التلوث المعلوماتي واقتصاد الانتباه
يوسف مبارك

بين مفهومي عنوان هذا المقال، ضاعت قيمة وفائدة الاهتمام السياسي والتجاري والترفيهي، وتراجع تركيز الفرد على أخبار الجائحة وفاعلية اللقاحات.

ومنشأ هذا التوجه هو الزخم المعرفي المرهق والمتابعات المتلاحقة، ويضاف إليها الابتلاء باستدامة إبداء الرأي والتفاعل مع واردات معرفية عابرة أو مستمرة.

وكل ذلك لا بأس فيه لولا الكم الهائل من التزييف الذي يشوب المجرى الإخباري المباشر، الوارد إلينا عبر الهواتف الذكية.

بورصة الاهتمام قائمة على المصداقية والفائدة، وبهما يتم امتلاك الوعي العام، وهي بورصة يحتاجها التاجر والسياسي بنفس القدر.

وبعيدا عن القلق من قلة وبُطء مساعي تنظيف المعلومات من الزيف والكذب، سعدت مؤخرا بقراءة دراسة من جامعة بوفالو في نيويورك حول تقنية استباقية لفرز فيديوهات التزييف العميق deep fakes، من خلال رصد غياب أو خفوت لمعان العيون غير الطبيعي لشخصيات تم زرعها بواسطة الذكاء الاصطناعي في أفلام و"تقويلها" ما لم تقله.

وبلغت درجة رصد التزييف 94 في المئة – وبنفس القدر من الأهمية – أنها تقنية جاهزة قبل الانطلاق الكامل لخدمات صناعة الأفلام الافتراضية ذات الشخصيات المصطنعة.

ليت ذلك حدث قبل فيضان التعليقات وتسجيل المواقف بالكلمات عبر منصات التواصل الاجتماعي، لضمان صحة وواقعية العدد، والأهم صحة الآراء وأنها فعلا لأناس حقيقيين.

فكروا قليلا في سيناريو لا يحتوي على أدوات تنقيح بصري مثل البرنامج المذكور أعلاه، وتقوم فيه قناة إخبارية أدمنت التغطية الحماسية لرفع نسب المشاهدة، أو جهاز مخابرات متقدم الإمكانيات، بصناعة فيلم يظهر شخصية عامة معروفة – في وضع مخل أو بقول جدلي – واستخدام ذلك في ضرب سمعة الشخص وشعبيته.

كم ستنتظر الجموع لمعرفة مصداقية الفلم من زيفه، وما الذي سيدفعها الفيلم المزيف للقيام به في فترة انتخابات أو التصويت على سياسات أو أي موقف عام عند منعطف مصيري؟.

لولا تطور الحيل السيبرانية وقدرات الحرب الإلكترونية عند دول مثل روسيا والصين، لعاودت دول مثل الولايات المتحدة – عن طريق مجتمعها الشبكي ومنصاته – باستغلال التزييف كأداة للتأثير في السياسة الخارجية – بموافقة دوائر القرار بالطبع، مع تحقيق الأثر المطلوب قبل انكشاف الزيف بوقتٍ كافٍ من الانتشار.

وادي السيليكون وضواحيه، والجامعات ومراكز الأبحاث الأميركية لم يسارعوا لإبطال السحر قبل حدوثه إلا لقطع الطريق على ممارسته ضد مجتمعاتهم.

وعلى هذا التوجه نشكر الثنائية القطبية الناشئة في المجال السيبراني، إذ لولا تسلّط آفة على أخرى لنما صنف من التكنولوجيا دون سيطرة وبعواقب غير محمودة.

على الشخصيات العامة والعاملة للصالح العام مسؤولية التكثيف من نشر المواقف البناءة – حكاما وتجارا ومسؤولين – إذ أنهم الأكثر حاجة لتشييد صرحٍ استباقي لترسيخ سلامة السمعة الشخصية والوظيفية ونشرها، وعليهم وحدهم مسؤولية التأسيس لتفاعل مباشر وحي يصل للناس ويكونون مصدره دون سواهم، إذ أنهم الأولى دون سواهم بالاستحواذ على الأسهم الصاعدة على الدوام في بورصة الاهتمام الشعبي الضامن لرواج واستدامة الولاء السياسي والرواج التجاري والرضا عن الأداء.

AM:03:00:31/03/2021