إِكسبو: ازدهار المرأة.. ازدهار البشريَّة
رشيد الخيون

إذا أردت إعطاء إنجاز حقّه، عُد إلى ما قبل تاريخه، كان على أي هيئة؟! تذكر عند المرور مِن بوابة «إكسبو 2020» بدبي، المشيدة كعمل فني، أنَّ المكانَ كان كثباناً رمليَّة، ليس فيه أثر لعمران، لكنَّه جذب (192) دولةً، شاركت مِن البناء حتى العرض، ليبدأ تاريخ آخر للمكان. معلوم ما يعنيه الرَّمل الخالي مِن أسباب الحياة،

أما ترون أنَّ العرب سموا المرأة التي يموت عنها زوجها بالأرملة والرَّجل بالأرمل، أي افتراش الرَّمل، كناية عن بؤس الحال؟! لذا لنا تقدير رجاحة العقول التي وراء تحول الرَّملاء إلى أرضٍ زاهيَّة، يعرض فيها العالم اختراعاته وإبداعاته، ويأتيها للعمل والسِّياحة والاستجمام.

حكى قصة هذا التحول، في كلمة الافتتاح المؤثرة، وزير التسامح والتّعايش المفوض العام لإكسبو 2020 معالي الشيخ نهيان بن مبارك، أكد على بناء الإنسان والبنية التّحتية، خلال الخمسين عاماً، والإعلان عن خطة تنموية لخمسين عاماً قادمة.

أشار إلى مشاركة أبوظبي، قبل تأسيس الدَّولة، بعام في دورة إكسبو 1970 بأوسكا اليابانية، بجناح صُمم على قلعة الجاهلي بالعين، بعدها قدمت الإمارات(2011) ملفاً لاستضافة إكسبو، وفاز عنوانها: «تواصل العقول وصنع المستقبل». بدأ إكسبو (1851 ميلادية)، وكان يُعرف ب«المعرض العظيم» آنذاك، عُرضت في دوراته الاختراعات التي تتنعم بها البشرية اليوم.

جذب إكسبو 2020 دبي (192) دولةً، لكلَّ منها جناحها المشيد حسب رؤيتها. ستبقى العمارة في المكان، تستغل بمشاريع استثمارية وخدميَّة، بخطط مسبقة. غير أن حضور هذا العدد الكبير مِن الدول، ووصول رؤسائها ووزرائها، ويبقى المعرض الدولي (إكسبو) مفتوحاً لستة شهور، ما تحقق ذلك إلا باطمئنان دول العالم على الأموال والأرواح، لا مساومات للفساد في العقود، ولا مساومات على أمنها.

وهنا، لستُ محتاجاً إلى التَّذكير بالبلدان فاحشة الثراء، والتي لا يغطي الرَّمل اليبيس طينها الخصيب، حيث تجري المياه العذبة، ويختزن النِّفط، مع تاريخ حضاري ضارب في الدَّهر، لكنها غدت خراباً يباباً، بفقدها العقل والضّمير الحَيَّ، ولا قيمة للثروة مِن دون هذا التوأم.

استرعى إلتفاتي، في إكسبو 2020، أمر اجتماعي، يُعد عالمياً، الحساس والضَّروري لمنطقتنا، يقود تقديمه في إكسبو بهذه القوة والصّراحة، إلى التَّفكير ملياً، بما له صلة بإزاحة الرَّمال، وما يصاحبها عادةً مِن طبائع وأفكار، والمرأة الضَّحية الأولى.

يُنبئك ذلك أن العمران ليس عمارات وأبراج، إنما بناء الإنسان أولاً، وفي المقدمة العمل نحو مساواة المرأة تحت شعار: «ازدهار المرأة ازدهار البشريَّة». لا يتحقق هذا الازدهار إلا بإلغاء التَّمييز بين جناحي المجتمع.

رُفعت في إكسبو عبارة «المرأة تحكم»، وهي إشارة إلى الرَّئيسات ورئيسات الوزرات، وآخرهنَّ نجلاء بودن رئيسة حكومة تونس، كأول منصب لامرأة بمنطقتنا، خلافاً لما يرد في كتب «الأحكام السُّلطانيَّة»، وفقه الولاية، بعد وجود تسع وزيرات في حكومة الإمارات، ونلتفت إلى الماضي القريب فنجد العراقيَّة نزيهة الدّليمي(ت: 2007) أول وزيرة بشرقنا.

كان أبو الطَّيب(قُتل: 354هجريَّة) سابقاً زمنه: «وما التَّأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ/ ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ»!

أقول: لو عاد الزَّمن إلى ما قبل نصف قرن، هل يتوقع أحدنا أن يظهر فوق الرِّمال العطشى، صوتٌ يربط ازدهار البشرية بازدهار نسائها، ويُرفع صوتهنَّ ضد العنف وزواج الصَّغيرات، وأنَّ ينادى: «المرأة تحكم»؟! كان حلماً مستحيلاً، لكنَّ بالعقل المنير المدبر تحول واقعاً.

-almadapaper

AM:01:38:07/10/2021