيه تبخيس لشخصية المرأة وجعلها سلعة. فإن تزيين جسد ما يعني أنك تشعر بأنه غير مثير للإعجاب على حقيقته... وكلنا نرغب في أن يقبلنا الآخر على حقيقتنا. أن يحبنا لشخصنا وليس لشكلنا، فالشكل سيتغير، سنكبر وتملأ وجوهنا التجاعيد، ويصبح شعرنا بلون الفضة (هذا إن لم يصبنا مرض أو حادث في سنوات الشباب)... كلنا سنعيش ذلك، لكن قلة قليلة من النساء اللواتي استطعن أن يحببن شكلهن كما هو، بعيوبه وعلامات السنين... 

تعلمت منها أيضا أن ما يسمى بـ «المهر» أمر مرفوض، لأن الزواج عملية تشارك، مبينة على الاحترام والحب. وليست بيع وشراء كي يُطلب من الرجل مبلغ مادي. ومع ذلك نجد الكثيرات يعتبرن قيمتهن من قيمة مهرهن. (في الأدب الروسي نتعرف أن العادات التي كانت سائدة هناك أن تعطي المرأة مهرا للرجل). 

قبل أيام رحلت نوال السعداوي... لكنها ستبقى في ذاكرتنا كلنا، من قرأ لها ومن لم يفعل... من أحبها والعكس... من حزن بخبر موتها ومن لم يعنِ له الأمر شيئا... في ذاكرة الكل، لأنها حققت هدفها في أن تؤكد أن للمرأة شخصية وقوة وصدقا... ستبقى في ذاكرتنا لأنها كانت صادقة وشجاعة.


AM:03:52:12/04/2021