"سكلة" الإنتخابات!
قاسم حول


تظهر الإعلانات عن المرشحين للبرلمان العراقي "الموقر" بوجوه مكررة ومطلية بالمساحيق ومصففة الشعر، التي لا تجيد تمثيل رسم الإبتسامة، بل وتفشل في أدائها، والتي تكشف ضمناً، حجم الأموال التي يملكها المرشح، وتكشف الإعلانات شكل الوجوه الآتية، وشكل مستقبل العراق الآتي،  وما هو متوقع من تلك الوجوه، إستناداً إلى المثل القائل "الكتاب يعرف من عنوانه"!

الحقيقة أنني لم أعد أكترث كما السابق، في متابعة عهر الفضاء من خلال الفضائيات، لأن الأمور تداخلت وتدهورت حتى صعب علينا العثور على "راس الشليلة" ولكثر ما تعددت التوقعات والتكهنات، ولكثر ما كثرت الوقائع، بتنا لا نعرف إلى أين نحن سائرون، حتى صرنا في رغبة أن يذبحوا العراق على قبلة "ونخلص!" لكي ننسجم برغبتنا مع مؤشر بوصلة القبلة، أو نهجر برغبتنا بما تؤشر بوصلة القبلة، أو نموت برغبتنا إنتحاراً، بسبب ما تفرضه علينا بوصلة القبلة!

وقد يكون الموت إنتحاراً، هو الخيار الأجمل!

الإعلانات التلفزيوينة التي تبث من الفضائيات عن الحملة الإنتخابية تذكرني بالإعلانات التلفزيونية التي كثرت على شاشات التلفزة، مع السنوات الأولى بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، وعنوانها "لعيون العراق فتح عيونك" بتوقيع  "عراق الغد" .. حاولت يومها، أن أعرف مقر "عراق الغد" هذا، فلم أفلح .. لا بريد إلكتروني .. لا عنوان شقة في شارع .. لا هاتف محمول أو غير محمول.

والإعلانات تمطر علينا،  من كل القنوات الفضائية العربية!

ومن يتابع الإعلانات الإنتخابية اليوم، وإستمرار بثها على مدى أربع وعشرين ساعة ويقرأ ما هو مدون في هذا العمود الصحفي عن أسعار الإعلانات للثانية الواحدة، التي كانت تدفع للفضائيات من قبل "عراق الغد" كوسيط متعاقد، ولـ "عيون العراق فتح عيونك"، سيعرف حجم الثراء المكتنز لدى المرشحين، ودلالاته! وحجم الأموال وفائض "القيمة" التي تصادفت مع زيارة الأربعين، وعلى مدى ثمانية عشر عاماً، منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا! 

إن الحد الأعلى لزمن الإعلان التجاري على شاشات التلفزة، يقع بين الخمس ثوان والعشرين ثانية كحد أعلى، وسعر هذا الإعلان، يعرّف بالثانية الواحدة، إستناداً إلى وقت البث ونوع البرنامج!

الإعلانات التي كانت تنتجها مؤسسة "عراق الغد –الوهمية" يتوزع وقتها بين العشرين ثانية والأربعين ثانية والستين ثانية والثمانين ثانية، أي "دقيقة وعشرون ثانية" أي مضاعفات العشرين ثانية، وزمن الإعلان هذا لم يحدث سوى في العراق! 

غموض منقطع النظير لا نعرف عنه شيئاً، ولا عن المؤسسة "المافيوية" التي كانت تنتج تلك الإعلانات بأسعار خرافية  حتى وصل سعر إنتاج الإعلان الواحد إلى مائتي ألف دولار في بعضها .. وهي أسعار خيالية قياساً بمستوى الإنتاج الفيديوي في منطقة الشرق الأوسط  "للمناسبة فإن كثير من تلك الإعلانات تبشر وتعلن عن مجيء الإرهاب وتباركه" .. هذا جانب، وهناك جانب آخر من الفساد يتعلق بالبث وهو غير ميزانية الإنتاج الإعلاني .. حققت شخصياً حينها، في أسعار البث عبر شركة لبنانية، وطلبت أسعار بث الإعلانات، ورصدت ليوم كامل بث برامج إحدى القنوات في الخليج، ومدة الإعلانات العراقية التي يجري بثها،  وأدون هنا بعضاً تلك المتابعة، لمناسبة بث الإعلانات عن "المرشحين" في ذات الفضائيات!

إن  سعر الثانية من البث التلفزيوني في نشرة أخبار ما بعد الظهيرة هو 225 دولاراً  للثانية الواحدة، ولما كانت مدة الإعلان العراقي ثمانين ثانية، فيصبح  السعر للإعلان الواحد، ولمرة واحدة  ثمانية عشر ألف دولار.

بعض القنوات تقدم عرضاً تشجيعاً للعشرين ثانية لثلاثة عروض في اليوم. وفي نشرة الأخبار للإعلان الواحد على مدى شهرين ويسمونه "السعر التشجيعي"  وهو ستون الف وسبعمائة وخمسون دولاراً للعشرين ثانية ولثلاث مرات في اليوم على مدى شهرين.

في تلك النشرة الإخبارية التي راقبتها على مدى يوم كامل، ومدتها نصف ساعة، مضافاً اليها نشرة إقتصادية لخمس دقائق، وسجلت الإعلانات العراقية فقط التي تبث خلالها،  فقد تم بث سبعة إعلانات عراقية وهي على الشكل التالي:

1 – إعلان مدته دقيقة وعشرون ثانية 2 – إعلان مدته 40 ثانية 3 – إعلان مدته  60 ثانية  4 – أعلان مدته 40 ثانية 5 – إعلان مدته 40 ثانية 6 – إعلان مدته 60 ثانية 7 – إعلان مدته 40 ثانية "يرجى ملاحظة أن جميع الإعلانات هي مضاعفات العشرين ثانية المدة القياسية للإعلان! ولو جمعنا أسعار بث هذه الإعلانات التي يدفع العراق ثمنها نقداً، عبر الشركة الوسيطة ووفق أسعار نشرة الأخبار بعد الظهيرة، فإن مجموع ما يدفع عن الإعلانات سبعة وستون ألف وخمسمائة دولار للمرة الواحدة في النشرة الواحدة! ولو إفترضنا بأن هذه الإعلانات بإعتبارها إعلانات دائمة وحسبناها ضمن السعر التشجيعي ووفق مدة الإعلان غير النظامية، التي ينتج بها العراق إعلاناته، فإن العراق يدفع للقناة الفضائية الواحدة لهذه الإعلانات السبعة وعلى مدى شهرين، حيث المدة الإعلانية لهذه الإعلانات السبعة هي 400 ثانية، أي بزيادة على المدة النظامية للإعلان مدتها 260 ثانية خارج الوقت النظامي للإعلان، فإن العراق يدفع كل شهرين للإعلانات السبعة لثلاث مرات لبث الإعلان الواحد وبالثواني المذكورة ما قيمته مائة وإثنين وثمانين الف دولار للقناة الفضائية الواحدة!!!!!

هذه الأرقام وصلتني عبر الشركة اللبنانية ومن خلال رصدي للإعلانات على فترات متباعدة ولعدة قنوات فضائية!

يوجد في فضاء المنطقة أكثر من ألف فضائية!!

من من المواطنين الناخبين  يعرف المرشحين المخدوعين من  أبناء الشعب الغلابه، سوى أولئك الذين تظهر وجوههم ووجوههن، على الشاشات!؟

عندما ضج فساد الإعلانات في أول سنوات سقوط الدكتاتورية، وبعد أن كتب الراحل أحمد الجلبي (!) تقريره إلى الكونغرس الأمريكي، عن لعبة الإعلانات وفسادها، والتي زكمت رائحتها الأنوف، وبعد أن دفعت إحدى الوزارات مبلغ مائتي ألف دولار لإنتاج إعلان بسيط  واحد لا يتجاوز ثمنه العشرة آلاف دولاراً،  أجرت إحدى القنوات التلفزيونية مقابلة مع "وكيلة الوزارة" التي دفعت ثمن الإعلان "مائتا ألف دولار" .. كان جوابها: "رجال اللي يعبي بالسكلّه ركي!"

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا

AM:11:14:08/10/2021