في فلسفة الحرية
حازم رعد

الانسان حر.. ولد حراً ويموت حراً.

وهو حر فيما يؤمن به، وفيما يتبنى من عقيدة وهو حر في شكل السلوك الذي يتصرف به "شرط ان يقف عند حدود حرية الاخر" عدا ذلك هو غير ملزم بشيء.

الانسان حر فيمن يلتقي بهم ويجالسهم، وكل الادبيات التي تنهى عن ذلك موضوعات ذوقية بشرية لمجتماعات يمكن ان تكون غير ذلك مجتماعات اخرى، ويمكن ايضاً ان تتغير ويحصل فيها تحول في الجغرافيا الواحدة بمرور الزمن او بفعل ضروف وعوامل اخرى اجتماعية او سياسية او دينية والانسان في كل ذلك غير ملزم بالتقيد فيها.

وكل حديث عن وجود مرجعية احالة مركزية واحدة تنتج لنا اعتبارات تقييدية هو ضرب من الوهم ومحاولة القفز على الواقع بل هي التفاف صريح على حرية الانسان. عدى ايمان الانسان بالشيء او بالفكرة ليست هناك شرعية لاي مصدرية اخرى.

ولذا قلنا في مناسبات مختلفة وقايسنا [ ان الاختبار الحقيقي لتدين الانسان انما يحصل في اجواء اطلاق سرب الحرية ووجود امكانية ان يفعل ماهو مخالف ومنهي عنه دينياً او اجتماعياً، وفي هذه الاجواء فقط يتحدد للانسان معيار واضح وحقيقي للنجاح او السقوط في غياهب الفشل، الايمان وعدم الايمان].

الحرية ممارسة لها قداستها لكنها ليست على غرار المقدس الديني وانما تعني انصاف الذات من خلال عدم تركها العوبة بأيد الاخرين او اعطاء العقل اجازة عن التفكير ويحل تفكير الاخرين بديلاً عنها في ذلك ووكذلك تثبت قداستها من خلال احترام الذات لذاتها بعدم فسح الاخرين للخوض فيها فبالتالي ما يتصوره الناس من افكار وفعل يعكس تجربتهم الشخصية وهل يتقبل احد ان يتدخل غيره برسم معالم تكل التجربة قهراً ورغماً عنه حتى يتقبلها على الاخرين وهذا الامر يستحق الدفاع والمواجهة ان لزم الامر ذلك [ الانسان بطبيعته يميل بشدة الى الحرية بحيث اذا اعتاد عليها يضحي بكل شيء من اجلها] كما يقول ايمانويل كانط.

والعكس ايضاً صحيح فمن يجد التقيد بالقيود امراً صحياً مهما كان شكلها وان يحدد تصرفاته وفق منظومة اخلاقية او دينية او اجتماعية هو حر ايضاً ولا يحق لاحد ان يعارض ذلك او يحاول الاقلال من شروط تلك الحرية فالانسان كما قلنا حر بالقوة وبالفعل حر بالتفكير وحر في الممارسة وحر بالتبني.!

الحرية ليست مفهوم صنعه الانسان بل ان نفس الانسان حر بالاصل وبالفطرة كما يعبرون وليس له ان يبحث نظرياً عن اطر معرفية تؤصل له حريته فهو بمجرد ان يمارس او يتبنى ما يظنه مناسباً له يعبر عملياً عن حريته فالحرية وهي اخلاء لسبيل التصرف واطلاق لسرب الافكار وتعبير حقيقي عما يختلج الذات فعل واقع سواء تعرض للقهر او القمع ام لا.

واجد ان قول غابريل مارسيل في هذا السياق يعزز ذلك فهو يرى [ في اننا نحن الحرية التي نسعى اليها ونا ينقص هو ان نمارسها وعلينا استبدال السؤال التقليدي عن ماهية الحرية بسؤال اخر اكثر فعلية هو كيف نستخدم ونمارس حريتنا] اذن حقيقة الحرية كامنة في ممارستنا للشيء لا في البحث داخل بنية المفهوم عنها.

وقد ورد في بعض الحكم ان الحر حر ولو مسه الضر، اي تبقى الحرية ثابته له حتى لو تدخل عارض يحدد حريته سواء كان العارض جماعة مؤدلجة او سلطة تكبح جماح حريته او كان العارض مادي مرضي او غير ذلك يحدد من نشاط الانسان في ممارسة ما يختاره من افكار وشكل تصرف وفعل.

يتحدث البعض عن لونين من المقيدات للحرية الانسان اذ يعتقد اولئك انه بالامكان تقييد الحق الطبيعي لمجرد عدم تناسبه مع ميولهم المختلفة..

يسمى الاولى ذاتية وهذه قد تكون صحيحة لان لازمها وقيدها الاسلسي ان تقف عند حدود حرية الاخرين على قاعدة [ عامل الناس كما تحب ان يعاملوك بمثله] تسمى هذه القاعدة بالذهبية لانها تتوسط طرفي الافراط والتفريط فهي شرط يقيد الفعل من ذاته لا بترسط عوامل خارجية قاهرة تتعرض للانسان لقهر ارادته وقمع حريته. والاخرى قيود موضوعية: وهي التي لا اجد لها اصلاً ذاتياً وهي حاصل تدخل عنصر خارجي على الذات لتحديد حريته وضبطها وفق افكار جماعة مهيمنة او دين ما او رؤية حزب او انجاة فكري معين له قدرة فعلية بفضل السيطرة او السلطة على تقييد حرية الاخرين او ضبطها وتصويبها بما ينسجم مع افكار الجماعة او الحزب او الايديولوجيا.

نعم هناك فارق كبير بين اقتحام حرية الناس وتقييدها وبين ضبط سلوك الانسان من قبل سلطة الدولة التي تجيء منسجمة مع العقد الاجتماعي المبرم مع الناس ومر ذلك العقد بتجارب اضفت عليه الشرعية كتخويل جماعة بالنيابة عن الناس في الحكم والسلطة لضبط القانون العام وحفظ النظام وتثبيت السلم المجتمعي او عبر طريق الديمقراطية والاقتراع العام "الانتخابات" فان معطيات تلك التجارب تكون قريبة من الصحة لانها تكون منسجمة مع بنود ذلك العقد المبرم بين الحاكمين والمحكومين بغض النظر عن شكل تجربة الحكم.،

فتارة ان ما نسمية استبداد السلطة او نطلق عليه قمع للحريات وحد منها هو في جوهره عملية تنظيم للعمل وضبط للسلوكات تفادياً من الوقوع في الفوضى وبالتالي سيادة الدكتاتورية والارباك الاجتماعي او الوقوع في محاذير الحروب الاثنية والطائفية اذ بالتالي لابد للناس من امير "سلطة" بر او فاجر يسوس امورهم ويدبر شؤونهم العامة وينظم العلاقة فيما بينهم وبين الطبيعة والتجمع السياسي الذي هم فيه فان مصلحة الناس في التقيد بالقوانين للحفاظ على مصالحهم العامة واهمها حفظ النظام من الانهيار او الفوضى.

وقد التفت ارسطو طاليس لهذه الخصيصة حيث يقول [ان المصلحة التي هي مفيدة لشخص او مجموعة من الناس هي الحاكم الاعلى في الامور السياسية وينبغي ان تكون كذلك]، وذلك لا يتنافى مع حرية الانسان او ينقصها بل هو تعزيز لها فواجب السلطة التي ابرم معها العقد الاجتماعي تنظيم المجتمع واقرار القوانين التي تحفظ حريات الافراد والجماعة البشرية وتهيئة المؤسسات اللازمة لذلك.


AM:02:07:26/04/2023